الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حلم… والا علم؟/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-03-29 11:21:31 AM
حلم… والا علم؟/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي


 

لم يشهد التاريخ مثل هذه الأيام العصيبة، منذ أن خلق الله الخليقة والمعمورة! 

أشعر أحيانا كثيرة، بأن ما يحدث من حولي وحولك، ما هو إلا حلمٌ، لم يكن ليخطر في بالي أو في بالك، أو حتى في بال أي كان من سكان المعمورة. 

كيف يمكن للحياة كلها أن تتوقف؟ وكيف يمكن أن يجلس أكثر من ثلثي سكان العالم في منازلهم خوفا من أن تصيبهم عطسة، أو يمسهم آخرون بلمسةِ؟. وكيف يمكن للحياة أن لا تتوقف بعد أن فرغت صالات الانتظار في كل المطارات من المسافرين، ومن القادمين الذين لم نستطع تقبيلهم أو حتى مصافحتهم، بعد أن أغلقت العشرات من الدول أبوابها وتمنت حكوماتها أن تكون للحدود أسوارها، حتى صار المرضى يخافون الذهاب إلى المستوصفات وإلى المستشفيات، إلا من ارتفعت درجة حرارته، أو استمر بالكح حلقه، أو دخل الشك عقله، بأن فيروس الكورونا المستبد قد اقترب منه، أو من بعض أحبائه. 

تعطلت وشلت الكثير من حركات المجتمعات في العالم كله، بعد أن انتشر الوباء في العالم كله بسرعة أصابت البشرية كلها بذهول، فهو لا يفرق، بين غني وفقير، أو بين أمير أو ولي عهد وشحاذ، أو بين مسلم وبوذي، أو بين فلسطيني وإسرائيلي. 

هل كنا لنصدق أنت وأنا، بأن يأتي يوما لا بل أسابيع، تغلق فيها المساجد والكنائس ودور العبادة من شرق المعمورة إلى غربها، وهل كنا لنصدق، بأن المسارح، ودور السينما والملاهي والمطاعم ستصبح يوما مصدرا للعدوى وللرعب، وجب إغلاقها؟. وهل كان لنا أن نصدق، إن واجب العزاء يوما، أصبح بالهاتف يُقبل؟، وعليه… فعلى جميع قاعات الأفراح والملاعب والدواوين والأندية والنوادي في العالم كله، أن تغلق؟ 

ولكن من سيعمل؟

هل نحن في يقظة؟ 

أم أننا في حلم نرى فيه مصانعنا ومؤسساتنا ووزاراتنا ومكاتبنا وحوانيتنا مغلقةً تماما كمصانع ومؤسسات وشركات عشرات الدول الأخرى المغلقة؟.  

وكيف يكون ذلك حلما بعد أن أغلقت رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات في الدنيا كلها أبوابها، وبعد أن صارت مصلحة الدولة والدول كلها، في أن يجلس الطفل والتلميذ والطالب والمعلم والعامل والسائق، في البيت، ليسمى المواطن عندها "بالمواطن الصالح"، و"المواطن المحب لشعبه وبلده"!.

ومع أن جلوسنا الاضطراري والمؤقت، في المنازل سيصبح بعد يومين أو أكثر عملا روتينيا مملا، إلا أن محاربة الملل هي صفة الإنسان الصابر والمثابر والعاقل. كما  أن البقاء في البيت الآن، يختلف تماما عن بقائنا الإجباري في زمن الاحتلال والاجتياح الغابر، حين كانت رصاص المحتل تصيب جبين رأس من كان يحاول إطلالة شعر رأسه من شباك أو من باب. أما الآن، فالبعض منا يستطيع أن يعمل ويكمل عمله من داخل منزله مستفيدا من خدمة الإنترنت، ومع أن الكثيرين لا  يستطيعون الخروج من بيوتهم، فإنهم وبهاتفهم الصغير الذي بين أيديهم يستطيعون الوصول أو إحضار العالم إلى منازلهم، أو لعب "بلاي ستيشن" و "بابجي" لتقضية وقتهم كما يريدون. كما أنها فرصة للبعض منا لقضاء الوقت الممتع مع الكتاب ومع القراءة.

يقال بأن المواطن البسيط، مهما كانت جنسيته، في أيامه العادية، لا يهتم بتاتا، بل إنه ليس على استعداد لسماع أخبار وحوادث ومآسي الدول الأخرى، أما الآن، ومع عدم الاهتمام بالأخبار السياسية وغيرها من الأخبار، فقد أصبح المواطن الفلسطيني يبدأ نهاره بسماع أخبار انتشار مرض الكورونا في بلده أولا! ثم يبدأ في السؤال عن انتشار المرض في كل البلدان، وحاله هذا كحال كل المواطنين البسطاء في العالم كله. 

وقد يكون أخوتنا في "ليبيا"، هم الأكثر نضوجا بين كل الفئات والقبائل المتصارعة في العالم كله، عندما اتفقوا، والحمد لله، على وقف القتال والتفرغ لمحاربة عدو الإنسانية الأخطر.

الغريب ذكره، أن الدولتين اللتين قضتا على وباء الكورونا في بلادهما، وقدمتا الآن المساعدة الطبية لدول العالم المنكوبة بهذا الفيروس اللعين، هما الدولتان اللتان ما زال يحكمهما حزبهما الشيوعي  وهما كوبا والصين! 

لم أعد منذ فترة أسأل:- من أين جاءت الكورونا؟، هل هي اختراع أميركي كما يقول الصينيون، أم هي فيروس صيني، كما يقول الرئيس الأميركي، بل إن ما يهمني ويهمك الآن هو:- متى سنقضي على هذه الكورنا المستبدة؟ 

جوابي هو، بأنني على يقين وثقة بالله تعالى، بأن الإنسان وعلى مدى التاريخ كله، سينتصر دائما على كل الأوبئة، التي لو اجتمعت مرة، لقضت على سكان المعمورة كلها، مثلما قضى الطاعون قبل قرون على ثلثي سكان المعمورة. ومع أن باقي الأوبئة مثل التيفوئيد والحصبة والكوليرا والجدري، كانت قد فتكت بمئات الملايين منا، إلا أن النصر في النهاية، كان دائما وبمشيئة الله عز وجل، للإنسان.

وبعد إقفال الحدود مع الأردن، أصبحت معظم إصاباتنا الجديدة قادمة فقط من إسرائيل، فالشوارع الالتفافية المنتشرة في أراضي السلطة الفلسطينية والتي تسيطر عليها دولة الاحتلال، هي مصدر الرعب والإنزال الكبير للفيروس، الذي لا يعرف الحدود ولا الأديان، وهو ما يعرقل "حالة الطوارئ الطبية" التي أعلنها رئيس الوزراء الدكتور محمد اشتيه، قبل أن تعلن عنها أية دولة من الدول في العالم كله، بعد الصين وإيطاليا، والتي لولاها، لعرف الله وحده ما كان ينتظر هذا الشعب الأعزل، الذي أسلم أمره دائما لأحسن الخالقين.

ولقد أثبت التاريخ مرارا، أن رجل الدولة، هو من يسرع إلى وقاية وحماية شعبه، ويتخذ القرار الشجاع في الوقت المناسب، دون الالتفات إلى آراء من لهم الآراء المضادة دائما. 

تحية إلى كل الزملاء الأطباء وإلى الكوادر الطبية كلها، وإلى جميع أجهزة الأمن في معركتنا غير المتكافئة إطلاقا مع وباء القرن الحادي والعشرين، الذي لا يمكن هزيمته، إلا بتعاون الجماهير الكامل.