الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

تخطئ إسرائيل باستخدام المستوطنين

2014-01-08 00:00:00
تخطئ إسرائيل باستخدام المستوطنين
صورة ارشيفية

د.أحمد رفيق عوض

لن ننتظر شيئاً من جيش الاحتلال أو حكومته لحمايتنا من اعتداءات المستوطنين التي طالت كل شيء، الأرواح والممتلكات والمقدسات والطرقات والبيوت، فلم يعد يخفى على أحد أن الاحتلال يستعمل مستوطنيه عصا غليظة “شعبية” منفلتة وغير منضبطة تخيف وترعب، وهي عصا حسب الطلب، فهي تعمل خارج إطار القانون إذا أرادت حكومة الاحتلال، وهي ضمن القانون عندما تريد هذه الحكومة ذلك، في إعادة مرعبة للسيناريو الذي نفذته الحركة الصهيونية قبل عام 1948،  ذلك السيناريو الذي أقنع “العالم الحر” بضرورة تقسيم فلسطين من جهة، وأرعب المواطنين الفلسطينين من جهة أخرى. السيناريو يعاد مرة أخرى هنا في الضفة الغربية المحتلة، فالمستوطنة وساكنوها لا يحتلون الأرض فقط ولا يطردون أصحابها فقط. ولكنهم يقنعون العالم أو يخدعونه- لا فرق- بأنهم أصحاب حق يساوي أو يزيد على أصحابها الحقيقين، والعالم لا يبحث عن العدل ولا عن الحق، فما تقوم به إسرائيل على مستوى حكومتها وجيشها ومستوطنيها فعلياً هو إنهاء عملية التسوية بكل تفاصيلها، وأدعي هنا أن التهديدات المتكررة للسيد الرئيس محمود عباس وتعزيز الاستيطان في جنوب بيت لحم وإغلاق مداخل المدن والقرى وتطبيق تقرير ليفي السيء الذكر واطلاق المستوطنين لإذلال المواطنين ورفض كل مبادرات التسوية العربية والدولية، ما هي إلا قرار إسرائيلي نهائي بتغيير قواعد اللعبة السياسية تماماً، بمعنى، تفصيل رئيس فلسطيني بصلاحيات مختار قرية، وهندسة شعب فلسطيني يتألف من قبائل أو طوائف أو قطعان لا تطالب إلا بشروط البقاء على قيد الحياة فقط، تفتك بها الفتن أو الخلافات أو الاقتتال على ما يجود به الاحتلال من فتات تسمى امتيازات بشكل أو بآخر. هذه الصورة القاتمة قد تستطيع إسرائيل خلقها أو تسويقها للعالم باعتبارها حلاً مؤقتاً أو دائماً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يساعدها في ذلك صمت وتواطؤ وشرعنة الغرب من جهة، وغياب العالم العربي أو تحييده أو إغراقه أو توريطه في حروب طائفية لا تنتهي إلى الأبد من جهة أخرى، وانقسام فلسطيني فلسطيني لا يلوح في الأفق حل له من جهة ثالثة.

وضمن هذا القرار الذي أدعي أن إسرائيل قد اتخذته تماماً، فإن اعتداءات المستوطنين ليست ظواهر فردية أو منفصلة أو تنفذها ميلشيات خارج القانون أو جماعات دينية متطرفة أو لدوافع انتقامية أو بسبب التربية المتشددة أو حتى بسبب العنصرية، واذا افترضنا أن كل ما ذكر صحيح، إلا أن السبب الحقيقي برأيي لمثل هذه الاعتداءات التي وصلت إلى مستويات بالغة الخطورة، يكمن في قرار ممنهج وخطة تطبق بنجاعة يهدف إلى إعادة السيناريو القديم: الطرد أو التقسيم من جديد.

وعليه، ولأننا لا ننتظر من حكومة إسرائيل أو «عدالتها أو جيشها أو شرطتها» شيئاً، باعتبار أن خصمك لا يمكن أن يكون قاضياً، فإن مواجهة هذه المرحلة تتمثل فيما يلي:

أولاً: تخطئ إسرائيل إذا استعملت ذات السيناريو مرتين، لسبب بسيط أن ما نجح سابقاً له ظروفه

وملابساته وتوازناته، ما كان قبل 1948 لا يشبه إطلاقاً سنة 2014، لا العقلية ولا السلوك ولا حتى المزاج. هذه أكثر من ستين عاماً من الصراع، علمنا و تعلمنا، بالدم والدموع. إن إطلاق المستوطنين لإذلال المواطنين ومحاولة طردهم سيؤدي بالتأكيد إلى ردات فعل مختلفة أغلبها «غير منضبط»، فيتساوى الرعب والموت والدمار. وهكذا تقوم اسرائيل بما من شأنه الاضرار بمن تمثلهم.

ثانياً: لا يمكن لإسرائيل أن تفصل بين السلطة الفلسطينية وبين شعبها في الضفة الغربية المحتلة، ما يعني بصريح العبارة، إذا كانت السلطة الفلسطينية ما تزال تشكل مصلحة إسرائيلية بشكل ما. فإن ما يفعله المستوطنون لا يخدم هذه المصلحة أبداً، كما أن السلطة الفلسطينية- وفي ظل استمرار هذه الاعتداءات- سترى إنها مطالبة بأكثر من مجرد الاعتراض أو الشكوى، وبيد السلطة الفلسطينية أوراق كثيرة- مهما كانت قليلة، فهي هامة- تستطيع أن تضغط بها على إسرائيل، لأن السلطة الفلسطينية في نهاية الأمر هي لحماية أمن الفلسطيني وليس لحماية الإسرائيلي.

ونقول بصراحة شديدة، إذا كان بعض الأخوة العرب يتدخلون في الشأن السوري لحماية الشعب السوري الشقيق من شرور الحرب الأهلية وما تجر من ويلات، فلماذا لا يقوم هؤلاء الأخوة أيضاً بالتدخل في الشأن الإسرائيلي والضغط من أجل إنقاذنا مما نحن فيه من إذلال وإهانة ومصادرة أراضٍ وممتلكات وحصار وتجويع، لماذا لا يقوم هؤلاء الأخوة بالطلب من إسرائيل- وهم يملكون أوراق ضغط أيضاً- أن تتوقف عن  قتل الفلسطيني ومنعه من الحركة والصلاة في الأقصى  وتزويده بالمياه المنهوبة والكهرباء المقطوعة والدواء المفقود والرواتب المضطربة وباقي أعراض المعضلة الفلسطينية.

ثالثاً: لماذا لا يقوم الإعلام العربي بحملة عالمية من أجل فضح اعتداءات المستوطنين وتعدياتهم، لماذا لا يقوم هذا الإعلام بما يقوم به الإعلام الغربي بدعم إسرائيل وتبييض وجهها وتسويق أكاذيبها. لماذا يهتم الاعلام العربي بكل أنواع الثياب والطبيخ والأفلام القريبة من الإباحية وشؤون كل البلدان إلا ما نتعرض له من قتل وإذلال، لماذا نشعر بأن الإعلام العربي يخوننا ويتخلى عنا في أسوأ مراحل حياتنا، ولماذا نشعر في بعض الأحيان بأن هذا الإعلام يتآمر علينا؟

رابعاً: لماذا لا نقوم- سلطة وأحزاب وفصائل ونخب ثقافية وبالتعاون مع النخب الفلسطينية في الداخل- بحملة كبيرة، إعلامية وثقافية، داخل الشارع الإسرائيلي لنظهر له كم هي بشعة إسرائيل التي نراها هنا، وكم هو المستوطن والمحتل عدو لكل ما يحلم به الإسرائيلي العادي، وإن حكومته تخدعه، وأن مشروعه الشخصي فيها ينهار على رأسه، وإنه المهدد حتى في بيته بتل أبيب أو نهاريا إذا ما استمر المستوطن فيما يفعل. لماذا لا نوضح له أنه لا يستطيع أن يكون مع حقوق الانسان في سريلانكا وضدها بعد شبرين من عتبة بيته، وقد تثار هنا فكرة التطبيع والحوار العبثي وانهيار قوى السلام  وأرد  بسرعة: نحن ندافع عن انفسنا ايها السادة؟!

خامساً: لماذا لا نتوجه إلى المحاكم الدولية ونقدم شكوى باسم الشعب الفلسطيني كله طلباً للحماية والتعويض، بمعنى دمج المطالب السياسية بالمطالب الحقوقية، وفي القانون الدولي ما يسمح بذلك، ويمكن للقانونيين الفلسطينين أن يجدوا الصيغة والترجمة المناسبة والظرف المواتي لتحويل ذلك إلى محاكمة القرن.

ما أقصده هنا، أن نتجاوز فكرة توثيق الاعتداءات وتحويلها إلى ملف جنائي يمكن تقديمه لجهات دولية معينة، وحتى لو تخاذلت تلك الجهات، فإن ذلك يعني تعريتها وإثبات ازدواجيتها، الأمر الذي يعلمنا أن الحقوق لا تنتزع في المحاكم فقط، وأن الاحتلال والإذلال يعلمنا أن نستخرج أسوأ ما فينا، وهذه هي بالذات خصيصة الاحتلال الأكثر قبحاً، إنه يدفعنا دفعاً إلى الركون إلى غرائزنا