تحية الوطن
لقد خرجت علينا قبل أيام بخطاب قيادي جميل بلغته الأبوية خاطب مخاوفنا وداعب مشاعرنا التي جفت منذ زمن. خطاب لم نسمع مثله منذ فترة، يحمل في ثناياه الأبوة والقيادة وفيه الكثير من الكاريزما.
نعم لقد أحببت خطابك، وأكثر ما أحببت فيه أنك حاولت أن تخاطب الجميع كل بلغته ومخاوفه فلم تغفل عن أي منا... فقد خاطبت العامل والموظف وأصحاب الشركات ولم تنس أسرانا بل وحتى أطفالنا جيل المستقبل.
نعم لقد كنا بحاجة لهكذا خطاب ومع ذلك اسمح لي من منطلق المواطنة المتجذرة فينا، أن أعبر لك عن ما أملت أن يشمله هذا الخطاب.
لقد أملت أن أستمع إلى خطط لمجابهة ما هو خارج البعد الصحي لهذه الأزمة، وبالطبع دون التقليل من البعد الصحي الخطير لها.
ومن مطالعتنا لما تقوم به الدول المختلفة القريبة والبعيدة، فإن الكل يكاد يجمع على أنه ومع أن السبب الأساسي في هذه الأزمة هو الفيروس وآثاره الصحية على البشرية وخصوصا فئات معينة منها، فإن ثلثي الأزمة سيؤول إلى المنحى الاقتصادي. إذ أن الفيروس سينتهي ولكن أبعاده الاقتصادية ستدوم وستحمل كوارث قد لا تتحملها دول غنية فما بالك بنا؟ دولة تحت الاحتلال؟
لم نر في خطابك أي مخطط لا قصير الأمد ولا بعيد الأمد لما يمكن القيام به من ناحية اقتصادية لمجابهة هذه الأزمة. إنني لست خبيرة اقتصادية ولكنني أستطيع استقراء ما يحدث كأي مواطن مطلع ومتابع، لقد أثبتت هذه الأزمة أن نظام العولمة قد فشل في مجابهة أزمات عالمية كهذه وأن العودة إلى نظام الاقتصاد المحلي يشكل المتراس الأول في مجابهة مثال تلك المخاطر، بل إننا كمجتمع فلسطيني لطالما واجهنا أزمات الحروب والاجتياحات بقدراتنا المحلية. ومع ذلك "ومع الأسف" فإن الاعتماد على الدعم الخارجي وتقزيم القدرات المحلية وغياب التخطيط الاستراتيجي للمصادر المحلية قد زادنا ضعفا ويضعنا الآن في معركة حياة أو موت أمام هذه الأزمة.
فلسطين ليست بلدا فقيرا، بل إن فيها الكثير من المقومات ومن المقدرات التي تم إهمالها بشدة على مدى الأعوام الماضية لغياب استراتيجيات وطنية لدعم الاقتصاد المحلي والمقدرات المادية والإنسانية والاعتماد على الذات.
كما تعلم دولتك، ولا يخفى عليك وجود أزمة ثقة كبيرة ومشاكل شفافية متراكمة منذ سنين مما يدفع الكثيرين بالتفكير مرارا وتكرارا قبل الإقدام على أي خطوة دعم.
أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من المجهود المحلي والمبادرات من جمعيات ونقابات وأفراد وجيران وأقارب وأصحاب مما يظهر جود أبناء هذا الوطن وكرمهم وحرصهم على الآخر ولكن هذا المجهود إذا لم يكون في إطار استراتيجية متكاملة ومدروسة فإنه لا يستطيع وحده مواجهة هذه الأزمة.
إن هذه الأزمة لن توفر أحدا من قطاع خاص أو حكومي، ولذا فإن الشمولية في التعاطي مع الأمر هي مفتاح حل ومدخل ثقة لكل من لديه خوف وحرص على هذا الوطن.
اسمح لي سيدي أن أطالبك بأن يكون إلى جانبك مجموعة من الحكماء والمفكرين والخبراء الاقتصاديين من أبناء هذا الوطن الذين لديهم الخبرة والحنكة لوضع الخطط والمقترحات لمجابهة الأزمة ووضع الحلول القابلة للتنفيذ، وهذا لا يهمش من حكومتكم، فحكومتكم مثقلة بالمشاكل اليومية المترتبة على هذه الأزمة ومثقلة أيضاً بالمهام التنفيذية اليومية مما لا يترك لها مجالا لعصف ذهني أو لوضع الخطط والاستراتيجيات.
ومن جانب آخر فأن وجود هذا الجسم من الحكماء بعيدًا عن أي منافع مادية أو سياسية سيقدم أفكارا خارج الصندوق بل وقد يفتح قنوات وجسور اتصال مع الجهود والقدرات في الشتات.
نحتاج إلى حكماء ومفكرين وخبراء ليضعوا زبدة خبراتهم أمام الوطن واسمح لي أن أطالبك بالابتعاد عن الأطر التقليدية التي لا تضع سوى الأفكار التي سقفها الفصائلية والكوتا والتي لن تخرجنا أبدا من الأزمة مع احترامي للجميع. المشكلة ليست سياسية بل اقتصادية بحاجة إلى فكر اقتصادي متنور من خبراء البلد والخبرات الفلسطينية في الشتات ورأس المال المحلي وفي الشتات.
إنني أقترح أن يكون تشكيل مجلس الحكماء أولوية بعيداً عن أي فصائلية ومصالح مادية وسياسية همه الأول والأوحد مساعدة الوطن على الخروج من هذه الأزمة والنهوض بمقدرات الوطن.
كما أن مجابهة آفة الكورونا أولوية، فإن الحد من آثارها الاقتصادية أولوية أكبر وعلى نفس القدر من الخطورة إن لم يكن أخطر.
إن هذه الآفة ستنتهي كما تنتهي دورة حياة أي فيروس قاتل ولكننا نضع علامة تساؤل كبيرة حول النجاة منها اقتصاديا والثمن السياسي الذي سندفعه لمن سيلقي إلينا بطوق النجاة وأشدد على خطورة هذا الثمن.
إننا نأوي إلى أسرتنا ليلا على وقع اجتياحات واعتقالات غاشمة وطوش وجرائم اجتماعية ولسنا إلا في بداية الطريق.
نسأل الله التوفيق لكم في مساعيكم ونشكركم على سعة صدركم في هذه الأيام العصيبة.