الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فيروس كورونا.. تعرية الإنفاق على العسكرة في مقابل ضعف النظم الصحية والأمن الغذائي

كتب: عبد الرازق غزال

2020-03-17 08:45:51 PM
فيروس كورونا.. تعرية الإنفاق على العسكرة في مقابل ضعف النظم الصحية والأمن الغذائي
عبد الرازق غزال

 

دعونا نتوقف أولاً عند سؤال هل النظام العالمي الذي نعيشه سيكون قادرا على معالجة أزمات الأنظمة الصحية والغذائية؟، ونحن نعي أن هذا الوباء كشف بوضوح عن مآل تلك الأنظمة مع تزايد حجم انتشار فيروس كورونا الوبائي وبالتالي تزايد الحاجة للرعاية الصحية والأمن الغذائي، فمع كتابة هذه السطور وصل عدد المصابين بفيروس كورونا إلى حوالي 183,114 ألف شخص من مختلف دول العالم، كما ارتفعت الوفيات لما يقرب من 7175 شخصا. صحيح أن الإحصائيات تُشير إلى أن عدد الإصابات التي شفيت يصل ما يقارب 40%، وصحيح أيضاً أن هناك الكثير من المؤشرات الأولية التي تصلنا تباعاً من الخبراء في علم الأوبئة حول فرص إيجاد لقاحات للفيروس المنتشر في العالم، لكن لا أحد يعرف إلى الآن مآل تداعيات هذا الوباء على النظام العالمي برمته، ومن غير المعروف أيضاً، إذا كنا سنشهد تحولاً دراماتيكياً في تغيير النظام العالمي الحالي.

اتسم أسلوب النظام العالمي الرأسمالي ومنذ نشوئه بنزعتي التطور والتسيد؛ إطاره المهيمن وروحه العسكرية كانت ولاتزال تتحكم في التجديد وأساليب الهيمنة على الشعوب، وبهذا المعنى شكل قانون المنافسة الرأسمالية المحرك الأساسي للتدخلات الرأسمالية المتواصلة عبر تشديد النزعة العسكرية بهدف التفوق الدولي وإخضاع الشعوب الأخرى، وبالتالي نرى مغامرات عسكرية تعتمدها الدول المهيمنة في العلاقات الدولية، وذلك على حساب صحة الشعوب وأمنهم الغذائي.  حيث يُشير تقرير أعدته شركة ديلويت وهي من الشركات الأربع على مستوى العالم التي تعنى بالتدقيق والمراجعة، وهي من أعدت تقريرها في العام 2017 حول الإنفاق العسكري وخلصت بأن الولايات المتحدة الأمريكية تصدرت القائمة بإنفاق 606 مليار دولار على العسكرة، تلتها الصين بمبلغ 226 مليار دولار وروسيا في المرتبة الثالثة بمبلغ 70 مليار دولار، كما احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة حيث بلغت 62 مليار دولار، تليها فرنسا في المرتبة الخامسة بتكلفة 56 مليار دولار في الإنفاق الدفاعي. وقد بلغ إجمالي الإنفاق العسكري الإسرائيلي 19.6 مليار دولار في عام 2017، بزيادة قدرها 2 مليار دولار عن العام الذي سبقه 2016، كما عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الحكومة مفهوم "الأمن 2030" الذي من شأنه أن يزيد ميزانية التسليح للسنوات القادمة بملايين الدولارات للإنفاق العسكري.

كما أفاد تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنه في عام 2018 أنفقت إسرائيل 4.7٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على المجال العسكري. وهذا يضعها بين الدول العشر التي لديها أعباء عسكرية أعلى في العالم، إلى جانب سبع دول شرق أوسطية أخرى.

أما الصادرات العسكرية الإسرائيلية فارتفعت بنسبة 40٪ في أيار 2017، حيث صدرت الشركات الإسرائيلية أنظمة صواريخ بنسبة (17%) وأنظمة دفاع جوي بنسبة (3٪)، ونظم الاتصالات (9٪)، والمراقبة والبصريات (8٪)، الطائرات بدون طيار (2٪)، وأنظمة البحرية (1٪) ، والأقمار الصناعية (1٪)، وكان أكبر توزيع للصادرات العسكرية الإسرائيلية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 58٪ تليها أوروبا بنسبة 21٪ ، وأمريكا الشمالية بنسبة 14٪ ، وأفريقيا بنسبة 5٪ ، وأمريكا اللاتينية بنسبة 2٪.

وفي المقابل من ذلك تعاني الأنظمة الصحية والغذائية في العالم أزمات متلاحقة تظهر بوضوح في مستويات الإنفاق عليها، وانعكاس ذلك على ضعف الوصول للرعاية الصحية الأولية واحتكار الشركات العالمية للسلع والخدمات الصحية،  حيث أفاد تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية وشركائها في العام 2019، بشأن التغطية الصحية الشاملة، بأن على البلدان أن تزيد إنفاقها على الرعاية الصحية الأولية بما لا يقل نسبته عن 1% من إجمالي ناتجها المحلي إذا ما احتاج العالم أن يسد الثغرات الصارخة التي تتخلل التغطية الصحية ويحقق الغايات الصحية المتفق عليها في عام 2015، كما يجب على البلدان أن تكثف جهودها الرامية إلى توسيع نطاق إيتاء الخدمات في جميع أنحائها.

ووفقاً لما ذكره التقرير المتعلق برصد معدلات التغطية الصحية الشاملة، فإنه سيلزم العالم بأن يضاعف معدلات هذه التغطية انطلاقاً من الآن، وحتى عام 2030، كما حذر التقرير من أنه ستتعذر إتاحة الرعاية الصحية أمام 5 مليارات شخص في عام 2030 إذا ما استمرت الاتجاهات القائمة حالياً، وهو الموعد النهائي الذي حدده زعماء العالم لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، علماً بأن معظم هؤلاء الناس هم من الفقراء والمحرومين فعلاً، وأن العالم الآن معرض للعديد من التداعيات الصحية وبخاصة في تلك البلدان التي تشهد ضعفاً في أنظمتها الصحية.

ثم في العام 2019 قدمت منظمة الأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة تقريرها الذي يُظهر معدلات لانتشار انعدام الأمن الغذائي، وهي تجمع بين المستويات المتوسطة والشديدة. ويشير هذا التقرير إلى نطاق موسع من شدة انعدام الأمن الغذائي في العالم، فوفق هذا التقرير يتعرض 9.2 في المائة من سكان العالم (أو أكثر قليلاً من 700 مليون شخص) لمستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي في عام 2018، مما يعني ضمناً انخفاض كمية الأغذية المستهلكة إلى الحد الذي يمكن أن يصل إلى الجوع.

وبذلك فإن نظرة أوسع نطاقاً إلى مدى انعدام الأمن الغذائي بما يتجاوز المستويات الحادة للجوع تكشف عن أن 17.2 في المائة من سكان العالم، أو 1.3 بليون نسمة، قد عانوا من انعدام الأمن الغذائي على مستويات متوسطة، مما يعني أنهم لم يتمكنوا من الوصول بانتظام إلى طعام مغذٍ وكافٍ. وبذلك يصل مجموع السكان الذين يقدر عددهم بـ 26.4 في المائة من سكان العالم، الذين يبلغ عددهم نحو بليوني نسمة، إلى مستويات متوسطة وحادة من انعدام الأمن الغذائي، ما ينتج عن ذلك بالطبع من أزمات في النظام الصحي تباعاً خاصة وأنها ستترافق مع سوء التغذية ونقص التغذية بين الأمهات والأطفال زيادة الوزن والسمنة وانخفاض الوزن عند الولادة ومشاكل النمو عند الأطفال، في جميع البلدان تقريبا.  

ومع ما سبق فإن النظام العالمي الحالي الذي تقوده الرأسمالية الغربية يقف الآن مكدساً عتادا لا حصر له من القوة التسليحية ويقف في ذات الوقت عاجزاً أمام تفشي هذا الوباء، وعاجزاً أيضاً أمام تبعات هذا الوباء على كل مقومات الحياة البشرية الصحية والاقتصادية، سيجابه الأن بالأصوات المتعالية لمجابهة نهج العسكرة والتهميش والاستبعاد التي يحملها النظام العالمي الحالي، من أجل عالم أكثر عدلاً وترابطاً وتضامناً، عالم تتشكل فيه التحالفات الأممية والوطنية الديمقراطية، عالم يحد من التفاوت داخل البلدان وفيما بينها، ويزيل مخاطر العولمة على الصحة والغذاء، بما يضمن التوزيع العادل للموارد والأعباء. إن الأوان لم يفت لإقامة جهد دولي متسق من أجل وضع أهداف الصحة للجميع في مكانها الصحيح على جدول النظام العالمي الجديد ما بعد فيروس كورونا.