الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إن شاء الله… ننسى!/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-04-11 11:11:33 AM
إن شاء الله… ننسى!/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

لن يتسع مقال أو مجلد للحديث عن "ما بعد الكورونا"، فهناك المئات من الأحداث الهامة في التاريخ، التي يشار إلى وقوعها بتاريخ أحداث أهم منها، كأن يقال، قبل أو بعد ولادة المسيح، أو اكتشاف أميركا، أو قبل، أو بعد الحرب العالمية الأولى أو الثانية، الخ. ويأتي تسارع انتشار وارتفاع عدد ضحايا فيروس "الكورونا"، الذي بسط سيطرته على قارات المعمورة في فترة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، لتجعله أهم حدث تاريخي في التقويم البشري كله. ذلك أن البشرية، منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى، لم تواجه عدوا مشتركا أو تهديدا خارجيا، كما هو الحال اليوم.

خلال شهرين فقط، توقفت مئات الآلاف من المصانع والمؤسسات والجامعات والمدارس وسبل المواصلات وغيرها من وسائل الحياة، وأصبح أكثر من ثلثي سكان العالم محصورين بين مساكنهم ومتاجر الأغذية، وقدرت الخسائر (حتى اليوم) بعشرات التريليونات من الدولارات، وأصبحنا بين ليلة وضحاها نعيش دون مطاعم ومقاهي ودون العشرات من متاجر البيع والشراء المختلفة، في الوقت الذي تحولت فيه جامعاتنا ومدارسنا إلى مدن أشباح، ومع ذلك بدأ الإنسان يفكر فيما ما بعد الكورونا. ورغم إلحاح الأطباء والخبراء، بضرورة إعلان الفيروس، وباء صحيا، إلا أن منظمة الصحة العالمية، تأخرت كثيرا حتى أعلنت يوم 11 آذار 2020، بأن المرض يعتبر "وباءً"، ينتشر في الهواء، وأنه يجب أن تنخفض وتيرة التنقل والسفر إلى أقصى درجاتها للحد من انتشاره. ومع ذلك ظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقلل من أهمية الجائحة قائلا، إنها مشكلة أسواق المال، أو خدعة من جانب الديمقراطيين، وإن الطقس الدافئ سوف يحل المشكلة، وإن معجزة ما سوف تسويها. 

ويجمع الكثيرون الآن، أن كورونا سوف يؤدي إلى زوال عصر سطوة العلامة التجارية الغربية، وانتقال العولمة إلى الدول التي استطاعت تدارك الوباء بشكل سريع وفعال، كالصين وكوريا الجنوبية، في الوقت الذي تباطأت فيه الحكومات الغربية في التعامل مع الجائحة، بعد أن سارت في طرق عشوائية لعلاج الأزمة. فكيف نجحت الصين في محاصرة الوباء وفشلت أميركا وبريطانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى في مكافحته، وهكذا أثبت الصينيون عكس ما كان يتردد طيلة قرون بأن، (الصين خلقت كي تبقى في الصين وللصينيين فقط). الجدير ذكره، أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية اكتشفتا أول إصابة بفيروس كورونا في اليوم نفسه. ومع ورود التقارير التي تهدد بتدمير الاقتصاد الأمريكي، وبأن معدل البطالة سوف يصل إلى 13.5%، إلا أن الوباء، لم يفعل الشئ نفسه بالاقتصاد الصيني أو الكوري.

ويقول الباحثون بأن العالم سوف يشهد صعودا مؤقتا في الروح القومية لدى الشعوب، التي سرعان ما ستطالب حكوماتها بنزع الطابع العسكري للدول، وبأن الأزمة ستحمل تغيرا كبير في علاقة المواطنين بحكوماتهم، خاصة تلك التي نجحت في اتخاذ إجراءاتها الوقائية المبكرة، والتي ستزداد قبضتها على شتى مقاليد الأمور في الدولة. وسيصبح تفسير الوطنية لدى المواطن العادي، هو مقدار ما ستقدمه الدولة من رعاية صحية وغذاء. وقد علمنا كورونا أن ترسانة بعض الدول من أسلحة ذرية، لم تستطع، هزيمة فيروس واحد لم يبلغ حجمه رأس إبرة. ولو أن الدول النووية، قامت بتحويل 5% -10% مما  تنفقه على الأبحاث العسكرية، إلى البحث الطبي، لربما تجنب العالم خسارة عشرات الآلاف من الأرواح.

ومن النتائج المباشرة لأزمة كورونا، ازدهار التجارة الإلكترونية والاعتماد على الإنترنت، إذ أن مئات الملايين استطاعوا إتمام أعمالهم من منازلهم، حتى الدراسة الجامعية والمدارس في غالبية الدول لم تتوقف بعد أن صارت المحاضرات من خلال برامج معينة في الإنترنت. أما العاملون في القطاع الصحي، من صيادلة وممرضين وعاملين وأطباء، فقد أخذوا أماكنهم دون تردد، في الصفوف الأولى في جبهة الحرب على الكورونا، التي ولأول مرة، وقف فيها رجل الأمن خلف الطبيب، يحمي وينظم الجبهة الداخلية في هذه المعركة الإنسانية التي كان أول شهدائها هو طبيب العيون الصيني في مدينة ووهان، الدكتور لي وينليانغ، الذي كان أول من اكتشف وحذر من انتشار الوباء، وإن كان تحذيره في البداية لم يسمع.

من المؤكد، أن عالم ما بعد الكورونا قد غير نظرتنا للسلطة الفلسطينية، التي استطاعت اتخاذ الإجراءات الجدية والوقائية في الوقت المناسب، بعد أن سخرت كل إمكانياتها الطبية المحدودة لمجابهة هذا الوباء الذي لم يكن إلا الله وحده يعلم ما كان سيحل بنا. وشكل اعتماد مبدأ الشفافية ومصارحة الشعب اليومية بآخر المعلومات دورا هاما في بناء جسور الثقة بين المواطن والحكومة. 

وقد يكون الوباء هذا، ما هو إلا استفاقة "صحية" كبرى، بعد أن فهمت البشرية أنها تقف أمام متناقضتين، الأولى أميركية أو غربية، تُعلي شأن الاقتصاد على الإنسان، وأخرى صينية، تُعلي شأن الإنسان على الاقتصاد. ولقد أثبتت الأنظمة الصحية التي تسيطر فيها الدولة على القطاع الصحي جدارتها على أنظمة التأمين الصحي الخاص، التي يبقى أحد أهم همومها، هو الحفاظ على الأرباح، حتى وإن أُلقيَ بالمرضى في ردهات المستشفيات، وهي الفرصة المناسبة للسلطة الفلسطينية، بوضع التوصيات الجادة من أجل إقرار نظام تأمين صحي وطني شامل، والارتقاء بالخدمات الصحية الحكومية التي شهد لها القاصي والداني في هذه المحنة الإنسانية. 

ترى، هل ستجعلنا الكورونا أكثر إدراكا لما تلامسه أيدينا دون أن نغير ما في عقولنا؟، وهل ستعطينا الكورونا الأمل على إعادة تنظيم عاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا؟، وهل ستظهر عادات ومفاهيم جديدة بين الأفراد والدول؟، وهل فتحت كورونا أعيننا على هشاشة أنظمة وقوة "دول العالم الأول" أمام الأوبئة؟ وهل ستتجه الدول إلى الانغلاق والتمحور؟، وهل سيؤدي ذلك إلى عالم أفقر؟، وهل سنعيد  النظر في خطابنا الديني؟ وهل سيصبح العالم أفضل مما كان عليه قبل الأزمة؟ 

يقول الكثيرون، بأن كورونا سيؤدي بالفرد إلى التكاتف مع مجتمعه الصغير والكبير بإنسانية أكثر، إذ أن سلوك الإنسان الخائف من المجهول يتشابه مع سلوك غيره من البشر، أوروبيا كان أم آسيويا. الطريف ذكره، أن حوادث الشجار بين الأفراد قد سجلت انخفاضا ملحوظا في جميع دول العالم التي حل بها هذا الكرب العظيم، ولعل شهر رمضان القادم بعد أقل من أسبوعين، سيكون الشهر الأقل تسجيلا لحوادث العنف والشجارات مقارنة بحوادث الشهر نفسه في السنوات الماضية، لعل وعسى أن يكون ذلك هو المنفعة الوحيدة من جائحة القرن الحادي والعشرين.

برأيي، أن الإنسان والدولة لم يتغيرا بعد أي من الأوبئة الكارثية التي حلت على البشرية في القرون الماضية، وسيتناسى الإنسان والدولة أيضا الكورونا كما تناسيا الطاعون والجدري، وسرعان ما سيعود البشر إلى البحث عن مصالحهم تماما كما تبحث الدول دائما عن مصالحها، وستعود "الطوشات والمشاكل" في رمضان الكريم، الذي سيلي رمضان القادم، تماما كما كانت في كل رمضان.