ما نشهده من عبث بالأمن الصحي والاجتماعي؛ ينذر بكارثة لن نستطيع محاصرتها، بل ربما ستقضي على كل الجهود الرسمية وغير الرسمية. إن ما يحصل من انتهاك الإجماع الوقائي يعطي إشارات واضحة بأن المؤسسات الرسمية قد فشلت في بناء قاعدة القيم الملزمة للجميع على حد سواء.
واقع ما حصل في مخيم جنين والعديد من البؤر السكانية من تحد لقرارات المؤسسات الرسمية الشكلية وغير الشكلية؛ يؤكد بأن تشكيلاتنا ليست مؤهلة للقيام بدورها في فرض سيادتها بالمستوى اللازم، الأكثر خطورة هو أن إجراءات عملها تقتصر على مناطق وأحياء معينة، مما يضعف ثقة الجماهير بها من جهة ويخلق خللا في التوازن المجتمعي من الجهة الأخرى.
بالواقع، لست بصدد الانتقاد السفسطائي بقدر ما أود تسليط الانتباه إلى خطورة الإهمال في ضبط سلوك المخالفين في هذه المرحلة الدقيقة الحساسة، والتي أظهرت بوضوح أن بنية مؤسساتنا سطحية وظاهرية يختبئ خلفها ضعف في بسط سيادة القانون وتنفيذه.
لكي نكون منصفين، أظن بأن كل مكونات المجتمع الفلسطيني أيضا تتحمل مسؤولية ما جرى من تجمهر لا مبرر له الآن في ظل إمكانيات محدودة ومخاطر مريبة تهدد الوجود والديمومة لشعب فقير ماديا. لقد فشلنا كمجتمع في غرس ثقافة الالتزام الذاتي في الأذهان، كما فشلنا في بناء وغرس مفاهيم الحرية، باستثناء بعض الحريات المطلقة التي استخدمها بعض المتنفذين للبطش بالغير وإعلاء "الأنا" على حساب "النحن"!
كان علينا أن نأخذ العبر والدروس من تلك الأنظمة التي استطاعت أن تحصن ذاتها وتحد من اضطراباتها عبر بناء مؤسسات تتبنى قيم الاحترام للصيغ الجمعية التي نجحت في إلزام القاعدة المجتمعية الأوسع للانخراط بها.
نستنتج مما حصل، أن هنالك فشلا تراكميا مريبا في بنية كل مؤسسات تنشئة وتكوين الفرد الفلسطيني، الأسرة والمدرسة والنادي والتنظيم وأماكن العمل والأجهزة... ، الأمر الذي يستدعي وعلى الفور تداعي كل عناصر المجتمع لإعادة تأهيل الإنسان الفلسطيني، ولحين ذلك أعتقد بأن الضبط والنموذج الحازم وبناء عقد اجتماعي طارئ هو الملاذ المؤقت، كما علينا استثمار تعبير "الموت" حيث أن لقوة الكلمة "أي الموت" صورة تخيلية قد تسهم في إعادة التنظيم للمجتمع وأفراده المتشبثين بالحياة وأسبابها.