الفكرة تسهم في تنظيف البيئة وتخليصها من الفضلات
العوجا (الأغوار)- عبير إسماعيل
تمكنت بعض الأسر المهمّشة التي تعيش في قضاء أريحا في الضفة الغربية من تحويل مخلفات المنازل وروث الحيوانات إلى وقود يمكن استخدامه في الطبخ والتدفئة أو حتى في توليد الكهرباء.
ولجأ بعض السكان في منطقة العوجا في أريحا إلى استخراج الوقود من مخلفات الحيوانات، وهي فكرة وتقنية قديمة أعادوا إحياءها مؤخراً.
ويستخدم المواطنون هناك طريقة بسيطة لتحويل روث ماشيتهم إلى غاز حيوي يمكن استخدامه كوقود، وذلك بعد تصميم وتصنيع وحدة إنتاج الغاز من المخلفات على أيدي خبراء من «جمعية حماية الحياة البرية في فلسطين»، وهي جماعة ناشطة في مجال البيئة في غور الأردن.
ويستخدم عدنان نجادة طريقة بسيطة لتحويل روث الماشية إلى غاز حيوي يمكن استخدامه وقودا. وقال نجادة «كانت الفكرة في البداية غير مقبولة، لكننا أصرّينا على تنفيذها إلى أن حققت النجاح التام، وها نحن الآن نستفيد منها ونحقق اكتفاءنا الذاتي من الغاز بنسبة 60 في المئة، نحن نستعمله كمادة خام، روث الحيوانات وفضلات المطبخ والخضر التالفة، والحمد الله الأمر على أحسن ما يرام».
وتُحوَّل المخلفات العضوية إلى غاز داخل خزان تتحلل فيه، بعد إضافة الماء إليها، ثم يجمع الغاز الناتج ويمر في أنابيب إلى المواقد.
ولم يكن المزارع أبو صدام يتوقع أن روث 100 رأس من الغنم، يرعاها في إحدى التجمعات البدوية بقرية العوجا، التابعة لمحافظة أريحا والأغوار، يمكن أن يتحول إلى غاز طبيعي تستطيع عائلته أن تستخدمه في نواحي الحياة اليومية.
لكن بعد تنفيذ مشروع إنتاج الغاز الحيوي منذ تسعة أشهر، هجرت زوجته هيام الطبخ على الحطب، لتكون وعائلتها واحدة من خمس وعشرين عائلة، تعتمد على ما تملكه من أغنام ودجاج، لتنتج غاز الميثان من روث الحيوانات وبقايا المخلفات المنزلية.
وتعبّر هيام عن إعجابها بالتجربة قائلة: «كنا نجمع الحطب ونشعله لنطبخ، لكن وجود هذا الغاز الجديد أراحنا كثيرا، فنحن نجمع الروث ونضعه في الخزان فيخرج غازا في الموقد، ليخدمنا من ساعتين إلى ثلاث في كل استعمال».
وتستغرق عملية إنتاج الغاز الحيوي أقل من 10 دقائق يوميا، إذ يجمع مستخدموه الروث ويخلطونه بالماء مع التحريك ليصبح قوامه سائلاً، ثم يسكب في وحدة الإنتاج، والتي هي عبارة عن خزاني مياه سعة أحدهما 1500 لتر والآخر 1000 لتر، ويتم نقع الروث في الماء، إذ يمزج 10 إلى 15 كيلو من روث الحيوانات مع 30 لتر من الماء، وتتكرر العملية من مرتين إلى ثلاث مرات يوميا حسب الحاجة وحجم العائلة.
ومن مخرجات غاز الميثان الحيوي أيضا سماد سائل خالٍ من البكتيريا والمواد الضارة، وغنيٌ بالكالسيوم والفسفور، يصلح للاستخدامات الزراعية كافة.
الفكرة تسهم في تنظيف البيئة وتخليصها من الفضلات أيضا
وقال رئيس «جمعية حماية الحياة البرية في فلسطين» عماد الأطرش إن: «الفكرة كانت أساسا ترتكز على تخليص البيئة من التلوث العضوي الموجود مثل مخلفات الحيوانات العضوية الموجودة في مزارع الأغنام والأبقار واستخدامه في إنتاج الغاز الطبيعي».
وأضاف الأطرش أن تكلفة الخزان لا تزيد عن 500 دولار وأن التمويل يتكفل به برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقال الأطرش: «تمر عملية إنتاج الغاز بمراحل كثيرة، البداية مع توفير مقومات إنتاج الغاز الأساسية الماء والبكتيريا والمخلفات ثم بناء جهاز استخراج الغاز الذي لا يتكلف كثيرا».
وقال رجل من الأهالي يدعى موفق جلايطة إن الفكرة يمكن تعميمها على نطاق أكبر في المناطق النائية في الضفة الغربية.
وأوضح «نحن الآن نشتغل بتقنية متواضعة وبسيطة، يمكنها أن تعود بالنفع على المجتمع الفلسطيني وتحديدا على المناطق الريفية والمناطق المهمشة فيه وهي مناطق يصعب وصول الخدمات إليها لذلك فإن هذه الطريقة لإنتاج الغاز تساعدهم على التعويل على أنفسهم».
تصميم المشروع وتشغيله
كما وأوضحت دانيا مرقة، الباحثة البيئية في معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح، والعاملة على مساعدة تصميم الوحدات المنزلية، كيفية تصنيع الوحدات من قبل الأفراد مباشرة، حيث أن كل ما نحتاجه من أجل ذلك هو (خزان خارجي بسعة 1500 لتر وخزان داخلي بسعة 1200 لتر، وقاعدة مرتفعة للخزان الخارجي، وبعض التوصيلات) ثم نقوم بقطع سقف الخزان الأكبر ليتسنى لنا وضع الخزان الأصغر فيه ولكن بشكل مقلوب- وبعد أن يتم عمل عدة فتحات في غطاء الخزان الداخلي(بحيث تكون هنالك مسافة عدة سنتيمترات بين الخزانين تسمح بارتفاع أو انخفاض الخزان الداخلي بحسب كمية الغاز فيه)، وبعد عمل الفتحات والمخارج للغاز والتنظيف والسماد، وعمل مدخل للمخلفات العضوية، نضع حجارة صغيرة في أسفل التنك الخارجي (من الداخل)، والتي تعمل على تشجيع نمو البكتيريا، ومنع وجود ترسبات أو أن يعلق السماد في الأسفل (مثل الفلتر)».
وحول آلية التشغيل، أوضحت دانيا مرقة: “نعمل على تعبئة الخزان الخارجي (من الفتحة المخصصة لذلك) من المخلفات العضوية المنزلية والتي تشمل روث الحيوانات «الرطب» والماء بنسبة 1-1 بعد خلطها (12-10 كيلو يوميا)، على أن تكون التعبئة يومية ومستمرة، وبعد أسبوعين من تاريخ التجهيز، يبدأ الغاز بالصعود، حيث نعرف ذلك من ارتفاع الخزان الداخلي، وأول مرة نقوم بتفريغ الأكسجين، لأن نسبة الأكسجين حينها تحتوي على الكثير من الشوائب، بعدها يمكن استخدام الغاز بشكل مستمر ويومي، طالما لدينا تغذية يومية، حيث تصبح الوحدة مستقرة، والبكتيريا متكاثرة بشكل وأعداد مناسبة لتتحلل النفايات وتنتج الغاز الحيوي”.
وقالت مرقة، إنها تقوم بعمل اختبارات على الغاز المستخرج من وحدة وضعتها في منزلها لهذه الغاية، وذلك لأخذ الوزن وعمل التحاليل على النتائج المستخرجة، وأضافت «حتى العام الماضي كان الأمر برمته مجرد أفكار، كنّا نتناقش حولها مع عدة جهات مهتمة، كما قمنا مجتمعين بعقد سلسلة ورشات عمل في مختلف المناطق بالضفة، للتعرف على الفئات الأحوج لتلك الوحدات، وللتعرف على مدى تقبلهم للمشروع، واستعدادهم لاستغلالها، إلى أن تم البدء بتوزيع الوحدات في شهر سبتمبر2012، بعد التعديلات التي أجراها المعهد على التصميم الأول، إذ أننا أخذنا العبر من نماذج سابقة حوت بعض السلبيات من خلال 25 وحدة كان قد تم توزيعها في المرحلة الأولى، وبالتالي تمكنا من إنتاج غاز وفير من النموذج المعدل والنهائي، مع العلم أن شركة رويال في الخليل قامت بتصنيعها، حتى أنها وضعت إحدى الوحدات لديها، بحيث يمكن لمن يرغب الحصول عليها وهي جاهزة للاستخدام وبسعر مناسب».
التخلص من نفايات المنازل بصنع الغاز الطبيعي
يعتبر وتوليد الغاز باستخدام النفايات من المشاريع المهمة من وجهة نظر بيئية واقتصادية على حد سواء «بيئيا فإن قرابة %70 من نفايات المنازل بشكل عام هي مواد عضوية قابلة للتحلل لإنتاج الغاز الحيوي، واستخدام مخلفات حيوانات المزرعة مثل الطيور والأغنام والأبقار، بدل حرقها وإتلافها بطرق عشوائية في الطبيعة، يقلل من مقدار تلوث الهواء والماء والتربة، وبالتالي تخفيف التلوث البيئي الناتج عن الإنسان.
وهذا ما أكده مدير معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح، أستاذ الهندسة البيئة البروفيسور مروان حداد، والذي قال إن جدوى وأثر استخدام مثل هذه الوحدات، خاصة بما يخص العائلات الريفية محدودة الدخل، يوفر على العائلة الواحدة أكثر من 150 شيقلا.
وأضاف «حتى أن السماد العضوي والطبيعي الناجم عن عملية التحويل هو أفضل بكثير من السماد الموجود في السوق لأنه لا يحتوي فقط على الفسفور والبوتاس وغيرهما وإنما يحتوي أيضا على عناصر هامة كالحديد والبورون، وهي عناصر هامة للغاية لتغذية النباتات ونموها، كما أنه خال من الملوثات الحيوية».
وحول الخطوات المستقبلية في هذا المشروع، قال مدير معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح: «خطوتنا القادمة، ستكون استحداث نظام أكبر يستوعب (10 أكواب) بدلا من النظام الحالي الذي لا يستوعب أكثر من (كوب ونصف)، على أساس أننا نريد أن ننطلق ليس فقط للبيت، وإنما على مستوى المزرعة، إذ هنالك مزارع بها 70 ألف دجاجة أو ديك أو حبش، كما أن هناك مزارع أبقار فيها 200-100 رأس، وهكذا، ولا يصلح النظام الحالي للعمل في المزارع الكبيرة».
مع ذلك، يقول مدير معهد الدراسات المائية والبيئية في جامعة النجاح، إن المعهد ما يزال يقوم حاليا بتقييم التجربة في الضفة وغزة، من خلال البحث عن أفضل نسب خلط ممكنة تجمع ما بين المواد العضوية من مخلفات النفايات المنزلية و/أو روث الحيوانات المختلفة، حتى نخرج بمعادلة جيده، توصلنا لإنتاج أفضل كمية ونوعية من الغاز الحيوي.
وأضاف «لدينا حاليا في المعهد 3 طلاب ماجستير يعملون أبحاثهم الخاصة حول هذا الموضوع، منهم من اختباراتها الحالية بينت استخراج كيلو ونصف من الغاز من كل 12 كيلو مخلفات منزلية عضوية، وآخر يدرس المادة المهضومة في تلك الوحدات، وكم تحوي من المغذيات الفاعلة، كما يقومون بتقديم الاستشارات لطالبيها ممن لديهم تلك الوحدات، وحين ينتهي الطلبة من أبحاثهم سنقوم بنشر أبحاثهم للناس، كما سنقوم بإطلاع الجهات ذات العلاقة والجهات المهتمة بالمشروع كاملا على الدراسة ومدى وجدوى تطبيق ذلك على مستوى بلديات، وإذا ما تم تبنيه من قبل المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، فسيكون ذلك جيد جدا، ونحن مستعدين أن نقدم الدعم الفني بلا مقابل»