الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

قطاع غزة وبدايات المقاومة 1952-1955

د. محمد أبو حميد

2020-02-25 09:47:26 AM
قطاع غزة وبدايات المقاومة 1952-1955
د. محمد أبو حميد: باحث في التاريخ السياسي

 

 الحدث فكر ونقد 

اطلعت بالأمس على مقال الأستاذ محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، والذي صدر عن المركز تحت عنوان: المقاومة الفلسطينية من 1948 إلى انطلاقة فتح: خليل الوزير والنظام الخاص للإخوان، وقد تناول الأستاذ محسن صالح في مقالته دور كامل الشريف وهو من أقطاب تنظيم الإخوان المسلمين في منطقتي العريش ورفح (شمال سيناء)، وهو من المدافعين عن القضية الفلسطينية، وقد أوضح الشريف بأنه قد ذهب في بداية أحداث 1948 إلى يافا للمشاركة في المقاومة في فلسطين في حرب 1048 قبل أن ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وللاطلاع حول الموضوع، يمكن الاطلاع على الحوار الذي أجرته قناة (حوار) مع المناضل كامل الشريف تحت عنوان "مراجعات".

وقد أشار كاتب المقال أ. محسن صالح، إلى أن نشاط الإخوان في قطاع غزة كان سرياً، إلا أن ذلك لم يمنع الإخوان من الاستفادة من الضباط الإخوان والمتعاطفين معهم في الجيش المصري لتدريب شباب الإخوان القادمين من غزة في معسكرات شبه عسكرية وكشفية حفاظاً على السرية، كما أشار إلى أن الشباب مثل خليل الوزير وعبد الله صيام وحمد العايدي قد قاموا بتنفيذ عدة عمليات أشهرها عملية (خزان زوهر) في 23-2-1955، مشيرا في الوقت نفسه إلى النظام الخاص التابع للإخوان الذي كان يهدف إلى تجنيد الشباب في صفوف الإخوان وتدريبهم للقيام بعمليات عسكرية، ولم يشر الكاتب إلى الفترة الممتدة خلال العام الأول للثورة المصرية، والتي كانت فيها علاقات الإخوان مع قيادات الثورة جيدة، مما سمح لهم بنشاط مكثف في قطاع غزة مكنهم من تجنيد بعض الشباب.

ورداً على ما ورد في المقال، فإنه ووفقا للوثائق، فإن العمل العسكري لمجموعة خليل الوزير قد بدأ بعد الخلاف مع قيادة الإخوان الذين حسب ما ذكره خليل الوزير خرجوا من تنظيم الإخوان بسبب رفض قيادتهم السماح لهم بالعمل العسكري وتأجيله، وتوجيه أولويتهم في تلك الفترة نحو إسقاط نظام عبد الناصر.

لذا آثرت في هذه المقالة نشر جزء من دراسة علمية لي تناولت هذا الموضوع بشكل علمي وموثق، بغرض تعميم الفائدة والمعرفة، لأن هذه الأحداث هي جزء من التاريخ الفلسطيني الذي هو حق لأبنائه وللأجيال الصاعدة خاصة الباحثين والطلاب.

قطاع غزة بين الصمود والمقاومة

1952 - 1958

 اتسمت هذه المرحلة من تاريخ قطاع غزة بتبلور الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث تمكنت القوى الوطنية والأحزاب السياسية من الخروج من حالة اليأس والإرباك التي سادت خلال السنوات الأربع التي تلت نكبة عام 1948، كما ظهرت أحزاب جديدة كامتداد للأحزاب العربيــة القومية (حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب) مما أحدث تطوراً فكرياً وسياسياً في القطاع ساهم في بلورة رؤى مشتركة وفهم واضح لطبيعة الصراع مع الحركة الصهيونية، وفي هذا السياق لا يمكن لنا إغفال التطور السياسي الذي وقع في مصر على أثر ثورة 23 يوليو 1952 م، فقد أحدثت الثورة المصرية صدى في العالم العربي بشكل عام، وأخذ العرب ينظرون إلى نجاح حركة الضباط الأحرار في القضاء على النظام الملكي في مصر بداية ليقظة عربية جديدة، فالثورة المصرية جاءت رداً على ما حل بفلسطين من نكبة وضياع رغم أن لها أسبابها الداخلية.

 وقد تباينت الأحزاب القائمة في القطاع في مواقفها تجاه الثورة المصرية، فحركة الإخوان المسلمين اعتبرتها انتصاراً لتوجهاتها، أما الشيوعيون فكان لهم موقف مشكك بمصداقية هذه "الثورة" معتبرين أن السفارة الأمريكية لم تكن بعيدة عما جرى في مصر. (1)

 وبغض النظر عن هذه المواقف، فالتغيير السياسي، وقيام النظام الجمهوري في مصر كان له آثاره الإيجابية على القضية الفلسطينية، رغم أن توجهات الثورة المصرية لم تتبلور بشكل واضح إلا في العام 1955، فخلال السنوات الثلاث الأولى لهذه الثورة لا سيما بعد الخلاف مع حركة الإخوان المسلمين في أواخر 1954 م، واتهام حكومة الثورة لحركة الإخوان بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في الإسكندرية "حادثة المنشية"، دفع بهذه الحكومة إلى حل هذه الحركة واعتقال قياداتها، فزاد ذلك من المتشككين بتوجهات النظام المصري الجديد.

 ويمكن القول بأن صورة هذا النظام لم تتضح إلا بعد حادثة فبراير 1955، هذه الحادثة التي أدت إلى قيام الحكومة المصرية بالرد على العدوان الصهيوني، والتعبير عن موقفها السياسي بشكل واضح، مما زاد من التفاف الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة حولها، فأثر ذلك إلى حد كبير على مكانة الأحزاب في القطاع.

ــــــــــــــ

( 1 ) مقابلة شخصية مع عبد الرحمن عوض الله، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الفلسطيني، مصدر سابق.

التطور السياسي في القطاع وثورة 23 يوليو 1952 م:

 أخذت الحركة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة في الصعود والتطور والتعبير عن نفسها بشكل ملحوظ خلال الفترة الممتدة من 1952 وحتى 1958، ويعود ذلك إلى الأحداث الهامة التي فرضت على القطاع وأهمها الاعتداءات الصهيونية المتكررة، لا سيما "عدوان 1956" والذي أدى إلى استشهاد العديد من أبناء القطاع، إضافة إلى المحاولات السياسية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر مشاريع التوطين، كما أن الأحداث التي وقعت في المنطقة العربية بشكل عام ساهمت إلى حد كبير في تصاعد الحركة الوطنية الفلسطينية، فمقاومة الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، ومقاومة الثورة المصرية لسياسة الأحلاف التي تبنتها الإدارة الأمريكية، أدت إلى نمو وتصاعد الحركة الوطنية الفلسطينية في القطاع، فقد ساهم تطور الأحداث في المنطقة العربية في نمو الحركة الوطنية الفلسطينية، حيث أدى تصاعد الأحداث في المنطقة العربية في الخمسينيات إلى تبلور الوعي العربي تجاه القضايا العربية المشتركة، مما ساهم في بروز المد القومي في الساحة المصرية حيث أصبحت مصر رائدة الكفاح العربي ضد الاستعمار، وداعية للمشروع القومي العربي.

 وبهذا التطور على الساحة العربية بشكل عام والساحة المصرية بشكل خاص، تصاعد النضال الفلسطيني، وقد ساهم الترابط العضوي بين مصر وقطاع غزة في بلورة ذلك.   

 ولا بد من التذكير هنا بتأثير "النكبة الفلسطينية" على ما جرى في مصر من تحول سياسي، فمعظم الضباط الأحرار شاركوا في حرب فلسطين، وتأثروا بالهزيمة التي لحقت بالعرب هناك، حيث يقول خالد محي الدين وهو أحد هؤلاء الضباط حول ما جرى في فلسطين: "لم أزل حتى الآن، وكلما عدت بالذاكرة إلى جلستنا الأولى في بيت عبد الناصر بكوبري القبة وإلى ما تلاها من جلسات، لم أزل أتذكر جيداً كيف كانت حرب فلسطين هي الجرح الحقيقي في قلب كل منا". ويضيف "كان عبد الناصر في الفالوجا، حوصر، وصمد في خنادقها، تفتحت مواهبه العسكرية والقيادية، وبرز كضابط شجاع ووطني قادر على الصمود والتضحية، وعلى امتلاك رؤية استراتيجية صافية، فقد كان يرى ضرورة إيجاد سبيل للانسحاب من الفالوجا حتى لا تصبح القوات المصرية المحاصرة ورقة في يد المفاوض الإسرائيلي". (1)

 وقد شارك معظم الضباط الأحرار في حرب فلسطين، ومنهم: زكريا محي الدين، وصلاح سالم، وعبد المنعم عبد الرؤوف، ولطفي واكد، وحسين فهمي عبد المجيد، وكمال الدين حسين، ومحمد نجيب. كما أن البيان الأول للثورة قد تضمن فقرة عما جرى في فلسطين، حيث جاء في هذا البيان "بأن التآمر على الجيش في حرب فلسطين من الحكومة والمرقشين والخونة يدفعنا للقيام بهذا التحرك". (2)

 لقد عززت حرب فلسطين نجاح الثورة المصرية، وهيأت المناخ الملائم لهذا التحول، لا سيما أن الشعب المصري شعر بالمؤامرة على أبنائه في حرب فلسطين.

 ورغم عدم إغفالنا للأسباب الأخرى التي هيأت لهذا التحول السياسي في مصر مثل (التدخل الأجنبي، والفساد، والاحتكارات التي يمارسها كبار الإقطاعيين)، إلا أننا نعتبر بأن نتائج حرب فلسطين تفاعلت وشكلت عاملاً قوياً أدى إلى تحولات فكرية وسياسية في الساحة المصرية.

 وقد أتينا على ذكر كل ما سبق، لأن هناك من يعتقد بأن حرب فلسطين لم تكن سبباً لما جرى في مصر، ويدللون على ذلك بقول الرئيس جمال عبد الناصر: "ليس صحيحاً أن ثورة 23 يوليو قامت بسبب النتائج التي أسفرت عنها حرب فلسطين، وليس صحيحاً كذلك أنها قامت بسبب الأسلحة الفاسدة التي راح ضحيتها جنود وضباط، إنما الأمر، في رأيي، كان أبعد من هذا وأعمق أغواراً". (3)

ويضيف عبد الناصر في مناسبة أخرى "مرة أخرى، دعوني أنبه إلى أن الهزيمة في فلسطين والأسلحة الفاسدة لم تكن المنابع الحقيقية التي تدفق منها السيل، لقد كانت هذه كلها عوامل مساعدة على سرعة التدفق، ولكنها كما سبق أن قلت، لا يمكن أن تكون هي الأصل والأساس".(4)

 ولا يفهم من كلام الرئيس عبد الناصر إلا أنه يريد أن يولي المسائل الداخلية في مصر الاهتمام الأكبر، وإن كان لا يقلل من قيمة القضية الفلسطينية ووزنها، إلا أننا نرى بأن تفاعلات حكومة الثورة منذ العام 1955 مع القضية الفلسطينية قد صاغت هوية التوجهات السياسية المصرية، هذه التوجهات التي أعطت عبد الناصر بعداً قومياً ودولياً، وأصبحت تشكل الجزء الأهم من تاريخ مصر المعاصر.

ـــــــــــــــ

( 1 )    محي الدين، خالد (1992): والآن أتكلم ، الطبعة الأولى، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، ص45.

( 2 )    مقابلة مع البلعاوي، فتحي، 67 عاما، من قيادات العمل الوطني الفلسطيني، 1991.

( 3 )    حوراني، فيصل(1987): عبد الناصر وقضية فلسطين، الطبعة الأولى قبرص، شرق ابرس، ص 6.

( 4 )    حوراني، المرجع السابق، ص .6

 ومما لا شك فيه، أن هذا التاريخ الحافل بالصراع مع الحركة الصهيونية وحركة الاستعمار الإمبريالي، ومهما كانت توجهات الثورة المصرية وموقف الأحزاب الفلسطينية في قطاع غزة منها، قد أثرت بشكل واضح على مجرى الحياة السياسية لهذه الأحزاب، رغم الاختلافات التي أدت إلى الصدام، والتي كان من نتائجها الاعتقالات المستمرة لقيادات وأعضاء الأحزاب الفلسطينية، لا سيما الإخوان المسلمين والشيوعيين، وبرغم كل ذلك إلا أن هذه المرحلة أدت إلى تنامي الحياة السياسية والحزبية في القطاع.

الإخوان المسلمون:

 كان الإخوان المسلمون قد بدأوا في أول عامين للثورة يتحركون ويتصرفون في قطاع غزة وكأنهم "حزب السلطة"، ونجحت حركة الإخوان في استقطاب العديد من أبناء القطاع لا سيما من فئة الشباب والطلاب خلال عامي 1952-1954 م، مستفيدة من العلاقات الودية مع قيادة الثورة، وقد قامت حركة الإخوان المسلمين في القاهرة بإرسال بعثات دينية رسمية إلى القطاع عرفت باسم بعثة "الوعظ والإرشاد"، وكان يقود البعثة عناصر من قيادات الإخوان، ومنهم الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد الأباصيري والشيخ جعفر، وقد قام هؤلاء بالإضافة إلى عملهم في الوعظ والإرشاد بالعمل على تواصل العلاقة بين تنظيم الإخوان في مصر والتنظيم في قطاع غزة، كما أنهم لعبوا دوراً في تحسين العلاقة بين تنظيم الإخوان المسلمين في القطاع والإدارة المصرية هناك. (1) كما برز دورهم في استقطاب العديد من طلاب قطاع غزة، وقد اهتم هؤلاء الطلاب بالدور النقابي، وكان لهم دور في تأسيس رابطة طلبة فلسطين في القاهرة والتي أصبحت تجسد حالة وطنية تعبر عن طموحات الفلسطينيين في المقاومة، وضرورة أخذ زمام المبادرة، وقيادة الفلسطينيين لأنفسهم بعيداً عن الأنظمة العربية، وأصبحت صحيفة صوت فلسطين التي تصدرها الرابطة منبراً هاماً للتحريض على الكفاح والدعوة إلى التلاحم في مواجهة المخططات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية خاصة مشاريع التوطين.(2) وقد كان لهؤلاء دور وطني من خلال زياراتهم الدورية لقطاع غزة.

_

( 1 )    أبو عمر، زياد (1987): أصول الحركات السياسية في قطاع غزة، الطبعة الأولى، فلسطين، عكا، دار الأسوار،

ص 66.

(2) البلعاوي، فتحي، مقابلة شخصية، 66 عاماً.

 وتولى تنظيم الإخوان في قطاع غزة تنظيم توزيع المساعدات التي كانت ترسلها حكومة الثورة إلى اللاجئين من سكان القطاع "قطار الرحمة"، وهي عبارة عن مساعدات عينية من أبناء الشعب المصري إلى إخوانهم الفلسطينيين.

 وقد تمكنت حركة الإخوان بفضل هذه العلاقة المتميزة مع حكومة الثورة من تشكيل وحدات تنظيمية علنية إضافة إلى بعض الكتائب بهدف تدريب الشباب على القتال وتعبئتهم تعبئة جهادية، وكان من أبرز هذه الكتائب كتيبتا الفداء والحق التي انتمى إليها كل من خليل الوزير، سليم الزعنون، صلاح خلف، كمال عدوان، سعيد المزين، معاذ عابد، وأسعد الصفطاوي.

 ولم تدم فترة الوفاق بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية طويلاً، حيث تدهورت العلاقة على أثر محاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر في الإسكندرية "حادثة المنشية" ( نوفمبر 1954 )، حين اتهمت الحكومة المصرية حركة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عنه هذه العملية الفاشلة، مما دفعها للإعلان عن حل الحركة، وملاحقة أعضائها وتقديمهم للمحاكمة، وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه التطورات على حالة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، فأصبح التنظيم يعمل بشكل سري، إلا أن تفجرت أزمة داخل التنظيم أدت إلى تراجع قدرته وفاعليته، وتتمثل هذه الأزمة في قيام العديد من الشبان برفض توجهات قيادة الإخوان المسلمين، حيث تراجعت حركة الإخوان بعد خلافها مع حكومة عبد الناصر عن منطلقاتها وأهدافها المتعلقة بالجهاد في سبيل إلى فلسطين، هذه المنطلقات التي دفعت بالعديد من هؤلاء الشباب للالتحاق بالحركة، فقد أصبحت أولويات الحركة مجابهة الحكومة المصرية.*

        وبذلك تراجعت فلسطين عن موقع الصدارة في "فكر الإخوان" وحل محلها الصراع مع السلطة في مصر، وهكذا وضع هذا التنظيم بنفسه حداً نهائياً لإمكانية استمرار مجموعات كبيرة من الشباب في عضويته، وعرف من الذين انشقوا عن حركات الإخوان: خليل الوزير، سعيد المسحال، معاذ عابد، كمال عدوان، محمد يوسف النجار، سليم الزعنون، عبد الفتاح حمود**.

ـــــــــــــــ

( * )    المسحال، سعيد، مقابلة شخصية، ( 72 عاما ) من مؤسسي حركة فتح، تونس مارس 1992 .

حيث يذكر أحد أعضاء حركة الإخوان وهو سعيد المسحال بأن حركة الإخوان قد منعتهم من أي عمل عسكري ضد إسرائيل آنذاك، ويضيف بأنه وبعض زملائه من الإخوان ومنهم عبد الله صيام والشيخ أحمد ياسين  مؤسس حماس قد جمعا مبلغ 220 جنيهاً مصرياً لشراء السلاح والإعداد لعمل مسلح، إلا أن مأمون الهضيبي والذي كان يعمل في غزة رئيساً لمحكمة الاستئناف وهو من قيادات الإخوان المسلمين رفض هذا التوجه وصادر المبلغ.

(**)المسحال، سعيد، مقابلة شخصية، مصدر سابق.

  وهنا خرج أحد أعضاء التنظيم وهو خليل الوزير (*) وأعلن بأنه يجب أن تبقى فلسطين أولاً ثم أولاً. (1)

 ويروي أحد أعضاء التنظيم في ذلك الوقت سليم الزعنون، بأن خلافاً نشب خلال اجتماع الخلية التي ينتمي إليها خليل الوزير الذي تلقى دورة عسكرية في العريش على أيدي ضباط ينتمون إلى الإخوان، ويعملون ضمن صفوف القوات المصرية ومنهم الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف، والتي تضم أعضاء مصريين وفلسطينيين، وجاء الخلاف بعد أن تحدث الوزير عن ضرورة القيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، فقال لماذا إذن تعلمنا صنع المتفجرات وتدربنا على استخدامها، فقالوا له هناك مسألة أهم وهي التخلص من جمال عبد الناصر، أو أن يموت الرجل (عبد الناصر) "ميتة ربه"، فرد الوزير: وهل نؤجل قضية فلسطين إلى أن تتحقق نهاية رجل لا يعرفها إلا الله وحده. (2)

 وقد دفعت هذه الواقعة خليل الوزير إلى ترك جماعة الإخوان المسلمين، والاعتماد على العناصر الفلسطينية التي كانت معه للبدء بالقيام بأول عمل عسكري فلسطيني انطلاقاً من غزة في ديسمبر 1954م، حيث كانت أولى العمليات العسكرية التي قام بها خليل الوزير، ومعه محمد الإفرنجي، وحمد العايدي وآخرون (3).  وقد انحاز لموقف الوزير ومن معه بعض رجالات الإخوان من الشبان، وساندهم الشيخ هاشم الخزندار التزاماً بشعارهم "فلسطين أولاً".

 وقد أصبح هذا الشعار بداية تحول فكري لدى مجموعة كبيرة من الفلسطينيين في قطاع غزة، لا سيما وأن العديد منهم خرجوا من صفوف الإخوان المسلمين، وقد اعتبرت قيادة الإخوان أصحاب هذا التوجه بأنهم قد انشقوا عن الحركة وانحرفوا عن مبادئها، وقد كان هذا التحول بداية لظهور أفكار تدعو إلى حركة وطنية فلسطينية، وقد رافق هذا التوجه القيام بعمليات عسكرية ضد القوات والمصالح الصهيونية في فلسطين، مما كان له أثر واضح في مجريات الصراع فيما بعد.

ـــــــــــــــ

( * )    خليل الوزير ( 1937 ـ 1988 ) هو من أوائل مؤسسي حركة فتح، وأول من قام بعمل عسكري ضد إسرائيل بعد النكبة ، وكان المسؤول العسكري لقوات الثورة الفلسطينية، استشهد في تونس بتاريخ 16/4/1988 م

( 1 )    حمزة محمد (1989): أبو جهاد أسرار بداياته وأسباب اغتياله، ط 1 ص 159.

( 2 )    سليم الزعنون، سليم (1999): صحيفة الأسواق، عمان، ص 1  .

3 )      الإفرنجي، عبد الله، مقابلة شخصية، 62 عاما، سفير فلسطين في جمهورية ألمانيا،1991 .            

حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح ":

ولدت حركة فتح في ظل وجود تيارات سياسية متعددة في الساحة العربية، مثل: الإخوان المسلمين والشيوعيين والبعثيين والقوميين العرب. ويفسر خليل الوزير أبو جهاد أبرز مؤسسي حركة فتح هذه الولادة بقوله "إن أكثر من اتجاه في الساحة الفلسطينية لم يقدم برنامجاً ثورياً يرتقي إلى مطالب وأهداف الجماهير الفلسطينية، فالاتجاه الأول كان ينتظر المخلص العربي صلاح الدين القادم بجيشه الجرار لتحرير فلسطين، إلا أن أصحاب هذا الاتجاه صدموا بالواقع العربي. أما الاتجاه الثاني، فكان يرى ضرورة بناء المجتمعات العربية على أسس جديدة، وقد اتجه أصحاب هذا الاتجاه نحو العمل الحزبي والقومي. وقد توزعت قطاعات مختلفة من أبناء الشعب الفلسطيني على هذه الأحزاب ظناً منها أنه إذا ما سيطر أحد هذه الأحزاب على السلطة في الأقطار المحيطة بفلسطين، فسوف يعني أنهم ملكوا زمام مجتمع عربي قوي وسليم يمكنه أن يكون لبنة أساسية في مواجهة الخطر الصهيوني وتحرير فلسطين. أما الاتجاه الثالث فكان يعتقد بأن الصراع الدولي سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي تنشأ في غمراتها إمكانية تحرير فلسطين".(1)*

 وقد عبر هذا الوصف الذي تقدم به خليل الوزير عن حالة الإحباط واليأس والمرارة التي شعر بها الفلسطينيون بعيد النكبة.

(1)الوزير، خليل (1986): حركة فتح، البدايات 1 منشورات حركة فتح.

(*) يعلق عوض الله وهو من أصحاب الاتجاه الثالث على ما ذكره الوزير"بأن تحقيق الحقوق الوطنية وعودة اللاجئين يرتبط بتغيرات ثورية في الواقع العربي، مدعومة بتأييد المعسكر الاشتراكي وانتصاره على النظام العالمي، ذلك لأن النضال الوطني التحرري الفلسطيني هو جزء لا يتجزأ من حركة التحرر الوطني العربية العالمية، ويضيف بأن الشيوعيين كانوا دوما ضد اندلاع حرب عالمية وأدبياتهم تثبت ذلك على النطاق المحلي والإقليمي والدولي.

 وسرعان ما اصطدم خليل الوزير الذي سبق له أن انتمى إلى حركة الإخوان المسلمين مع التوجهات الإخوانية، وأخذ يفكر في أساليب جديدة، توحد الشارع الفلسطيني، فرأى أن السبيل الوحيد للخروج من حالة الإحباط هي الشروع بالعمل العسكري ضد القوات والمصالح الصهيونية، وذلك اعتباراً من العام 1954 م.

ويصف الوزير دوافع خروجه عن توجهات الإخوان بقوله: "حاولنا أولاً عبر الطرق الحزبية، لكننا كنا نصطدم بالعقليات الحزبية المتحجرة، وبالدوغما الفكرية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، والتي تتسم بضيق أفق ومحدودية التفكير، وكان الشاغل الرئيسي لتلك القيادات الحزبية هو إبعادنا عن العمل المباشر وإغراقنا في بحر الصراعات الجانبية، لذا قررنا في غزة التي كانت موقع تجربتنا الأولى السير في اختيارنا الثوري، حيث بدأت مجموعة طليعية بين عام 1953 - 1954 بالتجمع وتكوين حلقات النقاش، ومن ثم الانتظام ضمن أطر وخلايا. (1)

 وبذلك يعتبر البعض من قيادات حركة فتح بأن انطلاقة الحركة تعود إلى العام 1954 م، بينما يرى البعض الآخر بأن تجربة خليل الوزير العسكرية في عامي 1954 - 1955 شكلت نواة لتوجهات فلسطينية وطنية جديدة، لا سيما بعد أن ابتعد بعض أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين عن التوجهات الإخوانية، ورأوا بأنه لا بد من وضع القضية الوطنية فوق الصراع الأيديولوجي والحزبي، والعمل من أجل إفساح المجال أمام كافة الفلسطينيين للعمل من أجل فلسطين، إلا أن هذا التوجه الوطني الجديد لم ينل رضى قيادات حركة الإخوان في القطاع، كما اتهم هؤلاء الذين يروجون لفكرة الخروج من صفوف الإخوان بأنهم عجزة وضعفاء غير قادرين على تحمل أعباء العمل السري.

 لذا يمكن القول بأن حركة فتح ظهرت في ذهن بعض الذين خرجوا من صفوف الإخوان المسلمين منذ العام 1955 م، إلا أن الخلاف بين التيارين لم يحسم إلا مع انطلاقة حركة "فتح" بشكل رسمي في الأول من يناير 1965 م، حيث رفضت قيادة الإخوان مباركة انطلاقة هذه الحركة أو المشاركة فيها، وأصبحت عمليات فتح العسكرية تثير حقد العناصر الإخوانية المعارضة، ويذكر بأن محاولة جادة قام بها أسعد الصفطاوي أحد كوادر الإخوان لإنهاء هذا الخلاف، وذلك باستفتاء أحد كبار رجالات الإخوان في موضوع الخلاف وهو على أبو رقيق الذي أفتى بأن على الفلسطينيين أن يعملوا أولاً لتحرير وطنهم من خلال تمسكهم بعقيدتهم الإسلامية، ولتحقيق ذلك لا يمكن الانتظار حتى تنتصر الدعوة الإسلامية. (1) وبذا تشكل الموقف الأيديولوجي لحركة فتح، والقائم على تحرير فلسطين أولاً، والذي تناقض مع الفكر القومي العربي الذي رأى في تحقيق الوحدة العربية أولاً أساسا لتحرير فلسطين، بينما رأت " فتح " عكس ذلك ورفعت شعارها بأن تحرير فلسطين هو الطريق لتحقيق الوحدة العربية(2). وقد لاقت هذه الأفكار الفتحاوية استحساناً من العديد من الشباب في وقت كانت في الساحة تغص بالأفكار الحزبية الدينية والقومية والاممية.

        ــــــــــــــ

( 1 )    الوزير، خليل (1986): حركة فتح، البدايات 1، منشورات حركة فتح 1986 م.

 

 وفي فبراير 1955، ظهرت توجهات مشابهة في القاهرة، حيث تمت الدعوة إلى اجتماع سري هناك دعا إليه خمسة من أعضاء رابطة الطلبة الفلسطينيين ممن عرفوا بانتمائهم إلى حركة الإخوان المسلمين، وذلك للتباحث في تشكيل نواة تنظيم وطني فلسطيني، وهؤلاء هم ياسر عرفات "رئيس الرابطة"، صلاح خلف (أمين السر)، عبد الفتاح حمود (نائب الرئيس)، كمال عدوان (عضو)، وخميس شاهين (عضو) .

 وناقش المجتمعون ضرورة الشروع في العمل المسلح بدلاً من العمل السياسي، إلا أنهم أجمعوا على ضرورة تأجيل ذلك لحين تخرجهم من الجامعة لتوفير الظروف اللازمة لذلك، وبالفعل فقد توجهوا بعد تخرجهم إلى دول الخليج "الكويت وقطر" ليبدأوا في تشكيل التنظيم في الكويت، وذلك بعد أن التحق بهم خليل الوزير في أواخر 1957، حيث تشكلت القاعدة التنظيمية الأولى التي كانت على اتصال مع مجموعات في كل من مصر وغزة والأردن وسوريا ولبنان والسعودية وقطر والعراق. (3)

 ويعتبر كل من سليم الزعنون، وكمال عدوان أن فكرة إنشاء الحركة تعود إلى تجربة حركة المقاومة الشعبية في غزة التي انطلقت ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر 1956، حيث يعتبر سليم الزعنون بأن هذه التجربة وضعت أساساً حقيقياً لحركة فتح من خلال اجتماع عقد في حي الزيتون بمدينة غزة (4).

ــــــــــــــ

( 1 ) أبو عمرو، زياد(1987): مرجع سابق، ص 87-88.

(1)  أبو عمرو، زياد (19879: مرجع سابق  ص 88

( 3 )    الشعيبي: عيسى (1979): الكيانية الفلسطينية، الوعي الذاتي والتطور المؤسساتي 1947 – 1977، بيروت،

مركز الأبحاث، ص 5.

( 4 )    الزعنون، سليم، مقابلة شخصية، مصدر سابق.

 

 ويقول كمال عدوان: "بسقوط غزة في أيدي الاحتلال في أكتوبر 1956، بدأت مرحلة جديدة، حيث وجد شعبنا نفسه فيها وجهاً لوجه أمام مسؤولياته، وأمام قسوة المواجهة، وتحت ضغط الرصاص الموجه إلى صدور هذا الشعب، تبلورت أفكاره واكتمل تصوره لنوع المعركة واحتياجاتها، وولدت من خلال وحدة الرصاص المرحلة الجديدة من التفكير الفلسطيني(1).

 وقد رأى صلاح خلف " أبو إياد " (*)  بأن حركة فتح قد بدأت تعمل بشكل فعلي اعتباراً من العام 1959، حيث عقد اجتماع سري في الكويت ضم العديد من المناضلين الذين قدموا من أماكن مختلفة ولا سيما السعودية وقطر ومنهم محمد يوسف النجار، وكمال عدوان ومحمود عباس. (2)

 ويمكن القول بأن أياً كان تاريخ تأسيس حركة فتح، إلا أن المعروف أن هذه الحركة عملت بشكل سري منذ العام 1955، وأصدرت في العام 1959 مجلة "فلسطيننا" في بيروت، ونشط أعضاؤها في العمل السياسي ولا سيما في الساحة الجزائرية، حيث تمكن خليل الوزير من فتح مكتب في العاصمة الجزائر في العام 1963، إلا أن انطلاقتها الفعلية بدأت في الأول من يناير 1965 وذلك بعمل عسكري ضد المنشآت الصهيونية.

 وخلال الفترة الزمنية الممتدة من العام 1958 وحتى 1964 التحقت مجموعات فلسطينية مختلفة بهذه الحركة، وكانوا في غالبيتهم من أبناء قطاع غزة، ومن هذه المجموعات:

أولاً: مجموعة الكويت: والتي ضمت ياسر عرفات، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وهاني القدومي، وخالد الحسن، ويوسف عميرة  وعادل عبد الكريم.

ثانياً: مجموعة قطر: والتي تكونت من كمال عدوان، محمد يوسف النجار، محمود عباس، سعيد المسحال ورفيق النتشة.

ثالثاً: مجموعة السعودية: وتضم عبد الفتاح الحمود، وعلي السيد، سعيد المزين، معاذ عابد، أحمد وافي.

رابعاً: مجموعة ألمانيا: وتكونت من بعض الطلاب الفلسطينيين، ومنهم: هايل عبد الحميد، هاني الحسن، أمين الهندي، عبد الله الافرنجي، ونبيل نصار، وكان هؤلاء قد شكلوا تنظيماً خاصاً بهم أسموه "طريق العودة"، وذلك قبل أن يلتحقوا بحركة فتح في العام 1964 م .

 ـــــــــــــــ

( 1 )  عدوان، كمال(1972): فتح الميلاد والمسيرة مجلة شؤون فلسطينية، بيروت عدد 17، ص 47.

( * )   صلاح خلف، وهو من مؤسسي حركة فتح ويعتبر من أهم رموزها، ولد في مدينة يافا 1933 واستشهد في

تونس 14 يناير 1991.

( 2 )   خلف، صلاح: فلسطيني بلا هوية، الكويت، شركة كاظمة، ب.ت، ص 61.

خامساً: مجموعة غزة: وهم في معظمهم على علاقة بالمجموعات السابقة لا سيما مجموعات السعودية وقطر والكويت، حيث عملوا سوياً في حركة الإخوان المسلمين في غزة أو رابطة الطلبة الفلسطينيين في القاهرة ومنهم: صلاح خلف "الذي غادر إلى الكويت، فتحي البلعاوي، أسعد الصفطاوي، عوني القيشاوي، سليم الزعنون، محمد حسن الافرنجي، وماجد صادق المزين(1).

 وقد لقيت حركة فتح خلال مرحلة الإعداد التي امتدت لعشر سنوات من 1955 - 1965 إقبالاً شديداً من الشباب الفلسطيني في أماكن تواجده، حيث بلغ عدد المنظمات الفلسطينية والتشكيلات النضالية التي انضمت إليها ما يقرب 35 منظمة وتشكيلا، ويعود ذلك حسب "صلاح خلف" إلى طروحاتها السياسية الجريئة التي تعبر عن آلام ومعاناة الفلسطينيين، فالفلسطيني كان يبحث عن الطريق إلى فلسطين، وقد عبدت فتح هذه الطريق من خلال موقفها الذي أخذ ينشر في صحيفة "فلسطيننا" (2).

 كما شكل فشل الوحدة المصرية السورية في العام 1962 صدمة كبيرة للعديد من أبناء الشعب الفلسطيني، والذين على أثر ذلك رأوا بأن الاعتماد على الذات قد يؤدي إلى تحقيق الأهداف الفلسطينية في القضاء على الكيان الصهيوني، وبذلك اتسعت قاعدة حركة فتح.

 كما تلقت حركة فتح دعماً من بعض الدول مثل الجزائر التي فتحت مكتباً لحركة فتح ترأسه خليل الوزير، وشكلت قاعدة لتدريب أبناء الحركة على أراضيها، وسهلت اتصال قيادتها بزعماء حركات التحرر في العالم مثل تشي غيفارا، وشوان لاي، والجنرال أوفغين جياب. وقد مكن انتصار الثورة في الجزائر حركة فتح من إقامة علاقات مع حركات التحرر العالمية، وكانت أهمها العلاقة مع الصين التي بدأت قبل انطلاقة حركة فتح في العام 1965 م. حيث قام وفد فلسطيني مؤلف من ياسر عرفات وخليل الوزير بزيارة إلى بكين، حيث أقيم مهرجان شعبي هناك للتضامن مع فلسطين حضره ماوتسي تونغ، وشيوان لاي، وألقى خلاله ياسر عرفات كلمة تاريخية. كما أدت هذه الزيارة إلى تقديم الصين الدعم العسكري من أسلحة ودورات عسكرية لأعضاء فتح، مما ساهم في نمو الحركة وانطلاقها، وفق برنامج سياسي قائم على ثلاثة مبادئ، هي: تحرير فلسطين، الكفاح المسلح هو أسلوب التحرير، والاستقلالية التنظيمية عن أي نظام أو تنظيم عربي أو دولي، وبذلك أفسحت فتح المجال لأبناء الشعب للانخراط فيها بغض النظر عن خلفياتهم السياسية والفكرية السابقة.       ـــــــــــــــ

( 1 )    أبو عمرو، زياد (1987): مرجع سابق، ص 98

( 2 ) صلاح خلف، مقابلة شخصية، تونس، أغسطس،1990 .