كثيرون في فلسطين يحملون لقب جنرال، بعضهم لا يزال في العمل وبعضهم الآخر فارق الحياة، والذين بقوا يقضون أيامهم ضمن قائمة المتقاعدين.
جنرالاتنا يصنفون وفق المقاييس الفلسطينية الخاصة على النحو التالي:-
بعضهم حصل على هذه الرتبة بفعل خدمته طويلة الأمد في صفوف الثورة الفلسطينية، ونعرّفهم بجنرالات الفدائيين، وبعضهم الآخر حصل وبجدارة على رتبة عالية في الجيوش العربية وانضم إلى قوات الثورة التي صارت جميعها قوات منظمة التحرير.
حتى ياسر عرفات القائد الأعلى لم يكف طيلة حياته عن الافتخار بسجله العسكري قبل الثورة ...
كان يقول "أنا ضابط احتياط في الجيش المصري"، ويضيف حتى البابا شنودة كان زميلي في الرتبة والجيش.
وضعت كل هذه المقدمة المعروفة كما أقدر لكثير من أجيال الثورة كي أضع الجنرال عبد الرزاق اليحيى الذي فارق الحياة في موقعه الصحيح والجدير بين الجنرالات والقادة والسياسيين.
لقد مات أبو أنس في العام الأول من عقده التاسع، كانت حياته العسكرية جزءا من تكوينه الإنساني والوطني والثقافي.
كان الأعلى رتبة من بين القدماء والجدد، كان زميلا وإن برتبة أدنى للرئيس الراحل حافظ الأسد حين كانا يعملان معا في مبنى قيادة الأركان بدمشق، كان الفريق الأسد وهذا ما قاله لي أبو أنس، يستدعيني لمجالسته أثناء المناوبات الليلية ويتحدث معي طويلا للاستزادة بالمعلومات حول الفلسطينيين من كل النواحي.
حين تأسست منظمة التحرير وشغر موقع قائد جيشها، كلف العميد عبد الرزاق بقيادته حيث كان الجيش يتكون من ثلاث فرق (عين جالوت وحطين ثم بدر فيما بعد)ـ وبعد انتهاء عمله في هذا الموقع تم انتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية، وإلى جانب هذه العضوية السياسية كلف بمهمة دبلوماسية كانت الأهم في حينها... ممثل منظمة التحرير في الأردن.
كان مميزا في أداء مهامه وحظي باحترام وتقدير المغفور له الملك الحسين بن طلال وجميع المؤسسات السيادية في الدولة الأردنية.
عاد الجنرال اليحيى مع الذين عادوا على طائرة أوسلو، الوظيفة الحكومية التي كلف بها كانت وزارة الداخلية، غير أن مهمة أكثر دقة وحساسية تولاها في مرحلة التفاوض الصعب مع إسرائيل، كانت قيادة اللجنة الأمنية التي هي الجهة الأكثر أهمية وحساسية في مجال المفاوضات، كان الجنرال اليحيى نداً لمحادثيه الإسرائيليين من الجنرالات، كان في مرتبتهم وكفاءتهم المهنية.
غاب الفريق عبد الرزاق اليحيى ولو كان عندنا رتبة مشير لحصل عليها بجدارة.
ليس آخر ما أقوله عن كبير جنرالاتنا الراحل عبد الرزاق اليحيى، كان واسع الثقافة ورفيع مستوى التأهيل الفكري، يجيد الإنجليزية، وكان قارئا نهما في الأدب والشعر، متابعا مواظبا لتطورات العلم العسكري والاستراتيجي تليق به رتبة كبير الجنرالات، مثلما يليق به أن يوصف بواحد من أهم السياسيين والاستراتيجيين في حياتنا... الفريق عبد الرزاق اليحيى تخلده مؤهلاته وأعماله، رحمه الله.