صديقتي الافتراضية الكاتبة السورية رجاء شعبان التي لم أتحدث معها أي حديث خاص صوتي أو غير صوتي، تكتب لي تعليقا تقول فيه "تذكرني حضرتك بغسان كنفاني. وكم أحب غسان"، وعندما سألتها متعجبا "يا إلهي وكيف ذاك"؟ أجابتني بقولها: "لا أدري كيف".
لا أخفيكم سرا أنني للوهلة الأولى لم يعجبني ذلك، ربما إلى الآن لم يعجبني، وكثيرا ما هوجست به وأنا بين الصحو والنوم، فكيف لي أن أشبه غسان كنفاني، ذلك الشباب الطموح، الممتلئ حماسا، والكاتب البديع خَلقا وخُلقا، ذو الإنجازات البديعة التي خلفها للمكتبة العربية، وأثره في حركة الكفاح المسلح الفلسطينية، والشهيد الحيّ، أين أنا من كل هذا؟
في الفترة الأخيرة، أعكف على قراءة غسان كنفاني، ليس بدافع ما قالته لي الصديقة الكاتبة رجاء. فضول ما يدفعني لقراءة ما جمع بعد استشهاده رحمه الله، كتاب "الشاهد والشهيد"، وكتاب "فارس فارس"، وكتاب "معارج الإبداع". ولي في هذه الكتب رأي كتبته على عجل، ونشرته في صفحة الفيسبوك ولا أريد أن أعيده هنا.
في يفاعتي الجامعية قرأت لغسان كنفاني أولا مجموعته القصصية "قميص مسروق وقصص أخرى"، وقدمت فيها تحليلا للدكتور عادل الأسطة في مرحلة البكالوريوس. للأسف ضاعت تلك الدراسة. عدا هذه المجموعة قرأت مجموعة "سرير رقم 12"، و"أرض البرتقال الحزين". الآن لا أدري هل هي مجموعات قصصية أم أنها قصص منشورة في مجموعات قصصية. لا أريد أن أبحث، أكتفي بما هو في ذاكرتي. إضافة إلى أنني قرأت بطبيعة الحال "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا" ورسائله إلى غادة السمان، وقرأت عن غسان العديد من الدراسات، وكانت دراسة رضوى عاشور "الطريق إلى الخيمة الأخرى" أول تلك الدراسات.
وماذا كتبت عن غسان كنفاني عدا تحليل المجموعة القصصية "القميص المسروق وقصص أخرى"؟ أشرت إلى رسائل غسان إلى غادة السمان أحيانا، وأحلت شاعرتي العربية التي كتبت لها مجموعة من الرسائل عامي (2018-2019) على رسالة لغسان كنفاني في رسالتي الحادية عشرة التي عنونتها بـ "الحال من بعضه يا غسان"، إشارة للعلاقة الملتبسة الموجعة ما بين غسان وغادة وما بيني وبين من كتبت لها تلك الرسائل. كنت أرى أننا متشابهان، أنا وغسان، وهي مع غادة السمان.
هل كل ذلك يجعلني متشابها مع غسان كنفاني؟ ربما رأت فيّ الكاتبة ما لا أراه أنا في ذاتي، ولكنني أحب أن أبتعد عن الشبيه، وذلك حرصا على صورته أولا، وثانيا، طمعا في بناء صورة خاصة لي، فليس أمرا إيجابيا أن أكون شبيها بغسان كنفاني، فلن أصبح يوما إياه، وسيظل هو غسان كنفاني، وأنا ظل باهت لا كيان لي، وثالثا: لا أتوقع أن غسان كنفاني سيسره أن يكون له من يشبهه في عالم الكتابة، فقد عمل ما عمل من أجل أن يكون ابن نفسه متحررا من غيره، فلن يكون سعيدا لو جاء شخص مثلي ليشبهه.
هل كان الأمر مثيرا للكتابة أم لم يعدُ كونه دافعا للكآبة المحضة؟ لقد شعرت بالفعل أنني كتبت شيئا تافها لا يستحق أن يكتب.