الحدث للأسرى
"لا تقلقوا أنا بخير وكل شيء هنا بخير".. بهذه الكلمات حاولت الأسيرة ميس أبو غوش من مخيم قلنديا شمال القدس المحتلة أن تطمئن والديها اللذين وصلا مرحلة كبيرة من القلق عليها حين سمعا قبل أسابيع بأن إدارة سجون الاحتلال تعاقب الأسيرات.
وجاءت هذه الكلمات مطمئنة لهما رغم علمهما أن ميس تحاول فقط أن تهوّن كل شيء عليهما وأنها تحاول كذلك ألا تشغل بالهما أكثر في أي شيء يتعلق بها.
وتعيش الأسيرات واقعا قاسيا وفقا لشهادات أسيرات محررات خرجن من سجون الظلم، حيث تحاول إدارة السجون "الاستقواء" عليهن حسب الوصف الحرفي للمحررات.
وقال والد الأسيرة أبو غوش لـ مكتب إعلام الأسرى إن زيارته لابنته تمنحه نوعا من الطاقة الإيجابية؛ حيث تحاول تبسيط أمور اعتقالها أمام عائلتها قدر الإمكان، ولكنه يعلم في داخله أنها تحاول فقط طمأنته رغم ما تمر به من ظروف اعتقال سيئة.
ويوضح بأن ميس التي تعرضت لصنوف تعذيب مختلفة في بداية اعتقالها؛ تحاول عدم الحديث أمام عائلتها حول ما تعرضت له، وحين سألها والدها ماذا فعلوا بك؟ قالت لا أريد الحديث عن ذلك لأنه أصبح من الماضي، وأخفت دموعها خلف ابتسامة مصطنعة.
ويشير الوالد إلى أن أخبارا نشرتها وسائل الإعلام حول مضايقة السجانين للأسيرات مؤخرا بسبب اعتراضهن على معاقبة إحداهن؛ فانتظر بفارغ الصبر أي رسالة أو اتصالا من المحامي أو زيارة تطمئنه عليها، فكان الرد منها أن "كل شيء بخير لا تقلق"!
ويبين أبو غوش بأن فكرة اعتقال فتاة أثقل ألف مرة من اعتقال شاب؛ فحين تعرض نجله سليمان للاعتقال لم يكن يقلق بهذا الشكل الكبير، ولم يكن يفكر طيلة الوقت كيف ستمر الأيام عليه، ولكن منذ اعتقال ابنته وهو يُحرم من النوم لساعات طويلة يوميا وهي لا تغادر تفكيره.
ويضيف:" الفتاة في مجتمعنا لها مكانة خاصة؛ فلا يجب أن تتعرض لأي شكل من الإهانة ولا يمكن أن يتعرض لها احد بسوء، فما بالكم حين يتم اعتقال طالبة جامعية من منزلها في ساعات الفجر بوحشية وتتعرض للضرب والشبح العنيف وثم تنقل إلى زنازين بعيدة عن منزلها وعائلتها التي لم تعتد غيابها أكثر من بضع ساعات؟!".
ولعل هذه الكلمات تنعكس على مجمل عائلات الأسيرات الفلسطينيات الذين يُجمعون على ضرورة العمل بشكل جدي لإطلاق سراحهن للتخلص من هذا الظلم، خاصة وأن السجان يستفرد بهن ويحوّل ظروف اعتقالهن لمقيتة.
وضمن هذا الإطار تعيش عائلة الأسيرة الإدارية الطالبة في جامعة بيرزيت شذى حسن حالة مشابهة من القلق كلما سمعت خبراً عن الأسيرات.
وتقول لـ إعلام الأسرى إنه منذ اعتقال شذى بات شغلها الشاغل هو متابعة أحوال الأسيرات ومحاولة معرفة أي خبر عنهن كي تطفئ شيئا من نار قلقها.
وتوضح بأن الأسيرات لا يملكن سوى تحدي الظروف التي يعشنها داخل الأسر كي يواصلن حياتهن والحلم بحريتهن التي هي أبسط حق لهن.
وتوثق المؤسسات الحقوقية وجود ٤٤ أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال بينهم نائب في المجلس التشريعي وهي خالدة جرار من رام الله، وكذلك والدة شهيد وهي وفاء مهداوي والدة الشهيد أشرف نعالوة من طولكرم، بينما يعتقل الاحتلال منهن صحفيتين هما بشرى الطويل وميس أبو غوش طالبة الإعلام في جامعة بيرزيت.
وسجل شهر فبراير الماضي نسبة عالية من اعتقال الفلسطينيات، حيث وصل العدد إلى ١١ سيدة بينهن واحدة من القدس المحتلة زعم الاحتلال أنها حاولت تنفيذ عملية طعن، كما يعتقل عددا من الطالبات الجامعيات يعرف منهن لين عوض من بلدة بيت أمر شمال الخليل وميس أبو غوش من مخيك قلنديا شمال القدس وسماح جرادات من رام الله وشذى حسن من رام الله، وتتراوح أحكام الأسيرات ما بين ١٦ عاما ونصف والاعتقال الإداري القابل للتجديد والذي تقبع فيه ثلاث أسيرات.
وتصف الأسيرة المحررة سوزان العويوي أوضاع الأسيرات بالمأساوية، حيث يستفرد الاحتلال بهن وتنفذ إدارة السجون المعنى الحقيقي للاستقواء عليهن.
وتقول لـ إعلام الأسرى إن ظروف الاعتقال سيئة للغاية خاصة في فصل الشتاء من ناحية نقص الأغطية بشكل عام أو محدوديتها؛ وسوء نوعية وكمية الطعام وسوء مبنى السجن نفسه وأرضيته؛ وانعدام الخصوصية سواء للاستحمام أو عدم توفر كهرباء، وكذلك عدم وجود مطبخ أو مكتبة.
وتوضح بأن إدخال الكتب للأسيرات يحمل معاناة شديدة حيث أن عدد الكتب التي يتم إعادتها أكبر من الكتب التي يتم إدخالها لهن، وكذلك التضييق على الأسيرات في إدخال الملابس التي لا يسمح بدخولها سوى مرة كل ثلاثة أشهر.
وتبين العويوي بأن هناك استقواءً شديدا من إدارة السجن على الأسيرات بحيث أن أي إجراء تتخذه لا تكترث لنتائجه لعلمها المسبق أن ردات الفعل لدى الأسيرات أقل شدة وحدة من الأسرى بحكم عدم وجود تنظيم لهن وعددهن القليل وعدم وجود جهة تدير ردة الفعل على ممارسات الإدارة؛ وبالتالي يتم قمع شديد لأي احتجاج للأسيرات في اليوم نفسه.
وتتطرق المحررة للحديث عن آذار "يوم المرأة والأمهات"؛ حيث تؤكد أنهن يتعرضن لإهمال رسمي ومؤسساتي وحقوقي ودولي ولا يتم الاكتراث بقضيتهن إلا من قبل عائلاتهن.
وتضيف:" مر علي شهر آذار مرة واحدة خلال الأسر وكان صعبا جدا لأننا كنا نرى في الإعلام التغني بالمرأة ونضال المرأة في حين لا يقدم أحد للأسيرات أي شيء، فهذه مفارقة مؤلمة ولا يوجد اهتمام رسمي ولا حتى شعبي، أما يوم الأم فكان قصة مؤلمة أكبر وأذكر أننا في السنة الماضية كنا ٢٢ أما وقامت الأسيرات القاصرات بتحضير مفاجأة لنا لإدخال الفرحة على قلوبنا فجهزت أشغالا يدوية واشترين من الكانتينا هدايا بسيطة وقمن بعمل فعالية صغيرة في ساحة السجن؛ ولكن السجانين جاءوا وقمعوا الفعالية لأنهم يمنعون أي تجمع لو كان بسيطا، فحتى يوم الأم في السجن استكثروه علينا".
وتبين العويوي بأن هناك عدة أسيرات جريحات في الأسر معاناتهن مضاعفة ولا يوجد لهن أي اهتمام، وحتى أن أي تحويل علاج بسيط يستغرق أشهرا طويلة، حيث أن إحدى الأسيرات اضطرت لتحمل ألم ضرسها عاما كاملا قبل أن يتم تحويلها للعلاج.
وتؤكد بأن إدارة السجن تحاول قهر الأسيرات حتى في موضوع العلاج فتقوم بتحديد موعده بنفس موعد زيارة الأهل وبالطبع الأسيرة تختار البقاء لرؤية عائلتها فيتم الكتابة في ملفها "ترفض العلاج"؛ وذلك من باب زيادة القهر النفسي على الأسيرات بوضع توقيت سيء للعلاج؛ ثم تلغى كل تحويلة العلاج وتعود الأسيرة لنقطة الصفر!
المصدر : إعلام الأسرى