ما قاله ماركس بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين؛ مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة، عالم ومفكر وباحث وضع النظرية لعالم جديد ومقومات جديدة يعيش فيها العالم بسلام، ضمن أسس الملكية الخاصة حسب وجهة نظره المتبصرة والعميقة، وخلال قراءتي للجملة، تبادر إلى ذهني سؤال إمكانية تجليها بالوجهين المأساة والمهزلة معاً.
من المعلوم أن الكنيسة الكاثوليكية بالقرن الخامس عشر بتاريخ ١٢.١٢.١٥٢١ وبوثيقة (صك الغفران) حيث إن المذنب يمكنه شراء ذنوبه ومعالجتها بالمال لتطهيرها وامتلاك مفتاح الجنة، وأصبح المال ضمانة الدخول وبمعنى أدق أن النار مخصصة للفقراء، والجنة حكر على الأغنياء فقط، من يستطيع شراء العقد من الكنيسة الغربية للخلاص من الذنوب السائد لدى فكر الطبقة الحاكمة وكان الحكم بيد الكنيسة، وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن مع عيد الغفران في التقويم اليهودي يوم الصلاة والصيام لإتمام أيام التوبة العشرة والتي تبدأ يوم رأس السنة كفرصة أخيرة لتغيير المصير الشخصي أو مصير العالم للسنة الجديدة.
فتلك الوثيقة التي تمنحها الكنيسة الكاثوليكية مقابل مبلغ مادي يدفعه الفرد للكنيسة وكل بثمنه حسب خطاياه، فإما الإعفاء الكامل وإما الجزئي من العقاب حسب سعر محدد، ويتم ذلك بعد اعتراف الشخص الآثم بالإثم وطلب المغفرة حتى ينال مفتاح الجنة، وليس غريبا حين قال لوثر: إن العفو الذي يصدره البابا لا يمكن أن يزيل أقل خطيئة.
ونشهد هذه الأيام صكوكا قديمة للدنيا للحياة للتطور وللعلم، إنه صك البيت الأبيض الذي يمنع الدول، الحكام، المفكرين، الفنانين والصحافيين، ولربما كافة الكائنات الحية الموجودة بالكون، إنه فكر المرحلة الحالية، مرحلة التسلط والهيمنة والعنصرية بعيداً عن كافة المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، إن أبسط القوانين الدولية لحماية الفرد والإنسان، أصبح معيارها السائد صك ترامب والبيت الأبيض، لم تقتصر صكوك ترامب على الدول وحدها أو المؤسسات والبنوك والشركات بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لفرض العقوبات على الأفراد.
كان التصريح بحاجة إلى حسن سلوك، خط هاتف، رخصة قيادة ورخصة بناء، حتى أدنى الأمور الحياتية إلى حسن سلوك من الحاكمية العسكرية والوظائف الحكومية ورخص المحاماة والاستيراد وقيوده وحسن سلوكه.
بعد ذلك جاءت السلطة الفلسطينية ضمن تقسيم الأرض إلى أ،ب،ج ضمن اتفاقيات ومسميات.
قسمت الخليل H1 , H2 بالشارع والمبنى والمنزل والحارة، وتقسيم هذا على المسؤولية والمدنية ومن الجائز أن تخضع غرفة بالمنزل للمسؤولية العسكرية الصهيونية والغرفة الأخرى للمسؤولية الفلسطينية والارتباط والمنسق، وعلى هذا الصعيد شهدت البلاد إجراءات أمنية ومنع أمني كعقاب لسكان هذه البلد، وآخرها كان (صك المنسق).
إن صك الغفران لا يزال يفعل فعله على الأرض ونحن كجزء من هذا المجتمع الدولي والذي يلعب صك الغفران دوره في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعبر التاريخ دفع العلماء ضريبة اكتشافاتهم واختراعاتهم، جزء كبير منهم عوقب أو أعدم على الوعي والثقافة والتعليم التي لديهم، حتى بكافة أشكاله، فمجرد أن يكون الفكر السائد هو فكر الطبقة الحاكمة، من هنا نقطة البداية فالقوانين والأنظمة والشرائع هدفها واحد خدمة هذه الطبقة وسياسة ــــــ والعصا.
عنوان الصك ومفهوم (من ليس معنا فهو ضدنا) هو صك، وتمثل الأعمى الأطرش والأخرس، فعندما كان التعليم بالسابق يقتصر على الذوات فالآن أيضاً من يملك المال يتعلم.
حتى القانون الدولي وحقوق الإنسان والشعوب كلها مرهونة بالصك، لأن نصرة المظلوم جريمة والدفاع عن الحق تهمة وعدم الانصياع عقوبة.
إن ترامب هو الكاهن الدولي الذي يبيع صكوك الغفران فقط لمن لا يخالفه ويركب في سفينة العدوانية لنعود إلى التاريخ.
إن ظهور مصطلح صكوك الغفران كعلاج لعذاب المطهر في المجمع الثاني عشر المنعقد في أوروبا ١٢١٥، حيث قرر فيه أن الكنيسة البابوية تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء (التفويض السري) والآن في ظل التاريخ الحالي أمريكا ترامب تشكل دور الكنيسة البابوية وتمتلك نفس الحق؛ حيث تمنح الغفران لمن تشاء، في ظل العدوانية المفرطة على حقوق الشعوب والدول، وقتل قرارات المؤسسات الدولية، هيئة الأمم ومجلس الأمن ووضع الشريعة الدولية على مذبح صك الغفران، إن الهيمنة والتسلط التفرد والعدوان يحشد فيها شريعة الغاب بعيداً عن الشريعة الدولية.
وقد قالها مارتن لوثر حينها: (إن العفو الذي يصدره البابا لا يمكن أن يزيل أقل خطيئة)، إنه الثائر من تلك المرحلة من التاريخ الذي صرخ بوجه الكنيسة ليسقط صك الغفران.
من يعلق جرس أن شعبنا الفلسطيني، عاش بين ظلال صك الغفران على مدار الاحتلال، فإن تشريع قانون عدم الاخبار يندرج تحت صك الغفران، إلى جانب هدم المنزل وتسكير المناطق والطرقات، على سبيل المثال لا الوظيفة بحاجة لحسن سلوك ولا رخصة البناء ورخصة التجارة والاستيراد ورخصة الزراعة وخط الهاتف، تصاريح زيارة قانون صلة القرابة ودرجتها وتصاريح التعليم حتى انتقالنا إلى مرحلة جديدة BMC – VIP، والأبعد والأخطر من ذلك حرمان أصاب النشاطات الوطنية وحرمانه من أي تصريح إلى دفع الضحية لإنكار تاريخه والتنكر له، بل وجلد نفسه إلى أبعد من ذلك فالمنسق كفرع من فروع التنسيق والارتباط، له موقع رسمي وجريدة ومراسلين هدفه بالأساس (التطبيع، الخنوع، الاستسلام، وأكبر الصفات الأنانية والابتعاد عن حب الوطن والجماعة لأجل المصلحة الشخصية، عليك أن تجلد ذاتك وتتنكر لتاريخك وماضيك مقابل الحصول على تصريح أمام ضابط "المنسق" وعبر وسائل الإعلام، حتى تقول للعالم أنا مدان وأرغب بالحصول على صك غفران، صك المنسق.
جلست مستغرباً سبب بكاء بناتي وهن جالسات أمام شاشة اللابتوب، دموع تنهمر بين الفينة والفينة ظهرت آهات وتنهدات تملأ الجو حزنا وألما، وبالنهاية علمت أنهن أمام مسلسل مكون من خمس حلقات تحاكي الواقع العنصري في الولايات المتحدة الأمريكية من ظلم واضطهاد، التمييز التسلط والجبروت وانتهاك حرية الأفراد.
بكين اليوم الأول، والثاني وبعد ذلك مساء يوم الخميس، كان هناك إلحاح علينا لأهمية مشاهدة هذا المسلسل، إصرار منقطع النظير، وافقنا على مشاهدته كان يحمل عنوان (عندما يروننا) when they see us .
مجموعة من الأطفال تلهو وتلعب بالحديقة، وليس من قبيل الصدفة أن يكون اسم المسلسل عندما يروننا، لقد فبركت الشرطة بالتعاون من النيابة اعترافات خمسة أطفال، محاولة اغتصاب وإيذاء والشروع بالقتل، فهل من قبيل الصدفة أن يكون المتهمين من الملونين كمجرمين والضحية بيضاء البشرة، النظرة الفوقية والعرقية، تأمر مركز الشرطة بكافة طواقمهم من محققين والمباحث الجنائية حتى النيابة، لإيجاد الأدلة وبالنهاية الاعتماد على الاعتراف القسري تحت التهديد والتجويع وعدم النوم والراحة، ثم الضغط على الأهل والخداع والتآمر، تم تسجيل فيديو لاعترافاتهم لعرضها على هيئة المحكمة.