رولا سرحان
أول باب يفتح على الممارسات غير الديموقراطية يتمثل دائماً في تقييد الحريات التي تنص على احترامها الدساتير كافة، والمتمثلة في حرية الرأي والتعبير والعبادة، والتي هي ميراث حقوق الانسان وجوهره، ومعيار التقدم الثقافي والحضاري لأي نظام سياسي، وهي أساس التنمية.
والرسم الكاريكاتوري كان من أهم الفنون التي عرّفت بالقضية الفلسطينية كما فعل ناجي العلي، وكما يفعل الآن شاب لبناني برازلي المولد، وهو كارلوس لطوف، الذي توجه له الكثير من الانتقادات الغربية بسبب دعمه لقضايا الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص. وعندما قامت الدنيا ولم تقعد قبل شهر تقريبا على خلفية ما تعرضت له صحيفة "شارلي إيبدو" من هجمة إرهابية بسبب إعادة نشرها لرسومات مسيئة للنبي محمد عليه السلام، كان كل مدافع عن حرية الرأي والتعبير يقف إلى جانب الصحيفة من منطلق احترام الحريات، وأن الإرهاب هو أخطر عدو تواجهه تلك الحريات.
والإرهاب لا يقتصرُ على الإرهاب الدموي أو العسكري أو المتطرف، فهنالك أيضاً الإرهاب الفكري، وهو أخطر أنواع الإرهاب، لأنه يخلق خوفاً ورقابة ذاتية تخنق الإبداع والمبدعين.
ما يستدعي السؤال الموجه في العنوان لسيادة الرئيس محمود عباس، هو أمره فتح تحقيق في الرسم الكاريكاتيري الذي نشره محمد سباعنة في صحيفة الحياة الجديدة يوم أمس. وما يدعو للاستغراب هو المفارقة بين أن تكون سيدي الرئيس في الصفوف الأمامية لمسيرة الجمهورية الفرنسية لمناهضة الإرهاب مستنكراً الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو، بينما يتم توجيه أمر رئاسي في ذات الوقت بالتحقيق مع سباعنة على خلفية الرسم الكاريكاتوري المذكور.
نحن اليوم في خضم معركتنا مع الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، نسعى للتسلح بالقانون الدولي لانتزاع حقوقنا، ونحن منضمين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي ينص على احترام الحقوق والحريات، ونحن منضمين دون تحفظ على أي من بنود هذا العهد فلماذا نكون أول من يفرغ هذه الحقوق الأصيلة من مضمونها، فالالتزام بحرية الرأي والتعبير هو التزام أخلاقي وقيمي قبل أن يكون التزاماً دولياً، والدفاع عنه مسؤولية فردية وجماعية.
والفلسطيني المخنوق أصلاً ليس بحاجة لمن يخنقه أكثر سيدي الرئيس!