الحدث - جميل عليان
عند النقطة التي يستوي فيها سطح البحر المتوسط مع مستوى الأرض، يمكن ملاحظة لهيب الأرض في يوم تموزي حار.. لكن عند مشارف أدنى نقطة في العالم، لا يمنع لهيب يوم قائظ القليل من الرعاة من الحركة.
وعلى الطريق المنحدر من رام الله وهي مصيف فلسطين إلى أريحا مشتى البلاد، تظهر 'أهوال' الصيف في محيط البحر الميت: غباش الحرارة يرتفع من سطح الأرض الملتهبة إلى الأعلى، ويحجب البحر والصحراء أيضا.
وتتعرض الأراضي الفلسطينية ودول شرق أوسطية مجاورة، لموجة حر هي الأكثر تأثيرا خلال الصيف الحالي، بعد بداية شتاء ماض متطرفة أدت إلى سقوط الثلوج لثلاثة أيام متتالية، ويقول عمال كانوا يقضون نهارهم في محيط البحر الميت أنهم لم يشهدوا حرارة مرتفعة مثل هذا الصيف.
وفي أقصى نقطة من فلسطين التاريخية عند شاطئ البحر الأحمر تجاوزت قبل يومين درجات الحرارة حاجز 47 درجة مئوية.
لكن هنا إلى الشمال عشرات الكيلومترات قرب البحر الميت لا يمكن تحمل حرارة الصيف بدون ماء وفير خلال ساعات النهار.
واقفين تحت سلسلة من أشجار النخيل على أطراف مدينة اريحا الجنوبية يحاول العمال الاستفادة من مياه ترتفع من رشاشات قوية الدفع إلى الأعلى وتحجب وراءها الرطوبة.
ويواجه الفلسطينيون، صعوبة بالغة على امتداد الشريط الشرقي في توفير مياه رخيصة تكفي سد حاجات الصيف. إذ أن مواصلة السيطرة الإسرائيلية على منابع المياه من جهة وارتفاع درجات الحرارة من جهة أخرى تجعل توفر المياه بسهولة مهمة مستحيلة مثل سقوط الثلوج في هجير الصحراء.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة الكبير إلى تضاعف كميات المياه التي يستخدمها الرعاة والمزارعين في عمليات الري في منطقة غور الأردن.
ومعروف أن منطقة الغور تقع فوق واحدة من أحواض المياه في الأرض الفلسطينية، لكن على امتداد تلك المنطقة تسري في أوساط المواطنين شكوى واسعة من شح المياه.
وقال رئيس سلطة المياه د.شداد العتيلي لصحيفة الحدث "لا يخفى على أحد أن هذا الصيف يأتي بعد موسم مطري ليس جيدا عموما".
وتقوم مؤسسات رسمية وأخرى دولية ومحلية بمحاولات لعلاج مشاكل المياه في هذه المنطقة الحارة، لكن السيطرة الإسرائيلية على موارد المياه تجعل من مهمة الايفاء بكل المتطلبات اليومية مسألة مستحيلة.
لآلاف السنوات كانت منطقة الغور الفلسطيني موردا كبيرا للمياه، يمر منه نهر الأردن، وتنبع منه مئات الينابيع التي ساعدت على نشوء الكثير من التجمعات والبلدات عبر العصور الماضية.
وردا على سؤال للحدث فيما إذا كان هناك تأثيرات محددة لموجة الحر على قطاع المياه، قال العتيلي "لدينا خطة طوارئ ننفذها في كل صيف للتخفيف من مشاكل المياه".
وأشار العتيلي في الوقت نفسه إلى أن موجة الحر لهذا العام تزامنت مع عمليات عسكرية إسرائيلية متواصلة قام خلالها الاسرائيليون بإفراغ آبار المياه في منطقة الخليل بحجة البحث عن المستوطنين المختفين الثلاثة".
وقال العتيلي "آبار الجمع في كثير من المناطق تشكل عامود استناد لنا، في الخليل وفي شمال الضفة الغربية، لذلك قمنا بتأهيل الكثير من الآبار لهذا الغرض".
ولا يستطيع الفلسطنييون تأهيل مشاريع بنية تحتية في قطاع المياه بدون موافقة إسرائيلي. ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو قبل عقدين، تظهر المياه واحدة من أهم المشاكل التي تعترض حياة الفلسطينيين في الأشهر الحارة.
ولا يبدو أن كل ما حصل عليه الفلسطينيون من اتفاقيات أوسلو هو أكثر اعتراف فقط بحقوقهم المائية، ففي منطقة الغور تظهر الأنابيب الضخمة التي تزود المستوطنات بالمياه وتمر من عمق التجمعات الزراعية الفلسطينية، ولا يستفيد الفلسطينيون منها ولو قطرة.
وترتفع درجات الحرارة أحيانا حتى أواسط الأربعينات لذلك يصبح الطلب على المياه مضاعفا، وغالبا ما يكون الجفاف العام سببا لتوقف الزراعات المروية في كثير من مناطق شرق الضفة الغربية خلال فصل الصيف، اما العاملون في قطاع الثروة الحيوانية يعتمدون على نقل المياه عبر صهاريج مياه من مناطق بعيدة.
لكن الأمر يختلف كليا في المستوطنات الزراعية اليهودية التي تتواصل فيها عملية الزراعة على مدار السنة.
على طول المناطق المحاذية لنهر الأردن تمتد أنابيب مياه ضخمة تسحب المياه إلى 'الكيبوتسات' الزراعية اليهودية، لكن أي فلسطيني لا يستطيع استغلال هذه الأنابيب.
ورغم أن هناك محاولات عديدة من سلطة المياه الفلسطينية ومنظمات اغاثية لسد بعض حاجات السكان إلا أن التخفيف الحقيقي لآثار لهيب الصيف يكمن في إقامة مشاريع بنية تحتية كبيره في المنطقة وهو الذي تمنع تنفيـذه إسرائيل.
وأشار تقرير حديث لسلطة المياه إلى أن إسرائيل لم تمنح الموافقات اللازمة لأكثر من 120 مائة وعشرين مشروعا تم تقديمها منذ عام 2010 وتتضمن مشاريع استراتيجية.
وقال التقرير "بذلك تكون المشاريع العالقة في الضفة الغربية والتي تنوي سلطة المياه تنفيذها 2014-2016 بقيمة 542 مليون دولارا، حيث تم تأمين التمويل المالي للعديد منها وتواجه سلطة المياه عقبة عند تقديم ما تبقى منها للدول المانحة بالسؤال عن الموافقات والرخص الاسرائيلية وهو ما يعيق ويؤخر دعم المانحين او تحويل الاموال لقطاعات أخرى".
في يوم حزيراني قائظ، لا تكترث بضعة عائلات في مناطق رعوية شمال الغور على بعد نحو عشرات الكيلومترات بأي خطط لمشاريع مياه تنتظر الموافقة على التنفيذ من الإسرائيليين.
وقال رب العائلة الذي ينقل المياه من قرية زراعية قريبة، إنه ينتظر غروب الشمس كي تخف وطأة حرارة لهب الشمس.