نعم، نهج العالم سيتغير بعد هذه الموجة الشرسة من العدو الغامض في شتى الميادين من الطب أولا إلى الاقتصاد والاجتماع والزراعة… إلخ. بغض النظر عن نظرية المؤامرة التي ذهب بها البعض إلى الخيال الواسع، المهم والواضح أن العالم بدأ يتغير، وأود هنا أن أستقي من خلال غبار الكورونا الأخذ بالانحسار، الأفق المستقبلي للنظام المالي الفلسطيني بما يحمله من ذهب ومر، الأمر الذي يحتم علينا دراسة خطة اليوم التالي لانحسار الجائحة.
في أزمة الكورونا، استشعرنا التلوث أكثر وأصبحنا حريصين على إدارة وضبط مشاعرنا في التزاماتنا الاجتماعية، وخلال شهرين من الزمان برمجنا أنفسنا على الطريقة الجديدة بالتعامل، لا بل تولدت أدبيات جديدة مثل لباس قفازات وكمامات عند زيارة المتجر لشراء الحاجيات. فالآن استشعرنا أن النقد مثلا وهو الأداة الأكثر شيوعا لتسديد التعاملات المالية في فلسطين بحد ذاته ملوث وناقل للأمراض وعلينا الحذر بالتعامل معه. وما كان من طلب دولة رئيس الوزراء بضرورة الإسراع بتسخير التكنولوجيا المالية ممثلة بالمحافظ الإلكترونية لخدمة هذه الغاية، إلا دليلا على إدراك الحكومة لأهمية الخروج من نمطية استخدام النقد بتسديد المدفوعات واستبدالها بالتكنولوجيا المالية، ورأينا كيف تعاملت سلطة النقد مع البنوك وكيف تعاملت البنوك بمهنية عالية، ولكن ما أن أتى موعد الرواتب إلا وتهاوت جميع البروتوكولات والسبب ليس الناس فهم يتلقون لما نعرضه وهنا مربط الفرس. نحن بحاجة ملحة وبدون تأخير للمحافظ الرقمية لدفع مستحقات الشؤون الاجتماعية وتسديد الفواتير (ماء، كهرباء، هاتف، محمول، مشتقات نفطية، إنترنت، مؤسسات إقراض،… والقائمة طويلة) ودفع أثمان البضائع دون ملامسة النقد، وعليه يكون دور البنوك ليس توصيل بطاقة السحب للمنزل وتعقيم الصرافات الآلية وهم مشكورين على ذلك ولكن تبني المحافظ الإلكترونية كوسيلة دفع لمعتمديهم وتشجيع المنظم ممثلا بسلطة النقد لتشجيع العامة على تبنيها وتحفيز البنوك على رقمنة الخدمات من خلال تبني المحافظ الرقمية وتعبئتها من خلال المواقع الإلكترونية أو الصرافات الآلية أو شبكة الوكلاء المعتمدة، فهذا هو ما يريده المواطن وبالذات في هذه الظروف حيث الحذر من ملامسة النقد.
نتكلم عن تكامل مالي بين المواطن والتاجر والبنك تكون فيه المحافظ الرقمية حجر زاوية في لم شمل أكبر شريحة من المجتمع ودمجها بالنظام المالي وبمباركة ودعم مباشر من الحكومة في سن التشريعات المساندة لنجاح المهمة والتي تأخرنا فيها ولكنها من ضمن خطة الطوارئ كما فهمنا وكلنا ثقة في أن تتم وبسرعة.
نحن على اعتاب ثورة البيانات Datafication المتمثلة في تحليل المعلومات والسلوكيات التي يتم الآن رقمنتها Digitization وتتم هذه الأمور في تسارع كبير في دول العالم ونحن لسنا خارج المنظومة إلا إذا ارتأينا ذلك، فنحن مطالبون بدراسة ما يجري حولنا واقتباس ما يليق بنا وتحويره ليلبي حاجاتنا. فبالأمس القريب كنا نستعمل تعبير أتمتة "من اوتوماتيك" وهو جزء من هذا التطور والآن في فلسطين نحن في عهد الرقمنة (مثال: تحويل الجريدة أو الكتالوج من نسخة ورقية إلى نسخة إلكترونية) والقادم هو ثورة البيانات في تحليل النسخة الإلكترونية باستخدام الذكاء الصناعي وهذا سيفيدنا في الخدمات المالية والشمول المالي لأكبر شريحة بالمجتمع وأهمها الشباب وحاجاتهم هي لأولوية لا محالة.
نسبة الشمول المالي تبلغ 34.6% كما في نهايات 2018، فأين نحن الآن من النسبة؟ هل زادت؟ نقصت؟ هل نحن كمنظمين نطبق الاستراتيجية؟ بدأت كفاءات سلطة النقد الفلسطينية مشكورة في العام 2019 بتشريع القوانين والتعليمات بأدوات التكنولوجيا المالية، وهنا نذكر بدور الحكومة في دعم التوجه والدفع بالقوانين المساندة. ونرجو من هيئة سوق رأس المال الدفع بتعليمات ناظمة في جزئية خدماتها وليس المقصود هنا من كلا المنظمين فقط إدارة الأزمة الحالية وطلب التساهل في ظل الوضع القائم بل استشعار التغيير وضبط عواقبه للوصول إلى الفرص التي ستظهر وبالذات في اقتصادنا ولعب الدور الأساسي المرجو آملين ومطالبين بتكامل بين تعليمات المنظمين لما له من أثر مباشر في نهوض الاقتصاد من سباته أو مرضه.
وهنا أتكلم عن أدوات المدفوعات الإلكترونية الذكية وأدوات الإقراض الذكي وتحفيز الإقراض الموجهه ودعم السيولة وسعر الفائدة المدينة لتشجيع التنمية من خلال أدوات سوق رأس المال وما يمكن أن يتم تحت مظلة مؤسسة ضمان الودائع، فكلها روافد للاستقرار النقدي والمالي.
نعم نحن مطالبون الآن بحل الكثير من المشكلات المالية التي ظهرت مؤخرا نتيجة حالة الطوارئ التي نعيش والتي ارتأت الحكومة الحكيمة في أن تعطي صحة الإنسان سموا عن صحة الاقتصاد وهذا هدف نبيل، والأن مثلما تصرفنا بحكمة في إدارة الأزمة الصحية؛ مطلوب حكمة في إدارة الأزمة المالية ونحن قادرون على حل مشاكلنا بوصفات محلية.