الحدث. ثائر ثابت
من داخل إطار كتاب واحد لا يمكنك أن تتأمل الفهد العربي متربعاً فوق أرضية عشبية خضراء فحسب، بل تقفز بعيداً من خارج هذا الإطار، ليس خوفاً من نظراته الثاقبة، بل لتنصت مستمتعاً لحكايات الفلسطيني، ألماني الجنسية، المتخصص في علم الحيوان البروفيسور نورمان علي خلف.
يستهل العالم خلف (52 عاماً) الحديث عن مسيرته في علم الحيوان بمفردة "الغزال" حيث يقول:" في العام 1983 عندما كنت طالباً في سنتي الجامعية الأخيرة بقسم علم الحيوان في كلية العلوم التابعة لجامعة الكويت قمت بإصدار أول نشرة دورية علمية فلسطينية وثقت من خلالها العديد من الدراسات حول حيوانات فلسطين، ومنذ إصدارها حتى وقتنا الراهن ما تزال توزع باللغات العربية والإنجليزية والألمانية، الأمر الذي جعلها عالمية بامتياز".
(مساهمات علمية)
وفي مجال مساهماته في عالم الحيوان والتوعية البيئية أطلق خلف عام 2013 "جائزة حملت اسم: "الدكتور نورمان علي خلف للتنوع الحيوي في فلسطين" بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، بهدف تعزيز الوعي البيئي لدى طلبة المدارس، كما قام في العام 2014 أيضاً برعاية معرض صور جاء تحت عنوان: "الحياة البرية في فلسطين" تم تنظيمه في قطاع غزة.
وعن هذا المعرض، الذي نُظم بعد أسابيع قليلة من العدوان الاحتلالي الأخير الذي استهدف قطاع غزة في السابع من تموز من العام الماضي، يقول خلف: "ربما يقلل البعض من أهمية تنظيم معرض بيئي بعد عدوان شرس استهدف العديد من القطاعات والمرافق الحيوية لكنني اعتقد أن هذا الحدث لا يقل شأناً عن الأولويات الأخرى لا سيما وأن البيئة قد تضررت كثيراً نتيجة أحداث هذا العدوان...".
(اكتشافات فلسطينية وعربية)
واستطاع خلف تسجيل اكتشافات لأنواع من الحيوانات باسمه، ومنها: ابن آوى الفلسطيني المعروف بالواوي، وفأر غزة المنزلي، الذي يختلف في صفاته الوراثية عن بقية الفئران بلونه الذي يميل إلى البني والأبيض، وسمكة وادي قانا، وأحفورة سمكة الجميزة الفلسطينية، وديناصورات القدس، وفي الإمارات العربية سجل أيضاً بعض الاكتشافات منها: سمكة وادي الوريعة، وأحفورة سمكة الجميزة الإماراتية، وسمكة البلطي الإماراتية، وأحفورة الفيل الإماراتي في صحراء أبو ظبي.
(قصة اكتشاف ديناصورات القدس)
وفي سؤال عن قصة اكتشاف ديناصورات القدس أجاب: "منذ 20 عاماً وأنا أقوم بدراسة طبعات أقدام ديناصورات كان قد اكتشفها رئيس قسم علم الأحافير في الجامعة العبرية بالقدس (موشي أفنيميلخ) في قرية بيت زيت القريبة من القدس في العام 1962، حيث قام آنذاك بتقدير عمرها ما بين 90- 100 مليون سنة، وبدوري قمت بمقارنة هذه الطبعات بغيرها؛ فتوصلت إلى نوع هذه الديناصورات وعمرها وشكلها والتي تشبه النعامة ويزيد طولها عن المترين ووزنها قرابة 150 كغم، حيث انقرضت قبل حوالي 66 مليون سنة ربما جراء اصطدام نيزك بكوكب الأرض...".
(ماذا قالوا عن نورمان؟!)
أحد أصدقاء البروفيسور خلف، وهو مدير دار الجندي للنشر والتوزيع في فلسطين سمير الجندي قال :"تعرفت على الدكتور نورمان منذ سنوات حين زرته في منزله بإمارة الشارقة حيث لفتتني مكتبته التي تضم الآلاف من الكتب، وقد قمت بالإشراف على طباعة كتبه ورغم قيمتها العلمية إلا انه للأسف الاقبال عليها يعد نادراً إن لم تكن من أقل المبيعات، والأهم أن الدكتور نورمان إنسان ديناميكي يتمتع بكاريزما ويحب التعرف على الناس وكذلك الحيوانات والطيور التي تعد عالمه ومثار اهتمامه وكتبه وأبحاثه".
الشاعر والإعلامي عبد الحكيم أبو جاموس في سؤال عن رأيه بالبروفيسور خلف أجاب: "أكثر ما يميز العالم نورمان سعة اطلاعه وعشقه لتخصصه وبساطته في التعامل مع أصدقائه والناس الذين يتعامل معهم، كما أنه يفضل الاكلات الشعبية والبسيطة حين يتناول صباح كل يوم الفطائر، أو مناقيش الزيت والزعتر".
في حين يقول الباحث داود الهالي من مدينة القدس: "التقيت بالبروفيسور نورمان للمرة الأولى افتراضياً عبر فيس بوك، ومن ثم التقينا وجاهةً، وشاركت بعدة جولات علمية معه شملت مدن القدس والنقب وبئر السبع وغيرها ومن خلال هذه الجولات الميدانية لفتني اخلاص الدكتور خلف في عمله وعدم تردده في مساعدة الباحثين الشباب ومشاركتهم خبراته ومعارفه، كما أنه يعتبر من عشاق ومحبي الكعك المقدسي المشهور والمعروف على مستوى مدينة القدس والمدن الفلسطينية".
البروفيسور خلف يعيش مع عائلته في دولة الإمارات العربية منذ العام 2004، حيث يعمل محاضراً في قسم علم الحيوان بجامعة دبي، بالإضافة إلى العديد من الجامعات والكليات العربية والعالمية كمحاضر زائر، كما يتواصل مع بعض المؤسسات التعليمية عبر برنامج "السكايب" خاصة مع طلبة الجامعة الإسلامية في قطاع غزة بشكل طوعي، وتربطه علاقات واسعة مع عديد الشخصيات الأكاديمية والمهتمة بالبحث العلمي خاصة في مجال علوم الحيوان والبيئة.
(مؤلفات نورمان وأبحاثه)
وتشمل مؤلفات خلف العلمية، التي تم نشرها خلال ما يقارب الـــ 35 عاماً 11 كتاباً، أربعة منها ضمن سلسلة "حيوانات فلسطين"؛ وهي بمثابة دراسات وأبحاث علمية عن البيئة الفلسطينية، إضافة إلى العديد من الدراسات والأبحاث التي استهدفت بيئات عربية، كالكويت وسوريا ولبنان والإمارات، وأوروبية مثل: فرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها، ومن هذه الأبحاث على سبيل المثال لا الحصر: دراسة السلاحف البحرية على الشواطئ الفلسطينية، وجنوح الحيتان على شواطئ الكويت، والنمر العربي في الإمارات والسعودية وفلسطين.
ويتحدث عن مدى انتشار مؤلفاته والتفاعل معها: "أشعر بسعادة عارمة عندما تصلني رسائل مباركة وشكر من كبرى المكتبات العالمية والجامعات، وما يشعرني بالفخر أن مؤلفاتي وصلت لمنظمات عالمية واسعة الشهرة منها: وكالات الفضاء العالمية، ومكتبات الكونغرس، وجامعات مثل: هارفارد وماساشوستس وبغداد وموسكو وكامبريدج".
(ذكريات الطفولة في يافا)
ويسترجع خلف ذكريات طفولته: "ليس غريباً على طفل كان جده بحاراً مولعاً بصيد الأسماك وتربية الحيوانات في مدينة يافا، كالسلاحف والطيور والببغاء حتى القردة أو ما يُسمى "بالسعدان العربي" أن يشغله عالم الحيوانات مفضلاً بذلك اختيار تخصص الأحياء رغم حصوله على معدل علمي يؤهله للدخول في كلية الطب".
وحصل خلف على شهادة الماجستير من جامعة دورهام البريطانية - تخصص علم بيئة، ومن ثم شهادة الدكتوراه من جامعة بون الألمانية، حيث تناولت أطروحته آنذاك سلوك الحيوانات آكلات اللحوم، وفي المانيا أيضاً نال رتبة علمية "نقيب" في الجيش بعد التحاقه بالخدمة العسكرية الإجبارية عام 1988 وشارك بعدها في كتيبة الأسلحة النووية البيولوجية الكيماوية.
(نضال من أجل الحيوان)
وعلى صعيد نضاله العلمي من أجل الحيوانات قام خلف باسترجاع العديد من أسماء الحيوانات والطيور وإعادة توثيقها بعد أن تمت سرقتها من جانب علماء إسرائيليين، ومنها على سبيل المثال: "الغزال الجبلي الفلسطيني" الذي تم تحويل اسمه للغزال الجبلي الإسرائيلي من قبل عالم أحياء إسرائيلي.
ويظهر البروفيسور خلف في إحدى جولاته الميدانية مرتدياً قميصاً مرسوماً عليه عصفوران، يقول: "أحاول بكافة الوسائل إيصال رسالتي حول حماية الحيوانات والعناية بالبيئة وتوعية الناس بضرورة تجنب الاعتداء عليها، فربما من خلال "تي شيرت" يعتليه طيرا أو نمر مثلاً أؤمن بأن رسالتي هذه ستصل".
ويحرص خلف على ارتداء الكوفية الفلسطينية في مختلف جولاته ورحلاته العلمية والشخصية، ويقصد من وراء ذلك تأكيد التزامه بقضيته العادلة وبتراث شعبه، لا سيما وأنها تعد بمثابة هوية وطنية تدلل على الفلسطيني اينما حل وارتحل.
(توسي، وبيكو، وبقعة)
وبينما كان البروفيسور نورمان يعدد أسماء قططه، التي يربيها في منزله بإمارة الشارقة وهن: (توسي، وبيكو، وبقعة) لم يخفِ فرحته وهو يعلن تلقيه رسالة الكترونية؛ مفادها انه تم اختياره كشخصية العام وضيف الشرف في الداخل الفلسطيني؛ تقديراً لدعمه المسيرة العلمية والإنسانية على مستوى الوطن العربي والعالم.
هذه بعض الفصول من حكاية عالم وباحث وأكاديمي ما زالت ذاكرته تأخذه هناك إلى يافا متأملاً ملامح جده البحّار واقفاً فوق سفينة مملؤة بأسماك تلك البلاد، وقبالة ساحل الخليج العربي وبقرب قطته "بقعة" يواصل البروفيسور نورمان نضاله العلمي من أجل الحيوان ...!