السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سكر محلي وحواجز محبة/ بقلم: عبد الله لحلوح

2020-04-17 10:41:15 AM
سكر محلي وحواجز محبة/ بقلم: عبد الله لحلوح
عبد الله لحلوح

 

تشهدُ حكومتنا الفلسطينيةُ هذه الأيام ظروفًا قاسية، وتواجهُ مخاطرَ عدةً، وتحاولُ القفزَ عن حواجز الضيق والألم بكل ما أوتيت من قوة، والناسُ في فلسطين يشهدون بحبوحةً من الحياة، وحياةً مبحبحة سياسيًّا رغم الضائقة المالية، والجائحة الوبائية، والعزلة الاجتماعية، إلا أنَّ انفتاحهم السياسي على السياسيين، ونعومة اللسان الرسمي في التحدث معهم وإليهم يُضفي على الطبخة التي كادت "تستوي" قبل أن تستوي النفوس نكهةً خاصة، تكاد لا تخلو من النَّفَسِ الساخر غالبًا، وهؤلاء الساخرون خفيفو الظلِّ يمتطون كل صهوةٍ وُصولًا إلى حيث لا يدرون، فالشهرةُ قد تكون محطتهم الأخيرة، ولكنها ليست الأولى بطبيعة الحال. والحكومة بكلِّ طواقمها من وزراء ووكلاء وناطقين رسميين ومستنطقين وأجهزة أمنية، يتعاملون مع الواقع، أو هكذا يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل مع هكذا واقع، بنوع من الظرافة واللطافة والطرافة، فالمسؤولون يتصلون بالسائلين، والسائلون يصورون المكالمات ويبثونها، وتلفاز (معًا) يعيد تلك المقاطع، ويوثقها بهدف تمكين الباحثين والدارسين في المستقبل من العودة إلى مراجع دقيقة، عندما يكتبون أبحاثهم، بحيث يُعمِّدون دراساتهم بمراجع إلكترونية مسموعة ومرئية، وربما يحصل بعضهم على ترقياتٍ ثمينة، فبعضُ أساتذة الجامعات بحاجةٍ لها كي ينالوا فضلًا من الله ورضوانا. فكيف لا تُشْكَرُ الحكومةُ على هذا الكرم والسخاء، وكيف لا نظلُّ نغنّي للمعالي ونحنُ في الأعالي، وكيف لا نشكرُ بعض المسؤولين، ونحن نؤمن بأنَّ من لا يشكر الناس لا يشكر الله؟.

هذه السنة التي كانت افتتاحيتها بأغنيةٍ شعبية (سكر محلي محطوط على كْريما) ارتفعت نسبة توقعات الناس منها، فكانت السنةُ أسخى من كل التوقعات، ففرزت لنا عطلةً اضطرارية طويلة تبدأ ولا تنتهي، وتعليمًا إلكترونيًّا لم يخطر على بال أحد، ومسؤولين غايةً في اللطف وحلاوة اللسان، وحواجز محبة أصبحت مادةً للإعلام البديل، فتندَّرَ من تندَّر عليها، ومدحها من رأى فيها مجالًا لذلك. أما محبةُ الحواجز الحقيقية، فهي محبةٌ خالصةٌ لوجه الله تعالى، إذ وقفَ عليها رجالُ العزِّ، جنودٌ أعزَّةٌ على الآخرين، رحماء بينهم، وقد كانوا في الحقيقة غايةً في اللطف والمحبة، وإن أغلقوا تلك الحواجز فإنهم فتحوا لنا قلوبهم. ولكن بعيدًا عن هذه الحواجز التي يستلم المسؤولية الكاملة عنها رجال الأمن الذين مهما تحدثنا في شكرهم فإننا نبقى مقصرين، فقد أبدوا التزامًا عاليًا، وحرصًا على أبناء شعبهم، وتعاملًا أخلاقيًّا يُقدَّر، فإنه على الجانب الآخر، وخصوصًا في بعض القرى والمخيمات، وما تشكَّل بالصدفة من لجانٍ أُلْغِيَ بعضها بقرارات من المحافِظين، نتيجةً لتصرفاتٍ لا مسؤولة، فالقولُ هناك مختلفٌ تمامًا، فمحبةُ الواقفين على تلك الحواجز ( أحيانًا) تتحوَّلُ إلى نظراتٍ من نوع ( بَوَرْجيك مين أنا)، و(صوِّرْني وْأنا مش داري) وإذا ما لاحت الفرصة لأحدهم لممارسة دورٍ تَسَلُّطيٍّ قمعيٍّ دون  مراعاةٍ لأدنى قيم الاحترام والعرف الاجتماعي فإنه يفعل، وكأنَّ قانون التماهي مع الآخر كما يقول علماء النفس يفرضُ نفسه في بعض الحالات. وحتى نكون منصفين، فإنَّ هناك لجانًا محليةً قامت بدورٍ وطنيٍّ وإنسانيٍّ مسؤول، وسدّت كثيرًا من الثغرات، لكنَّ بعض التصرفاتِ الصبيانية التي كَثُرَ الحديثُ عنها مع تطاوُل عمر الأزمة، أصبحت تشكّلُ هاجسًا، وتنذر بالخوف من حدوث فوضى لا تُحمدُ عقباها. وأعتقدُ أنَّ حالةَ المكاشفة التي تتحلى بها القيادة هذه الأيام، يجب أن تكون شاملة، وأن تتابع الحكومة عمل تلك اللجان استكشافًا للخروقات، وأن تعيد النظر في تركيبتها، وأن ينخرط فيها الطيف السياسيُّ الشعبي الكلي، لا أن يكون لها لونٌ واحد.

فوقوفُ مراهقٍ على حاجزٍ ما، ممتشقًا عصًا مزركشةً بلون العلم الفلسطيني، معتمرًا حطةً تؤشر على انتماء والده السياسي، مع بنطالٍ مبرقع، ولاسلكي لا يعمل، ونظراتٍ متوترة حاقدة، وصراخٍ حاد لا يخلو من نبرة التهديد، ملوِّحًا ومصرِّحًا، مهددًا متوعدًا، مخاطبًا رجلًا كبيرًا في السن، أستاذًا متقاعدًا، كان قد علّم جدَّهُ قبل خمسة عقود من الزمن، وقبل أن يقول له الله كن فكانَ على هذه الشاكلة، ورفْض الاستماع لصوتِ العقل، والإصرار على كلمته التي هيَ فرضٌ، وسنَّةٌ من سُنن الله التي لن يجد لها تبديلًا( ارجع وما تناقشني، معنا أوامر من فوق)،  وكل هذه الوجبات الساخنة تُقدَّم دفعةً واحدة على حاجز محبة لمربّي أجيالٍ قد يكون أخفق في تربيتهم، فإنَّ ذلك أكثر من سكر محلي على حاجز محبة.