كما الإهمالُ الطبي بحقِ الأسير، والذي مَلّ الناسُ سماعَه مِنا، هذا الملف المَقيت، ولكنه ما زالَ باقياً، جاثماً على الأرواح، سَتلمسُ أنّاتهم وصَيحاتهم ألماً هناك، إذا أمعنت، ما زال يَحصد أرواحَهم، والبعضُ ينتظرُ دورَه بِثباتٍ وصمود، وكأنه قَدرَهم أن يُلاقوا رَبَّهم دونَ أحِبّتهم في الغِياب...
كما الإذلال والذي اعتاد البعضُ سَرده منّا، وصار يمر عليهم مرور الكرام، كقصة مبتورة النص، مجزوءة المتن، مفقوءة العينين، لا تُمتِع القارئ ولا تسُرُ الناظرين، وهو أيضاً ما زال حاضراً كصباحنا وعشيّنا، وصرنا نتلمّسه باليدين، ناتئاً يُدمي الروح، حنظلاً تتجرعه الحناجر، مالحاً تَبكيه القلوب...
وكما... وكم... وكما...
فكذلك وتحت جُنح كورونا، تبقى الممارسات السادِيّة (والأمنية) في الأسر على حالها، وعلى سبيل الصُدفة لا الحصر، وعند خروجي للرياضة الصباحية، وقف سَجّانان عند مدخل ساحة النزهة أو هكذا تسمى، بدون وسائل وقاية أو خجل، وكما في الفحص والتفتيش اليومي للغرف والمقتنيات والإنسان، قاما بتفتيشي بأيديهم ومَعدّاتهم الإلكترونية وأنفاسهم، وقبل إنتهائهم، سألهم كلّ ما فيَّ، وكورونا ؟؟! لم يبالوا وأكملوا ما بدؤوه، وعند انتهائهم، بضحكات ساخرة كان ردّهم وفي إشارة لمشروبٍ كحولي، كورونا باللّمون...
نعم كورونا باللّمون حتى الشقاء، هنا في غياهب السجون والزنازين، كلماتهم هذهِ تكثيفاً لسياسة وتوجه وسلوكٍ لإدارة مصلحة السجون اتجاه الأسير، تماماً كالإهمال الطبي والإذلال والتعسّف والتنكيل، فلا اجراءات وقائية ولا معقمات، في الوقت الذي يُغلقُ الكل بابه على نفسه، وتَقفل الدول مجالاتِها، في الأسر تُفتح كل الأبواب على مصراعيها بل ويُبسط السجاد الأحمر بالعقوبات وسحب المنظفات من الكانتين، لنبقى في انتظار زائرنا المُميت يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة...
وكما... وكم... وكما...
سنظلّ أبداً نتأبطُ فكرة الصمود، نواجه مصيرنا بشجاعة، فالشجرة التي تَصفِرُ فيها الرّيح تظلُّ واقِفةً ولن تركع، ولا تشكو لأحد...