د. عايش: ارتفاع النيترات في مياه الشرب قد يؤدي إلى إصابة الرضع بـ"متلازمة الأطفال الزرق"!!
غزة - محاسن أُصرف
يعاني الوضع المائي لقطاع غزة من وضع كارثي، ويجمع الخبراء وجهات الاختصاص على أن القطاع يقف على حافة الهاوية مائياً، مؤكدين على أن عملية السحب الجائر للمياه من الخزان الجوفي أضرت به كثيراً، خاصة في ظل تناقص كميات الأمطار التي تُغذيه وعدم كفاية مشاريع معالجة المياه وإعادة حقنها إليه، ونبّهوا إلى أن تلك الحالة رفعت نسبة الملوحة والتلوث به بشكل متسارع ما أثر على أدائه.
وعبّرت سلطة المياه عن قلقها من مواصفات المياه الجوفية في قطاع غزة ومدى مواءمتها مع الاحتياجات الضرورية للسكان خاصة في الآونة الأخيرة، مُحذرة من عدم كفايتها لمتطلبات الحياة اليومية للسكان، وتُشير بيانات سُلطة المياه إلى أن قدرة الخزان الجوفي باتت محدودة وتتراوح بين 55 – 60 مليون متر مكعب سنوياً، مقابل استخراج سنوي يزبد عن ذلك بأضعاف، يبلغ سنوياً حوالي 200 مليون متر مكعب سنوياً، وتُفيد هذه الأرقام إلى أن 96% من المياه الجوفية في قطاع غزة أضحت غير صالحة للاستخدام المنزلي، الأمر الذي يُحتم إعادة تأهيل وترميم الخزان الجوفي.
"الحدث" في سياق التقرير التالي تقف على معاناه المواطنين من تناقص كميات المياه وترصد مدى مواءمتها لمواصفات الصحة العالمية ومدى تأثير استخدامها صحياً على الأطفال والكبار.
لا تصلح للاستخدام الآدمي
تشكو "أم عبد الرحمن محمد" من مخيم الشاطئ بمدينة غزة من سوء المياه التي تصل إلى منزلها، مؤكدة أن نسبة الملوحة فيها عالية جداً، ناهيك عن الشوائب التي تجعل لونها مائلاً إلى لون الصدأ، وتمنحها رائحة كريهة، تقول السيدة: "لا يُمكن استخدامها للشرب أو الطبخ، فقط لبعض الأعمال المنزلية كالغسيل"، وتُتابع: "حتى استخدامها للأعمال المنزلية يعود بالضرر المادي علينا"، مشيرة إلى تعطل الغسالة خاصتها لأكثر من مرة نتيجة المياه المالحة التي تُستخدم فيها للغسل، كما أكد لها معلم الصيانة، وأضافت أنها لا يُمكن أن تعمد إلى شراء المياه المحلاة عبر محطات التحلية أيضاً للغسل والأعمال المنزلية، فقط تشتريها للشرب والطبخ وكل ما يتعلق بإعداد الطعام، وتلفت أنها تشتري 50 لتراً من المياه العذبة بقيمة 50 شيكل تكفيها لبضعة أيام لا تتجاوز الثلاثة، مما يزيد الأعباء المالية على أسرتها التي تُعاني ضيقاً مالياً أصلاً.
والحال لا يختلف كثيراً في منطقة حي الشخ ناصر شرق مدينة خان يونس، فالمياه الواصلة للمنازل غير صالحة للاستخدام الآدمي وفق سكان الحي، مؤكدين أن نسبة الملوحة فيها عالية ولا يُمكن استخدامها للشرب والطبخ، ناهيك عن عدم وصولها للمنازل إلا كل يومين أو ثلاثة، ما يُحتم على السكان شراء المياه المُحلاه للشرب واستخدامات إعداد الطعام، لافتاً إلى أن المياه المحلاة لا تُخلو من المشاكل أيضاً خاصة فيما يتعلق بضبط نسبة الكلور المعقم فيها، تقول "أم محمد سفيان" إن بعض الباعة للمياه المُحلاة يقومون بغشها بالمياه غير المُعالجة ويزيدون نسبة التعقيم بالكلور فيها.
مختلطة بمياه الصرف
وتتفاقم المعاناة لدى المواطن "أبو محمد صقر" الذي يقطن على بعد أمتار من محطة ضخ الصرف الصحي بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، ويقول إن مياه الصرف الصحي المجمعة في المحطة بين الحين والآخر تطفو على منزله وتكون هناك فرصة كبيرة لاختلاطها بمياه البلدية التي يستخدمها للأعمال المنزلية، ويُتابع أن ذلك يزيد من معاناته نتيجة ملوحة المياه ويضطره إلى شراء المياه المحلاة دائماً، داعياً إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية لملوحة المياه وارتفاع نسبة النيترات فيها التي تُسبب العديد من الأمراض وتضر بصحة المواطنين، لافتاً إلى أن بعض أطفال الحي غالباً ما يُصابون بمتلازمة الزرق التي تنتج عن زيادة نسبة النيترات في المياه، وهو ما أكد عليه تقرير لمركز أبحاث ألماني، كما قال.
المياه الملوثة مُسبب للمرض
وحاول "د. عدنان عايش" مدير معهد المياه والبيئة بجامعة الأزهر بغزة، أن يدُق ناقوس الخطر ويلفت الأنظار إلى خطورة تلوث مياه الشرب في قطاع غزة وعدم موافاتها لمواصفات منظمة الصحة العالمية سواء فيما يتعلق بتواجد الأملاح المعدنية فيها أو ارتفاع نسبة النترات، مؤكداً لنا أن حوالي 40% من الحالات المرضية في القطاع مرتبطة بتلوث مياه الشرب وذلك حسب ما أقرته إحصاءات سلطة المياه، وقال: "ما يُفاقم المشكلة تداخل مياه البحر واختلاطها بالمياه الجوفية، الأمر الذي يزيد من ملوحتها ومن ارتفاع نسبة النترات فيها"، لافتاً إلى أن تناول الإنسان مياه بهذه المواصفات سواء للاستخدام المنزلي أو الشرب فإنها قد تؤدي إلى العديد من الأمراض الخطيرة كالأنيميا لدى الأطفال ومرض "ميتاهموجلوبينيميا" أي متلازمة الأطفال الزرق عند الرضع، ناصحاً بضرورة غلي مياه الشرب خاصة التي تُباع عبر الباعة المتجولين، ومن ثم تبريدها واستخدامها، ناهيك عن استخدام أقراص التعقيم أيضاً، مؤكداً أن ذلك يُقلل من التداعيات الخطيرة لاستخدامها على علاتها على الصحة العامة للمواطن.
وتؤكد دراسة سابقة أجراها معهد المياه والبيئة بالتعاون مع منظمة اليونيسيف على جدية ما يُحذر منه "عايش" إذ كشفت أن ما نسبته 73% من تلك المياه ملوثه من الناحية البيلوجية و95% من مياه قطاع غزة بشكل عام غير صالحة للشرب.
سلطة المياه تُقلل من نتائج البحث
فيما قللت سلطة المياه في غزة من صحة النتائج التي توصلت إليها الأبحاث والدراسات المتخصصة بوجود علاقة بين حالات السرطان الموجودة في قطاع غزة ونوعية مياه الشرب خاصة التي تتم معالجتها في محطات التحلية، مؤكدة أن نسبة النترات في المياه المُحلاة تدخل في إطار ما هو مسموح من قبل منظمة الصحة العالمية، ونوه إلى أن الزيادة في نسبة النترات التي تحدث عنها تقرير مركز "هيلمولتس" لأبحاث البيئة في ألمانيا، قد يؤدي إلى ظاهرة ازرقاق الأطفال دون سن الستة أشهر، ولم يربط بين مرض السرطان والمياه المحلاة في القطاع، وفقاً لما جاء في البيان، واستمرت سلطة المياه في توضيحها عبر البيان مشيرة إلى أن نقص الأملاح والعناصر المعدينة في المياه كالماغنيسيوم والكالسيوم من شأنها أن تُؤثر على صحة الإنسان وتُصيبه بهشاشة العظام، وعلى الرغم من ذلك يُقر البيان رغم انخفاض نسبة الأملاح والمركبات المعدنية في مياه الشرب المُحلاة والتي تُباع عبر محطات التحلية والبائعين الجائلين إلا أنه لم يُؤكد أنها المسبب الأساسي لهشاشة العظام لافتاً إلى أن الإنسان يُمكنه تعويضها بصورة كبيرة من مصادر غذائية أخرى.
واقع كارثي
من جانبه حذر "م. منذر شبلاق" مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل بغزة، من النتائج الكارثية التي تنتظر قطاع المياه في غزة بحلول الأعوام القليلة القادمة، خاصة في ظل الحديث عن نضوب الخزان الجوفي وعدم قدرته على توفير المياه، ناهيك عن عدم صلاحية المياه المنتجة في القطاع للشرب، وقال: "أن نسبة 95% من المياه التي يتم إنتاجها في قطاع غزة غير صالحة وغير مناسبة، وأن المواطن سيُعاني من فقد نصف كمية المياه المفترض أن تُرصد له وفقاً للمعدلات العالمية"، وأشار إلى وجود عجز سنوي بمقدار100 مليون متر مكعب، لافتاً إلى أن هذا العجز أدى إلى زحف مياه البحر إلى عمق الخزان الجوفي وأثر على كفاءته وقدرته على إنتاج مياه صالحة للاستخدام وفق مواصفات الصحة العالمية.
السبب تلوث المياه الجوفية
وفي سياق متصل أرجع بيان سلطة المياه إلى أن ارتفاع تركيز النيترات في المياه إلى تلوث المياه الجوفية نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي إليها، ناهيك عن الاستخدام المفرط للأسمدة والمبيدات الزراعية، لافتاً إلى أن تركيزها أقل نسبياً في المياه المُحلاة التي تُستخدم للشرب وبمعدلات تتوافق مع ما تُقره منظمة الصحة العالمية، وقال البيان: "إن تركيز عنصر النيترات والعناصر الأخرى مرتفعة بشكل ملحوظ في المياه الجوفية التي يتم تزويدها للمواطنين من الآبار عبر شبكات التوزيع، وتابع أنها قد تفوق النسب الموصى بها عالمياً بثلاثة أو أربعة أضعاف، مُشدداً على أنه لا يُمكن استخدام هذه النوعية من المياه للشرب فقط للاستعمالات المنزلية الأخرى وأمور التنظيف".
وفي إطار الحلول الجذرية للأزمة المائية في قطاع غزة نوهت سلطة المياه في بيانها إلى ضرورة إنشاء محطات لتحلية مياه البحر وبكميات تتوافق والاحتياجات المائية وبالإضافة إلى إنشاء محطات معالجة لمياه الصرف الصحي قادرة على توفير المياه المعالجة لسد الجزء الأكبر من الاحتياجات المائية الزراعية، وفقاً لما جاء بالبيان.
توعية ومراقبة
ولم تحمل شكاوى الموطنين الهيئات المختصة بقطاع المياه سواء الرسمية أو الأهلية على البدء بتشديد عملية المراقبة على محطات التحلية لضمان وصول مياه الشرب إلى السكان بالجودة المناسبة وبالمواصفات التي تُقرها منظمة الصحة العالمية، وفي هذا الصدد يُقر "م. محمد أبو شمالة" مدير مختبر المياه في مصلحة مياه بلديات الساحل وجود خلل في عملية الرقابة على محطات تحلية المياه في قطاع غزة، ولكنه أكد أن عملية تلوث المياه غالباً ما تحدث في عملية النقل والتعبئة لعدم وجود جهة معينة تقوم بالرقابة وضبط عملية سير النقل للمياه من المحطة للمواطن.
وفيما يتعلق بنسبة النيترات في المياه المحلاة أوضح "أبو شمالة" أن ارتفاعها من شأنه أن يُظهر أعراضاً مرضية لدى المواطنين وخاصة الأطفال الرضع قائلاً: "زيادة نسبة النيترات في المياه المُحلاة تعمل على حرق الأكسجين في الدم لدى الأطفال الرضع وتُصيبهم بمتلازمة الأطفال الزرق وهناك احتمال للوفاة، تابع أن الضرر لا يقل على الكبار حيث تتحد النيترات مع الأمينيات الأولية في الجسم وتُكّون نيتروز يُصنف بأنه مادة مسرطنة، مما يُشكل خطراً على حياته.
حلول
وإلى ذلك اقترح "عايش" بعض الحلول التي من شأنها حل مشكلة المياه التي تتفاقم عاماً بعد عام وتزداد بعد كل اعتداء إسرائيلي على القطاع حيث يفقد مورداً جديداً وتزداد نسبة التلوث، فيُشير إلى إيجاد إستراتيجية واضحة ومنظمة للعمل على تحلية مياه البحر، والبحر عن مصادر بديلة للمياه عبر إعادة تكرير مياه الصرف الصحي ومعالجتها وفق مواصفات الصحة العالمية لاستخدامها في ري الأراضي الزراعية، وشدد "عايش" أيضاً على أهمية العمل على تجميع مياه الأمطار ومنع تلوث مصادر المياه عبر التحكم بمصادر التلوث أو إدارة المصادر المائية ووضع برامج لترشيد استهلاك المياه.
وفي سياق متصل يدعو "شبلاق" إلى ضرورة العمل على إيجاد مصادر مياه بديلة من شأنها أن تُقلل من التبعات الكارثية لنضوب الخزان الجوفي، وشدد على أهمية إنشاء محطات تحلية لمياه البحر والاستثمار فيها بالشراكة مع القطاع الخاص، مؤكداً أن ذلك من شأنه أن يُخفف حدة النتائج الكارثية لنضوب الخزان الجوفي وزحف مياه البحر إليه، وأيضاً يخلق مصادر جديدة تُلبي الاحتياجات المائية للسكان خلال الأعوام القادمة والتي تُقدر بحلول عام 2035 بـحوالي 254 مليون متر مكعب.