عماد الباز : الوزارة تهدف لتلافي حالة الفراغ بالسوق المحلي
مواطنون : القرار يُكافيء الاحتلال على جرائمه بحقنا
غزة - محاسن أُصرف
سادت حالة من الإرباك في الشارع الفلسطيني بعد أن أقرت وزارة الاقتصاد بغزة، السماح بإدخال البضائع الإسرائيلية.
مواطنون وخبراء اقتصاديون أكدوا بأن القرار ضار بالمستهلك والمنتج معًا، مشددين أن المستهلك والمنُنتج الذي تضرر على مدار خمس سنوات من سياسة إحلال الواردات ومنع استيراد البضائع الإسرائيلية، لن يُمكنهما تحمل أعباء إضافية نتيجة ارتفاع الرسوم الجمركية على إدخال البضائع الإسرائيلية، ويقول أحد التُجار:"لقد تضررنا بما فيه الكفاية خلال السنوات الأخيرة وجاءت الحرب وقضت علينا والآن قرار الوزارة متسائلًا: هل يُمكن أن تنتعش حالتنا الاقتصادية بتكبد المزيد من أموال الرسوم الجمركية؟! وتابع بالكاد المواطن يشتري البضائع المحلية منخفضة السعر نسبيًا عن البضائع الإسرائيلية فكيف به الآن بعد طرح منتجات بأسعار مرتفعة، وحرمان غالبية مواطني القطاع من دخولهم؟!
فيما أوضحت وزارة الاقتصاد بغزة، أن هدفها الأول من السماح بتوريد بعض المنتجات الإسرائيلية التخفيف قليلًا عن كاهل التُجار، وتبديد حالة الفراغ في الأسواق المحلية التي أحدثها إغلاق معابر القطاع بشكل مستمر وتقطير البضائع لأهالي القطاع.
ويشمل قرار الوزارة، ثمانية أصناف، هي المشروبات، والبسكويت، والشوكولاته، والشبس، والقهوة ومشتقاتها، والمعلبات، وورق المحارم، ومستلزمات الدهانة.
"الحدث" تقف على ردود الأفعال الرسمية والشعبية حول القرار الأخير وتنقلها لكم في سياق التقرير التالي:-
فراغ السوق
برر "د. عماد الباز" وكيل مساعد وزارة الاقتصاد الوظني بغزة، قرار وزارته بحرصها على تبديد حالة الفراغ في الأسواق المحلية التي خلفها الحصار وإغلاق المعابر وعدم وصول البضائع الأساسية لسكان القطاع، وقال في تصريحات خاصة لـ"الحدث" :"أن حالة التدمير التي لحقت بأكثر من 4500 مصنع ومحل تجاري خلال الحرب الإسرائيلية على غزة قضت على الإنتاج في قطاع غزة وجعلت الأسواق المحلية شبه خالية من المنتجات والسلع الأساسية التي يحتاجها المواطن" وتابع أن الوزارة ارتأت بضرورة إيجاد حالة من التوازن بإدخال البضائع والسلع الإسرائيلية لفترة محدودة لحين تحسن الواقع الاقتصادي والسياسي في القطاع بعد إحضار أموال المانحين المتفق عليها في مؤتمر القاهرة وبدء المصانع في عمليات الترميم وإعادة الإنتاج، وأكد قائلًا:"عندما تعود القدرة الإنتاجية لمصانع القطاع على الحالة التي كانت عليها قبل الحرب حتمًا سنعمل على التراجع عن القرار ومنع إدخال البضائع الإسرائيلية".
ويتساءل "الباز" في ظل عدم وجود بعض السلع والبضائع الأساسية في القطاع نتجة تدمير المصانع أيهما أفضل أن نقوم بإدخال المنتجات الإسرائيلية أم يبقى السوق فارغًا؟! وأشار أنه في ظل وجود معبر وحيد يعمل في قطاع غزة هو معبر "كرم أبو سالم" تتحكم إسرائيل في فتحه وإغلاقه فإن حركة البضائع من وإلى قطاع غزة في غاية التعقيد، ويُشير "الباز" أن هدم الأنفاق وإغلاق معبر رفح البري مع الجانب المصري أثر كثيرًا على الوزارة في اتخاذ قرارها الأخير، مؤكدًا أن الأنفاق كانت تورد أكثر من 70% من السلع والبضائع إلى القطاع ولكنها لم تعد كذلك في الآونة الأخيرة مما ساهم في عودة الأوضاع في قطاع غزة إلى سابق عهدها في عام 2008 من تشديد الحصار وأضاف أنه حال فُتح المعبر على مصراعيه يُمكن اللجوء إلى العديد من الدول المجاورة والمناصرة للقطاع لتوريد البضائع الشحيحة في الأسواق لحين عودة المصانع إلى الإنتاج وتحقيق الكفاية من السلع التي يحتاجها المواطنين، مطالبًا السلطة الفلسطينية مخاطبة الجانب المصري وفتح المعابر بما يُحقق إدخال كل ما يحتاجه القطاع من بضائع.
نُصرة الجلاد
وعبر بعض المواطنين عن غضبهم من قرار وزارة الاقتصاد بالتخلي –ولو لفترة محدودة- عن سياسة إحلال الواردات ومقطاعة المنتجات الإسرائيلية التي التزمت بها على مدار خمس سنوات سابقة، وقالت بسمة النجار" 42 عامًا من بلدة خزاعة جنوب قطاع غزة:"القرار إهانة لتضحياتنا خلال الحرب ونصرة لمن قتل أطفالنا وشردنا من بيوتنا، أعتقد أنه قرار خاطئ وغير مسئول ويجب العدول عنه فورًا".
وعانت السيدة "النجار" ووالدها المُسن ويلات التشريد على وقع البراميل المتفجرة التي أحرق بها الاحتلال الإسرائيلي بلدتها، ناهيك عن فقدانها أكثر من 50 فردًا من عائلة النجار شهداء، وتتساءل :"هل ندفع لإسرائيل ثمن أسلحتها التي أراقت بها دماء شعبنا؟!
ومن جانبه طالب المواطن "محمد معمر" 33 عامًا، بضرورة دعم المنتج المحلي، وإيجاد السبل لتطويره وجعله منافسًا للسلع الإسرائيلية، وشدد على أهمية تواصل الجهود الرسمية والأهلية والدولية من أجل تعويض المصانع وأصحاب المؤسسات الاقتصادية الإنتاجية التي تضررت خلال الحرب ومحاولة إنعاشها لتقوم بدورها في توفير السلع التي يحتاجها سكان القطاع، لافتًا أن ذلك يُحقق إزاحة البضائع الإسرائيلية مُجددًا إلى الأرفف السفلية في المحال التجارية بل ويُنهي وجودها، خاصة في ظل ارتفاع أسعارها مقارنة مع الحالة الاقتصادية السئية التي يُعانيها غالبية سكان القطاع.
سياسة إسرائيلية
فيما كان رأي التاجر "إبراهيم الأشقر" أكثر لومًا على سياسة الاحتلال الإسرائيلي، قائلًا :"إسرائيل تتعمد التضييق على المعابر وإبقائها مُغلقة لفترات متباعدة متذرعة بحجج أمنية" مؤكدًا أن هدفها تعطيل عملية نقل البضائع من وإلى القطاع وإعطاء الأفضلية للبضائع الإسرائيلية والتي غالبًا ما يتم إدخالها على حساب البضائع المصرية والعربية، ولفت أن التعطيل المتعمد الذي تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إدخال البضائع من وإلى قطاع غزة عبر معبري العوجا وكرم أبو سالم، يلحق أضرارًا وخسائر كبيرة بمصالح التجار والمواطنين على حد سواء.
تأثير اقتصادي خطير
وتُشير القراءات التحليلية لقرار وزارة الاقتصاد بمدى خطورته على المنتج الوطني وتأثيراته السلبية على مجمل الاقتصاد الغزي المتدهور أصلًا بقعل الحصار وإغلاق المعابر ونتائج الحرب الأخيرة التي استمرت 51 يومًا وكبدت القطاع خسائر في الأموال والأرواح، وفي هذا السياق يُحذر "د. ماهر الطبّاع" من القرار الذي اتخذته وزارة الاقتصاد مؤخرًا بإدخال البضائع الإسرائيلية إلى قطاع غزة لافتًا أن القرار مُنافي لسياسة الوزارة السابقة في إحلال الواردات ومُقاطعة المنتجات الإسرائيلية تحت شعار "الواجب الوطني" و"المقاومة السلمية" للاحتلال الإسرائيلي، وقال لـ"الحدث" :"الرسوم التي ستُفرض على إدخال المنتجات الإسرائيلية ستكون عالية ولن يُطيقها المواطن خاصة في الفترة الحالية التي يُعاني فيها من من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة بل وفقدانه للدخل بشكل منتظم" وأشار إلى أن المواطن وحده من سيتكبد الرسوم الإضافية على المنتجات الإسرائيلية في حال أراد أن يقتنيها.
زيادة الأزمة
ويبدو أن المبررات التي ساقتها وزارة الاقتصاد بسماح إدخال البضائع الإسرائيلية للتخفيف عن كاهل التُجار لا تُقنع أصحاب المصانع ولا الخبير الاقتصادي "الطبّاع" الذي أكد أن التدمير الكلي والجزئي من قبل آلة الاحتلال الإسرائيلي خلال 51 يومًا أنهك أصحاب المنشآت الاقتصادية والمصانع وأفقدهم دخلهم المالي، وقال أن القرار الأخير يقضي على أي محاولة لهم بالنهوض، داعيًا إلى ضرورة إنعاش هذه المصانع وتعويضها سريعًا من أجل العمل والإنتاج وملأ الأسواق المحلية بالمنتجات التي يحتاجها المواطن، وليس تعميق أزمتها.
فيما دعا "علي الحايك " رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية على الحايك إلى ضرورة مد يد العون إلى أصحاب المصانع الذين عانوا على مدار ثلاث حروب من تدمير مصانعهم وتعطيل خطوط إنتاجهم، مؤكدًا أن توريد البضائع الإسرائيلية قد يؤدي إلى إغلاق العديد من المصانع التي بدأت تتعافى بجهودها الخاصة وسيزيد أعداد المتعطلين عن العمل والذين بلغ عددهم بعد العدوان الإسرائيلي الأخير حوالي 200 ألف عامل، وقال :"لا يمكن حماية المنتج المحلي في ظل المنافسة الشديدة للبضائع المستوردة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الخام وارتفاع الرسوم الجمركية".
توفير بديل
ويرى "الطبّاع" بضرورة العمل على توفير البديل الذي يُنهي حالة الفراغ في الأسواق المحلية وذلك عبر إدخال البضائع من الدول العربية والإسلامية المُجاورة مؤكدًا أن هذا يتطلب العمل الجاد على إعادة فتح المعابر بشكل كامل، وتابع بالقول :"المسئولية تقع على السلطة الفلسطينية بالاجتهاد السياسي والالتزام بمهماتها أمام القطاع بفتح معابره ما يُحقق إدخال البضائع العربية ومنع إدخال البضائع الإسرائيلية خاصة بعد الحرب".
وبحسب الخطة الوطنية للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار فإن خسائر المنشآت الاقتصادية خلال الحرب والبالغ عددها 4500 منشأة قُدرت بـ(566) مليون دولار أي ما يُقارب ثلاث أضعاف خسائر حرب (2008-2009)، غير أن أي من تلك المنشآت حصلت على أيٍّ من الأموال لتبدأ من جديد رغم مرور خمسة أشهر على انتهاء الحرب وإعلان وقف إطلاق النار في القاهرة.
ينسف جهود المقطاعة
وطالب القيادي في المبادرة الوطنية الفلسطينية "نبيل دياب" بالتراجع عن قرار السماح بإدخال المنتجات والبضائع الإسرائيلية إلى قطاع غزة، مؤكدًا أن القرار جاء في التوقيت الخطأ في ظل ممارسات الاحتلال المستمرة بإنهاء ملامح الحياة الكريمة للفلسطينيين سواء بالقتل أو الحصار أو الاستيطان والتمييز العنصري، وقال في بيان اطلعت عليه "الحدث" أن القرار ينسف حالة التعاطف الدولي التي استطاعت حملات مقطاعة المنتجات الإسرائيلية الوصول إليها مؤخرًا، مطالبًا من الفصائل الفسطينية اتخاذ موقف جدي بالإيعاز إلى مصدري القرار في غزة بضرورة التراجع الفوري عنه بسبب ضرره البالغ على المنتجين والعمال في قطاع غزة والذين سيواجهون فقد قدرتهم على الاستمرار بالإنتاج، وناشد الموطنين بعدم اقتناء المنتجات الإسرائلية واستبدالها بالمنتجات المحلية أو العربية كلما توفرت في الأسواق.