الحدث-ميلانو
أثمر استعداد مصر المتعطشة للطاقة للمضي قدما في إجراء إصلاحات بسوق الوقود والالتزام بخطط سداد ديونها عن طفرة غير متوقعة في صفقات التنقيب والإمداد بالنفط والغاز التي تسببت الاضطرابات السياسية بالبلاد في تأجيلها.
وباتت مصر سوقا كبيرة جديدة للنفط والغاز مع سعي الحكومة لتخفيف حدة أسوأ أزمة طاقة تشهدها منذ عقود.
ففي يناير كانون الثاني وحده أبرمت مصر 15 صفقة جديدة للتنقيب وعدلت اتفاقين آخرين وأنجزت مناقصات كبرى لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من دول منها الجزائر وروسيا وانفتحت على معايير تسعير الطاقة العالمية في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لإلغاء الدعم بحلول 2019.
وقال مارتن ميرفي المحلل المختص بأبحاث أنشطة المنبع في شمال أفريقيا لدى وود ماكنزي إن شركات التنقيب التي يجذبها ارتفاع أرباح إنتاج النفط والغاز التي تحددها الدولة تنظر الآن إلى مصر بنظرة مختلفة رغم أن الحكومة ما زالت تدين لبعضها بمليارات.
وتعتمد مصر التي يقطنها نحو 90 مليون نسمة اعتمادا شديدا على الغاز في توليد الكهرباء للمنازل والمصانع.
وتقول وزارة البترول إن استثمارات بقيمة 2.9 مليار دولار تدفقت على أنشطة التنقيب والإنتاج بقطاع الطاقة في مصر منذ نوفمبر تشرين الثاني 2013.
وذكر متحدث باسم وزارة البترول أن بلاده تعمل حاليا على إنجاز ثلاث صفقات كبيرة للنفط والغاز يبلغ إجمالي قيمتها 9.2 مليار دولار دون الخوض في مزيد من التفاصيل.
وقال ميرفي من وود ماكنزي "سداد الديون وإصلاح أسعار الإنتاج البحري (وتوقع إجراء المزيد من تلك الإصلاحات) فضلا عن كون مصر سوقا ضخمة متعطشة للغاز" كلها عوامل تجذب المستثمرين من جديد.
وبعد أربع سنوات من الاضطرابات أدى ارتفاع الطلب على الغاز إلى تحويل مصر من مصدر صاف للغاز إلى مستود بينما تسبب تراكم المتأخرات المستحقة لشركات النفط في الإحجام عن ضخ استثمارات جديدة بقطاع التنقيب والإنتاج.
وكانت النتيجة أن شهدت مصر أشد نقص في الطاقة خلال عقد من الزمن.
غير أن مصر بدأت في تسوية ديونها المستحقة لشركات الطاقة الأجنبية والتي بلغت 3.1 مليار دولار حتى ديسمبر كانون الأول بعد سداد 2.1 مليار دولار. وتظهر بوادر نجاح على إصلاحات الطاقة في حين يخفف هبوط أسعار النفط من وطأة خفض دعم الطاقة نسبيا.
* خفض الدعم
دفعت سياسة التسعير الجديدة أرباح إنتاج الغاز البحري إلى ستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في مشروعات جديدة وهو ما يرجع لأسباب منها خفض الدعم الذي كان يلتهم 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السابق وعرقل قدرة الدولة على سداد مستحقات المنتجين.
وقال طارق الملا رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول إن من المتوقع أن يشجع السعر المعدل للغاز شركات الطاقة وخصوصا في ضوء التحركات المتوقعة لأسعار النفط العالمية.
وكانت عوائد إنتاج الغاز لا تزيد على 2.65 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في السابق.
وقال ميرفي "في الصحراء الغربية التي تقل فيها تكاليف التنقيب بدأت الحكومة في رفع السعر الذي ستدفعه لمنتجي الغاز" مضيفا أن آر.دبليو.إي ديا الألمانية حصلت على زيادة سعرية للإنتاج الجديد من مشروعها في دسوق.
وقالت وحدة ديا للنفط والغاز التابعة لشركة آر.دبليو.إي الألمانية للمرافق إنها ترى إمكانية لضخ استثمارات جديدة في مصر بفضل جهود الدولة الرامية لتعزيز تنافسية المشروعات.
وأعلنت شركات الطاقة الكبيرة إيني وبي.بي وشل وتوتال عن صفقات تنقيب جديدة في مصر خلال الشهر الأخير.
وقال ماوريتسيو كوراتيلا المدير العام لفرع إديسون في مصر لرويترز إنه يتوقع زيادة "كبيرة" في أسعار الغاز والابتعاد عن أساليب التسعير المتبعة.
وأضاف "الاتفاقات الجديدة مع إيجاس (الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية) لا تتضمن سعرا ثابتا للغاز حيث سيتم التفاوض عليه في ضوء الظروف الاقتصادية للمشروع مع إمكانية قيام المتعاقدين بالبيع مباشرة في السوق المحلية."
وتضمنت تسوية ديون مصر التي تعاني من نقص السيولة منح بعض شركات التنقيب مزايا من بينها الإعفاء من منح التوقيع علی الامتيازات الجديدة وربط المدفوعات بزيادات الإنتاج.
وقال مجيد جعفر العضو المنتدب لمجلس إدارة شركة دانة غاز المدرجة في الإمارات العربية المتحدة لرويترز إنه علاوة على السداد الذي تم في الآونة الأخيرة وافقت الشركة على خطة لتحصيل المستحقات مع زيادتها للإنتاج.
وفي الشهر الماضي قالت الشركة إن مستحقاتها المتأخرة في مصر تراجعت إلى نحو 160 مليون دولار من 280 مليونا في سبتمبر أيلول.
وقال ميرفي إن ترانس جلوب انرجي خصمت منح توقيع بقيمة 40.6 مليون دولار من المستحقات المتأخرة عن بعض الامتيازات التي فازت بها. وأحجمت الشركة عن التعليق.
وذكر كوراتيلا أن إديسون عرضت بناء محطة كهرباء تغذيها إمدادات جديدة من حقلها البحري أبوقير مع خصم إيرادات مبيعات الكهرباء من مستحقاتها المتأخرة.
وبدلا من الانسحاب تظهر تلك الخطط المختلفة كيف أن الشركات تستخدم المديونية من أجل زيادة انكشافها على أسواق الطاقة المصرية السريعة النمو في ظل انحسار الطلب الأوروبي.
وتعمل مجموعة بي.جي مع بي.بي وجي.دي.إف سويز لضخ إمدادات من الغاز البحري عبر منظومة خطوط الأنابيب التابعة لها غير المستغلة بكامل طاقتها. وقال مصدر بالشركة إن الصفقة التي لم تستكمل بعد قد تساعد بي.جي على استئناف صادراتها من الغاز الطبيعي المسال.
وقال محللون وشركات تنقيب إن مصر أمامها فترة زمنية محدودة كمصدر صاف للغاز.
ففي الأسبوع الماضي منحت مصر صفقة بقيمة 2.2 مليار دولار إلى شركات تجارية أوروبية لاستيراد الغاز المسال ويجري حاليا الترتيب لصفقتين أخريين على الأقل.
والأمل معقود الآن على أن يحد خفض الدعم من نمو الطلب على الغاز لفترة تكفي لإتاحة الفرصة أمام الإمدادات الجديدة لسد العجز.
*روتيرز