الحدث ـ محمد بدر
اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز أن انتشار فيروس كورونا كان بمثابة فرصة لكثير من زعماء العالم، لتشديد قبضتهم ومنح أنفسهم صلاحيات كبيرة. فعلى سبيل المثال: في المجر، تم منح رئيس الوزراء صلاحيات مفتوحة، وفي المملكة المتحدة أصبح لدى الحكومة والوزراء السلطة لإغلاق الحدود واعتقال المدنيين، وفي شيلي تم نشر الجيش في الساحات، التي شهدت مظاهرات قبل انتشار الفيروس، وفي بوليفيا تم تأجيل الانتخابات الرئاسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن رغم كل هذه الإجراءات، إلا أن الأنظمة السياسية حول العالم تقف عاجزة أمام الفيروس. لكن خبراء القانون الدستوري يوضحون بأن هذه التدابير منصوص عليها في القانون الدولي، خاصة ما يتعلق بمنح صلاحيات جديدة لإغلاق الحدود وفرض عمليات الإغلاق وتعقب المواطنين المصابين وباقي التدابير الاستثنائية.
هذه الحالة تنبهت لها بيونيلا ني أوولين، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والحرب على الإرهاب، وقالت: "بعد الوباء الصحي، يمكن أن ينفجر وباء من نوع آخر؛ وباء لوائح القمع الاستبدادي، وتوسع القوانين الجديدة التي تسمح بمراقبة الدولة للمدنيين، وللحكومات باعتقال المدنيين إلى أجل غير مسمى، وانتهاك حرية التجمع، وهو ما سيؤثر على الحياة المدنية والسياسية والاقتصادية لعقود قادمة".
لقد أعاد الوباء العالمي بالفعل صياغة المعايير. وقد تم الإشادة بأنظمة مراقبة الأفراد في كوريا الجنوبية وسنغافورة، لمساهمتها في منع انتشار فيروس كورونا، وقد كانت في السابق محل انتقاد. وحتى الصين، التي كانت من أشد المنتقدين لهذه المراقبة، جعلتها جزءا مهما من تدابيرها في محاربتها لانتشار الفيروس.
في "إسرائيل"، أذن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للأجهزة الأمنية بتتبع المدنيين من خلال برنامج المراقبة الذي تم تطويره في سياق مكافحة عمليات المقاومة الفلسطينية. يمنح تتبع حركة المواطنين الحكومة القدرة على محاكمة أولئك الذين يتهربون من أحكام الحجر الصحي وسجنهم لستة أشهر في. وبسبب إغلاق المحاكم، تأجلت محاكمة نتنياهو المتهم بقضايا فساد.
وفي العديد من البلدان حول العالم، تثير قوانين الطوارئ الجديدة التي أعقبت انتشار فيروس كورونا مخاوف قديمة بشأن عودة الأنظمة العسكرية. الكونجرس الفلبيني أقر الأسبوع الماضي قانونًا يمنح الرئيس رودريجو دوتيرتي سلطات طوارئ مفتوحة. رفض المشرعون مسودة أولية للقانون من شأنها أن تمنح دوتيرتي صلاحيات واسعة جدا. يقول محامون فلبينيون يعملون لصالح منظمة حقوقية في الفلبين إن "منح سلطات طوارئ غير محدودة، وهو تعبيد للطريق أمام الأوتوقراطية".
تستغل بعض الدول كورونا لاتخاذ إجراءات ضد المعارضين السياسيين. في بعض الدول العربية، منح قانون الطوارئ سلطات واسعة للسلطة التنفيذية، بما في ذلك اعتقال الصحفيين تحت ذريعة نشر الأخبار الكاذبة أو الشائعات. في تايلاند، تولى رئيس الوزراء تشان أوشا مسألة قمع وسائل الإعلام ومراقبتها، وتمت مقاضاة صحفيين تايلنديين وتهديدهم بعد انتقادهم الحكومة في أعقاب تفشي الفيروس. في تشيلي، أعلنت الحكومة عن الوضع بأنه كارثي بسبب تفشي الفيروس، وقد تم نشر القوات العسكرية في شوارع المدن، وتوقفت الاحتجاجات، التي استمرت لأشهر في البلاد.
وبسبب كورونا، جمدت الحكومة البوليفية هذا الشهر الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في أوائل مايو/أيار. في العام الماضي، أجريت انتخابات مثيرة للجدل في البلاد، أدت إلى احتجاجات عنيفة وأجبرت الرئيس السابق أبو موراليس على الاستقالة. أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الأسبوع الماضي أن الانتخابات ستجري في الفترة من يونيو إلى سبتمبر.
في ظل أزمة هذا الفيروس، يمكن للحكومات التي تميل إلى الأوتوقراطية أن تعزز سلطتها. مثلا: يمنح قانون جديد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان سلطة تخطي الرقابة البرلمانية وتعليق القوانين القائمة. أوربان، الذي أعلن حالة الطوارئ الشهر الماضي، لديه الصلاحيات الحصرية على إنهاء حالة الطوارئ. ووافق البرلمان المجري، الذي يتمتع فيه حزب أوربان بأغلبية الثلثين، على القانون الأسبوع الماضي. ويقول منتقدو رئيس الوزراء المجري إن القانون الجديد يسمح له بتقويض المؤسسات الديمقراطية واضطهاد الصحفيين والمعارضة.
كما وتستغل الأنظمة الديمقراطية أزمة كورونا لتعزيز سلطاتها. بريطانيا لها تاريخ طويل من الممارسات الديمقراطية. ومع ذلك، فإن قانون كورونا الذي تم تمريره في البرلمان بوتيرة سريعة يمنح الوزارات الحكومية سلطة احتجاز المدنيين أو عزلهم لفترة غير محدودة من الوقت، وحظر الحشود والمظاهرات، وإغلاق الموانئ والمطارات، وكل ذلك برقابة محدودة إلى حد ما. بعض اللوائح، المعروفة باسم "سلطات هنري الثامن"، ستمنح الحكومة البريطانية سلطات غير منضبطة. أعطى القانون سلطات وصلاحيات كبيرة لشرطة الحدود والشرطة، ويسمح لهم الآن باعتقال المدنيين إلى أجل غير مسمى. ويقول معارضو القانون إن هذا يمكن أن يعزز "البيئة المعادية" ضد المهاجرين.
في الولايات المتحدة، طلبت وزارة العدل من الكونغرس سلطات واسعة، والتي بموجبها سيسمح بمنع الحماية القانونية من طالبي اللجوء واعتقال المدنيين إلى أجل غير مسمى ودون محاكمة. بعد معارضة الجمهوريين والديمقراطيين، قدمت الوزارة مشروع قانون أكثر اعتدالا.
وتقول منظمات حقوق الإنسان إن العديد من الحكومات قد تستغل تشتيت انتباه المواطنين لتحقيق المزيد من السلطة. وبحسب بيونيلا ني أوولين، مراقب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن العديد من الحكومات تعد قائمة بالإجراءات اللازمة لتعزيز سلطاتها وتنفيذها في حالات الطوارئ أو الأزمات، وتقول إنها تصوغ هذه القوانين و"تنتظر الوقت المناسب لتقديمها وتطبيقها".
ليس من الواضح على الإطلاق ما الذي سيحدث للوائح الطوارئ خلال الأزمة وبعدها. في الماضي، كانت القوانين التي تم تمريرها بسرعة، مثل تلك التي تم سنها في الولايات المتحدة بعد الهجمات في 11 سبتمبر 2001، لا تزال سارية المفعول حتى بعد أن كان من المفترض أن تنتهي بانتهاء السبب، الذي أقرت لأجله.