ما زال كتاب Propheties أو "التنبؤات"، الذي كتبه أشهر المُنجمين في التاريخ، الصيدلاني الفرنسي، "ميشيل دي نوستراداموس"، عام 1555 على شكل "رباعيات شعرية"، 942 رباعية أو نبوءة، تتألف كل واحدة من 4 أسطر، أحد أهم الكتب في هذا المجال. والحقيقة أن هذه الرباعيات، كتبت بأسلوب غير مفهوم وغامض، لكي يتجنب الرجل ملاحقة الكنيسة ومحاكم التفتيش، واتهامه بالسحر والهرطقة.
ومع ذلك، فقد أثار نوستراداموس الشكوك في مصادر وصحة توقعاته، فهو لم يستطع التنبؤ بموت زوجتيه، الأولى، ثم الثانية وولديه الاثنين، من مرض الطاعون. وتبين، أن الرجل اقتبس 665 نبوءة من كتب اليونان والإغريق والعرب. ويؤكد الكثير من الباحثين، أن نوستراداموس، كان يؤمن بأن التاريخ يصنعه الإنسان، وهو يعيد نفسه بصورة أو بأخرى، أما الطبيعة البشرية فهي التي تبقى ثابتة ولا تتغير. وعليه قام الرجل بذكاء شديد، بترتيب رباعيات شعرية بعد سرقة نبوءات مئات المنجمين من قبله، حتى أن أحدهم كتب يقول:
أظن أن نوستراداموس، يتنبأ بالمستقبل كما نتنبأ به أنت وأنا!
يذكر أن نوستراداموس، الذي كان والده يهوديا قبل أن يصير كاثوليكيا، عندما مرض مرضا شديدا، قال لكاهن مدينته الذي زاره يوم 1 تموز 1566، بأنهما لن يلتقيا بعد اليوم مرة أُخرى!. وفي اليوم التالي، وُجِد نوستراداموس ميتا في منزله. الغريب أن الرجل، قبل موته بأسبوعين، كتب رسالة، طلب أن تترك في تابوته. وفي العام 1789، وبعد اندلاع الثورة الفرنسية، قام 3 جنود في مدينة "سالون"، بنبش تابوت العراف المدفون في كنيسة المدينة. وبعد أيام قليلة، وجد اثنان منهما مقتولين، وبجانبهما الجندي الثالث يلطم خديه، بعد أن مسً عقله الجنون. وعند قراءة رسالة نوستراداموس، التي كان الجندي المجنون يحملها، كان كاتبها قد خَط بيده الكلمات التالية:-
سَيَنبُشُ قبري 3 أشخاص، وسيقتل منهم اثنان، وسيبقى الثالث دون عقل.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية، عادت أهمية نوستراداموس للظهور عندما أيقظت السيدة "غوبلز" زوجة وزير الدعاية والإعلام لألمانيا النازية، زوجها، لتخبره عن دهشتها وتأثرها الشديدين، من رباعية في كتاب "التنبؤات"، جاء فيها:- (سيظهر في غرب أوروبا رجل فقير، وستسير وراءه كل الجيوش). وفهم الوزير الذكي، كيف يمكن أن تؤثر تنبؤات المنجمين في سلوك الجماهير، التي كان أدولف هتلر بأمس الحاجة إليها. وللحقيقة، فإن الكثيرين من الملوك والحكام، في كل الدول والإمبرطوريات، منذ بداية التاريخ وحتى اليوم، استعانوا بالمنجمين والمنجمات، لمعرفة طالع دولتهم، أو لنقل، طالع مستقبلهم الشخصي. وقد يكون الفرنسيون أكثر الشعوب التي تؤمن بالعرافين والمتنبئين. فالملكة كاترين دي ميتشي، الذي تنبأ نوستراداموس، (بموت زوجها الملك هنري الثاني أثناء مبارزة رياضية، يصيب فيها الرمح إحدى عينيه، ثم يموت بعد آلام وأوجاع). وهو ما حصل في عام 1559. الطريف ذكره، أن الملكة كاترين، رفضت العيش في قصر "سان جيرمان" الملكي، بعد أن تم تحذيرها بأنها ستموت إن هي اقتربت منه. وفي العام 1589، وعندما اشتد المرض عليها، طلبت أن يأتي الكاهن إليها للاعتراف الأخير. وعند دخوله إلى غرفتها، سألته:- ما اسمك؟، فرد قائلا:-
اسمي "جوليان سان جيرمان". وفي اليوم التالي كانت كاترين قد أسلمت روحها.
وفي الصفحة 175 من كتاب التنبؤات، الذي كٌتِبَ في العصر الذهبي للإمبرطورية العثمانية:-
قانون جديد سوف يحتل بلدا جديدا
في مكان قريب من سوريا ويهودا وفلسطين
سوف تنهار الإمبراطورية الهمجية العظيمة
قبل نهاية قرن الشمس
والرباعية هذه، لا تحتاج تفسيرا، إن علمنا بأن القرن 19، كان يسمى بقرن الشمس. ثم كتب الرجل رباعية، تنبأ فيها بدمار مدينتين لم تر البشرية مثله من قبل، حين كتب:-
بالقرب من البوابات وفي داخل مدينتين
ستكون هناك كوارث لم ير مثلها من قبل
مجاعة وطاعون وسيقتل الناس بالحديد
وسيستنجدون بالله كي ينقذهم
وبعد إلقاء القنبلتين الذريتين فوق مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان عام 1945، فهم الناس ما كان الرجل قد تنبأ به قبل 4 قرون. وفي العام 1553، وأثناء زيارته لإيطاليا، التقى نوستراداموس بمجموعة من الرهبان الشباب، كانوا يسيرون في الشارع، فما كان منه إلا أن رمى بنفسه نحو أقدام الراهب الشاب، فيليتشه بيريتي. وعند سؤاله بعد ذلك، أجاب:-
كان يًجبُ عَليَ أن أنحني أمام قداسته!.
وبعد 19 عاما من وفاة نوستراداموس، أصبح اسم الراهب فيليتشه بيريتي، البابا سيكتوس الخامس.
وفي رباعياته الأخيرة، كتب نوستراداموس:-
ستكون لإنجلترا مملكة عظيمة
الأكبر قوة لأكثر من 300 عام
قوات عظيمة ستعبر في البر والبحر
ولن يرضى البرتغاليون بذلك
في العام 1703 اضطر البرتغاليون إلى عقد تحالف بحري مع البريطانيين، الذي مهد في العام 1805، إلى تحطيم الأسطولين الفرنسي والإسباني في معركة الطرف الأغر، التي سيطرت فيها بريطانيا على مياه المحيطات والبحار.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر فيما يخص العلاقة بين الحكام والمنجمين، ففي ثمانينات القرن الماضي، جمعت علاقة وطيدة بين الرئيس الفرنسي "فرانسوا ميتران"، والعرافة اليزابيث تيسيه، التي كان يستشيرها الرأي. كما أن زوجة رئيس أكبر دولة في العالم السيدة نانسي ريجان، كانت تصادق العرافين والمنجمين، حتى أنها قامت مرة، بدعوة أحد المنجمين المشهورين من الهند، ليصنع لها حجابا، حاولت بعدها إقناع زوجها بأن يعلقه على رقبته، إلا أنها حينما فشلت، وضعته تحت وسادته. أما سيدة بريطانيا الحديدية، مارغريت تاتشر، فلم تخفي إطلاقا علاقتها بالمنجمين وإن قالت بأنها كانت تستشيرهم دون الأخذ بتوصياتهم.
الجدير ذكره، أن كتاب نوستراداموس احتوى على رباعية شعرية تنبأ فيها بأحداث جرت في عالمنا اليوم، منها أحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، حين كتب :-
سوف يسقط طائران فولاذيان من السماء على العاصمة
ستحترق السماء عند خط عرض 45 درجة
وستقترب النار من المدينة الجديدة العظيمة
على الفور قفزات ضخمة مشتعلة من اللهب
في غضون أشهر، ستتدفق الأنهار بالدم
الغريب أن بناء مدينة نيويورك في موقعها الحالي لم يبدأ إلا بعد 60 عاما من وفاة نوستراداموس، كما أن موقعها الجغرافي، جاء على خط عرض 40! وهو ما جعل الناس في ذهول وتوق لأن تكون نبوءات الرجل على حق!.
ومع أن نهاية الكون، سرٌ لا يعلمه إلا الله عز وجل، إلا أن نوستراداموس، تنبأ بنهاية العالم، وقال بأنها ستكون في العام 3797، أي بعد حوالي 1777 عاما، وهي البشرى السارة لمن يعتقد أن فيروس الكورونا سيقضي على البشرية في العام 2020!.