أعدتها: محاسن أصرف
- اسمي قُصي وعمري لا يتجاوز الخامسة إلا بأشهر قليلة.
- في غزة مسكني وفي عكا جذور أبي وأجدادي وحتمًا سأعود إليها يومًا رافعًا راية النصر.
- والدي يُدعى “مصطفى” يعمل في صناعة الفخار منذ 20 عامًا وجدي “محمود عطا لله” أيضًا صانع فخار قديم، منهما ورثت المهنة وسأورثها لأبنائي.
- كنت أراقبهما وهما يُشكلان من الطين قوارير وأباريق وحتى أواني للطعام، كنت أحب ألوانها وأشكالها المختلفة؛ فبعضها دائرية لونها كلون بشرة أبي وجدي حنطي، وقطعٌ أخرى طولية بلون الليل سوداء، وثالثة بيضاء ترى من ثقوبها رذاذ الماء بداخلها.
- في عمر الثالثة حين اشتد عودي وقويت أناملي حاولت العزف بها على الدولاب الخشبي مُقلدًا أبي وجدي في تحويل الطين إلى أوانٍ مفيدة للناس.
- وقتها بدأت أولى خطواتي لاكتشاف سر صناعة الأواني الفخارية، كانت تُشبه لعبة استكشاف الأشياء، كنت كلما وجدت الدولاب الخشبي فارغًا أعبث بالطين وكلما يراني أبي يضحك ويُدربني على مهنته شيئًا فشيئًا.
- بعد عام تملكني حب المهنة وبدأت أشعر بالحنين لملمس الطين ورائحته كلما غبت صباحًا في الروضة لأتعلم اللغة، حتى إذا ما عدت أتسلل إلى مصنع أبي وما أُغادره إلا حينما يُغادره هو، تعلمت جيدًا كيف أصنع الأباريق الصغيرة والأغطية الخاصة بقوارير المياه ورؤوس الشيشة وبت أصنع في اليوم خمس قطع فخارية.
- جلوسي خلف الدولاب الخشبي مُتعة لا توصف، أما صنع يداي للأواني الفخارية فهو فخرٌ لي ولعائلتي التي ورثت مهنة صناعة الفخار عن الأجداد، فأنا أُمثل الجيل العاشر لعائلة عطا لله التي احترفت صناعة الفخار ليس لكسب الرزق، بل للحفاظ على التراث.
- قبل سنوات تعلم المهنة شقيقي محمود ومن قبله شقيقتي ريم وتم إطلاق لقب أصغر صانع فخار في العالم عليهما واليوم تسلمت اللقب وفي المستقبل سيتسلمه غيري، سنبقى نكتب بطين الفخار معالم تاريخنا ونرسم حدود دولتنا ولن نتخلى عن حلمنا بالعودة لأرض أجدادنا.
- ولكن بالأمس أخبرني والدي بإمكانية موت مهنتنا بعد تسلمه من البلدية إخطارات عدة بإزالة الورشة نزولًا عند رغبة عدد من المواطنين المتضررين من دخان أفران الفخار لدينا.
- أتمنى على الحكومة والجهات المعنية بحفظ التراث أن تجد سبيلًا لدعم هذه الورش إما بنقلها إلى مكان مناسب أو مساعدتنا في بناء مداخن شاهقة لتحول دون دثر رمز من رموز التراث الفلسطيني زاد عمره عن 4 آلاف عام.