خاص الحدث
تتوزع على مداخل القرى والبلدات الفلسطينية الواقعة في مناطق (ج) بحسب تصنيفات اتفاق أوسلو، مجموعات من الشبان المتطوعين، الذين أخذوا على عاتقهم تقييد حركة المواطنين لمنع انتشار فيروس كورونا، وذلك بناء على توجيهات الحكومة الفلسطينية، التي أعلن عنها رئيس الحكومة محمد اشتية يوم الأحد الماضي.
ولكن الإجراءات، التي يقومون بها، قد تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا، في ظل عدم توفير أي وسائل وقاية لهم من قبل الحكومة، خاصة وأن هؤلاء مضطرون للتعامل مع عمال قادمين من الداخل المحتل، حيث ينتشر فيروس كورونا هناك بـ زيادة متسارعة. وفي حال إصابة أحدهم، فإن ذلك سيؤدي إلى أزمة حقيقية، لأنهم يتعاملون مع عدد كبير من المواطنين، على النقاط، التي أقاموها، بالإضافة لـ احتكاكهم بأهاليهم.
لكن هذه النقطة ليست وحيدة في سياق عجز الإجراءات الحكومية في مناطق (ج). وتؤكد فيحاء سليمان من لجان التطوع في بيت عور جنوب غرب رام الله، أن عاملين عادوا من الداخل المحتل، أمس الإثنين، بعد أن تبين إصابة اثنين من مشغليّهم بفيروس كورونا، وظلوا على احتكاك مع أهل البلدة لساعات طويلة، قبل أن يتم اكتشاف أمرهم.
وتشير سليمان في مقابلة مع "الحدث" إلى أنهما رفضا الالتزام بالحجر المنزلي وقد وقعت مشادات بينهما وبين لجان الطوارئ، وبعد ساعات من التفاوض، وافقا على الأمر. مضيفة: "هناك من يتابع بيوتهم للتأكد من عدم خروجهم منها".
وتبيّن المتطوعة سليمان، أنه تم التواصل مع وزارة الصحة، ووعدوا بإجراء الفحوصات اللازمة للحالتين، إلا أنه وحتى كتابة هذا التقرير، لم تحضر طواقم الصحة للبلدة لنقلهما.
ويكشف ماهر عنقاوي، عضو لجنة طوارئ في قرية بيت سيرا، أحد شهود العيان على إلقاء جنود الاحتلال لـ عامل فلسطيني على الحاجز القريب من القرية، أن الطواقم الطبية المجهزة بوسائل وقاية تأخرت حوالي أربع ساعات، قبل أن تنقل العامل، الذي بقي ملقى على الأرض طوال هذه الفترة.
وأضاف أن التواصل مع وزارة الصحة تم منذ اللحظة الأولى، وقد كان العامل في حالة صحية سيئة، وقد طلب بنفسه من أعضاء اللجنة عدم الاقتراب منه خوفا من أن ينقل لهم العدوى بفيروس كورونا.
ويطالب عنقاوي وزارة الصحة بتوفير سيارة إسعاف معدّة للتعامل مع مصابي كورونا، في منطقة جنوب غرب رام الله، لأنها منطقة احتكاك مع الاحتلال الإسرائيلي ومن خلالها يدخل مئات العمال، وهو ما يشكل خطرا كبيرا عليها، خاصة وأن لجان التطوع مضطرة للتعامل مع هؤلاء العمال.
ولكن رئيس مجلس قروي بيت سيرا، يوسف الحج، يرى في مقابلة مع "الحدث" بأن الأجهزة الأمنية هي الأخرى يجب أن تكون موجودة في المناطق (ج) من أجل ضبط المناطق الحدودية مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تواجه لجان الطوارئ أزمة في ضبطها.
وتمكنت كاميرا الحديث مساء أمس من رصد مشاهد لإيقاف إحدى لجان التطوع لمجموعة من العمال العائدين من الداخل المحتل، على مدخل بلدة بيت لقيا جنوب غرب رام الله. وتوثق المشاهد تعامل أعضاء اللجنة مع العمال عن قرب، رغم عدم ارتدائهم لألبسة واقية. وهو ما يؤكد الحاجة إلى وجود كوادر طبية على مداخل هذه البلدات والقرى، قادرة على التعامل بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الصحية.
ويؤكد، خضر عاصي، من لجان الطوارئ في بلدة بيت لقيا، أنه يتم توقيع العمال العائدين من الداخل على تعهد بعدم العودة للعمل في الداخل المحتل، ويتم إبلاغ وزارة الصحة بشأنهم. لكنه لم يشر إلى إجراءات الوزارة في هذا السياق، قائلا: "نحن نتابع التزامهم بالحجر الصحي لمدة 14 يوما".
وتمكن مراسل الحدث توثيق مشاهد لدخول عمال فلسطينيين من إحدى الممرات، البعيدة عن نقاط ارتكاز لجان الطوارئ، وقد ظهر جنود الاحتلال وهم يسهلون حركة العمال، رغم أن الحكومة الفلسطينية أعلنت في وقت سابق عن وجود اتفاق مع حكومة الاحتلال بمنع عودة العمال إلى بلداتهم وقراهم وتوفير مساكن مناسبة لهم، وذلك في سياق الإغلاق الكامل للمناطق، الذي أعلنت عنه الحكومتين.
مراسل الحدث رصد كذلك تجول "م.ع" برفقة زوجته وأبنائه، في شوارع بلدة بيت لقيا، وهو أحد الذين من المفترض أن يكونوا في الحجر الصحي. حيث إنه عاد من الأردن قبل حوالي أسبوع وقد طلبت منه وزارة الصحة الالتزام في الحجر المنزلي لمدة 14 يوما. وعند حديثنا مع أحد مسؤولي لجان الطوارئ، عن الحالة المذكورة، قال إنه لا يمكن للجان فرض سلطتها على هذه الحالات لعدة أسباب، من أهمها: طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل القرى والبلدات، وكذلك عدم وجود أدوات ضبط وسيطرة لدى المتطوعين لتنفيذ ذلك، بالإضافة لضعف الاستجابة الحكومية.
وأوضح المتطوع أنه تم إبلاغ الجهات الرسمية المعنية بعدم التزام هذه الحالة، "ولو تم اتخاذ الإجراء المناسب بحقها، لكان الأمر رادعا للآخرين".
ويبدو أن الطريقة الوحيدة، التي تلجأ إليها لجان الطوارئ، للتأكد من التزام المحجورين بقرار الحجر، هي الوثيقة، التي يقومون بالتوقيع عليها، لكن الممارسة العملية تثبت أن ذلك لم يعد كافيا.
ومن خلال فحص البيانات التي نشرها الموقع المتخصص بالبيانات المتعلقة بفيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية، وجدنا أن عدد المحجورين منزليا يوم أمس كان 9000، ورغم تحديثه صباح اليوم ظل العدد كما هو. ولكن كاميرا الحدث استطاعت توثيق عدد كبير من العمال العائدين من "إسرائيل" والذين تم توقيعهم على تعهد بالتزام الحجر البيتي، وهو ما يكشف عدم وجود اطلاع أو تنسيق بين وزارة الصحة ولجان الطوارئ في هذا الخصوص.
ولكن مصدرا أمنيا، فضل عدم الكشف عن اسمه، أكد لصحيفة الحدث أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية صاغت إجراءات جديدة للتعامل مع العمال العائدين من الداخل المحتل. مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تشمل التواصل معهم وتحذيرهم من كسر القرارات المتعلقة بوقف الحركة بين "إسرائيل" وقراهم وبلداتهم.
وأوضح أن الأجهزة الأمنية طلبت الحصول على أرقام العمال للتواصل معهم.
وأفاد المصدر الأمني أن هذه الإجراءات جاءت بسبب مظاهر عدم التزام الاحتلال الإسرائيلي بالاتفاق، الذي جرى بخصوص العمال، وبالتالي فإن هناك حاجة للتواصل بشكل مباشر مع كافة العمال، كما أن عددا من العمال العائدين بقرارات الحجر الصحي، وكذلك بسبب عدم التزام آخرين بقرار وقف الحركة بين "إسرائيل" ومناطق سيطرة السلطة الفلسطينية.
ونفى الناطق باسم وزارة الداخلية الفلسطينية غسان نمر في مقابلة مع "الحدث" ما أشيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي مساء اليوم عن وجود خطة أمنية جديدة للتعامل مع العمال. مضيفا: "لا علم لدي بوجود خطة جديدة باستثناء ما أعلن عنه دولة رئيس الوزراء بأنه من الالزامي على المشغل الإسرائيلي أن يتحمل مسؤوليته تجاه العمال وأن يؤمن لهم المبيت في الداخل مدة شهر على الأقل لعدم السماح لهم بالاستمرار في التنقل في ظل الإجراءات الأخيرة التي تقيد حركة المواطنين، وفي جانب آخر حول عمال المستوطنات فإن التعليمات كانت واضحة بأنه يمنع الذهاب للعمل في المستوطنات وخلاف ذلك لا علم لدي عن أي خطة أخرى جديدة في التعامل بما يخص موضوع العمال الفلسطينيين في الداخل".
وعن تطبيق قانون الطوارئ في مناطق (ج)، قال نمر إن ذلك يتم بالتعاون بين الجهات المختصة والجهات الرسمية والبلديات واللجان التنظيمية ولجان الطوارئ لأنه من المعروف أن الأجهزة الأمنية لا تستطيع التواجد في مناطق (ج)، وبالتالي فإن هذا يعتمد على وعي وإدراك الناس بمخاطر تفشي فيروس كورونا.
وحول عدم مقدرة لجان الطوارئ ضبط حالات الحجر المنزلي في مناطق (ج)، أكد أنه يجب الإبلاغ عن هذه الحالات للأجهزة الأمنية والجهات المختصة، ولكن المعيار الأهم يجب أن يكون من خلال الضابط والوعي المجتمعي. وقال إن الخطة الموجودة قائمة فقط على التنسيق مع اللجان المحلية الموجودة في هذه المناطق.