الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شخبط لخبيط/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-04-19 09:29:35 AM
شخبط لخبيط/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

حتى الآن، يمكن القول إن فيروس كورونا استطاع في حربه الوبائية على البشرية، إحراز نصر سريع على العالم كله، بعد أن وصل عدد ضحاياه إلى أكثر من 150 ألف إنسان. وكان من الطبيعي في هذه الحرب أن تسقط الدول النامية والفقيرة صرعى بعشرات الآلآف من قتلاها، وأن تقاوم الدول الغنية هذا الوباء وأن يكون ضحاياها بالأفراد، أو العشرات أو حتى المئات، ولكن ما يحدث أمام أعيننا الآن هو العكس تماما، خصوصا بعد أن تربعت الولايات المتحدة وهي الدولة الأغنى والأقوى في العالم على المركز الأول في عدد الضحايا، حتى وصل عددهم اليوم، إلى حوالي 40 ألف قتيل، من أصل 150 ألف في العالم كله، تلتها البلدان الأوروبية المتطورة، مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وقد يكون السبب في ذلك، هو أن العالم تصرف منفردا أمام هذا العدو الذي لم يميز بين حدود الدول ولون البشر، فسقطت أمامه كل الدول بقاراتها الستة، حتى أصبح العالم بحاجة ماسة إلى عمل جماعي يشارك فيه رجال السياسة والمال إضافة إلى المؤسسات الأمنية والخدمات الطبية والجهات العلمية، على أن يكون على رأسهم، قيادة حكيمة وعاقلة.

كان من الطبيعي والمنطقي أن تكون الولايات المتحدة الأميركية، الدولة الأكثر تطورا، على رأس قيادة هذه المعركة ضد فيروس القرن العشرين الهالك للبشرية، ولكن قيادة المعارك، مهما كانت المعركة، تحتاج إلى قيادة رشيدة، تكون قد نظرت منذ البداية، إلى هذه الجائحة، بجدية تامة ودون عبثية، وبأعلى وأسمى درجات الإنسانية والمسؤولية، وهي صفات، تأكد الأميركيون والعالم كله، للأسف وبعد فوات الأوان، أنها لا تتفق بتاتا مع شخصية حاكم البيت الأبيض والعالم كله، الرئيس دونالد ترامب الذي تعاطى بشكل عبثي، وغير مسؤول مع إمكانية اقتراب الكارثة الوبائية التي بدأت غزوها للعالم من الشرق، قبل أشهر قليلة، حتى أنه أسماها في البداية "بالفيروس الصيني"، ثم ما لبث أن اعتذر!. 

وتؤكد تقارير مختلفة، أن الاستخبارات الأميركية استطاعت منذ تاريخ 30 نوفمبر/ تشرين ثاني من العام الجميل 2019، تأكيد وجود عدوى غريبة، بدأت تنتشر في مدينة ووهان الصينية. وقامت "السي آي آيه"، على الفور بإبلاغ البيت الأبيض باحتمال "انتقال العدوى" للولايات المتحدة (الذي لم يكن قد سمع بالوباء بعد)، وأن ذلك سوف يُحدِث خطرا كبيرا في البلاد، ومع ذلك، لم يأبه الرجل لتلك التقارير. وفي صبيحة آخر يوم من ذاك العام "السعيد"، قامت الصين رسميا، بإبلاغ منظمة الصحة العالمية بوجود فيروس كورونا المعدي على أراضيها.

ومع أن ترامب تلقى في أوائل أيام السنة الكبيسة الحالية، تقريرا رسميا من وكالة الاستخبارات المركزية، يتحدث فيه عن مخاطر كورونا، إلا أن الرجل لم يأبه لذلك. كما أن ترامب لم يأبه أيضا لتقرير مستشار البيت الأبيض الاقتصادي، الذي جاء فيه:- أن فيروس كورونا سيكلف الاقتصاد الأميركي 6 تريليونات دولار، وقد يقضي على حياة نصف مليون أميركي".

ثم أعلن ترامب عن وجود إصابة مواطن أميركي واحد بفيروس كورونا! معللا بأن المصاب كان قد عاد للتو من الصين. وأعلن الرجل قراره الفجائي بوقف الطيران من وإلى الصين مرددا طيلة الشهر الأول من هذا العام النحس، أن "جميع الأمور تحت سيطرته"، وأن الفيروس سوف يختفي بحلول شهر نيسان، مع بدء اشتداد الحرارة.

ومع تأكيدات الرئيس غير الصحيحة، بأن انتشار الفيروس في أميركا ليس أمرا محتوما، وتوافر اختبارات الكشف الطبي لجميع المواطنين الأميركان، إلا أنه ومنذ نهاية شهر شباط، شهدت البلاد ارتفاعا طرديا يوميا في أعداد المصابين والقتلى، الأمر الذي بدأ يثير الاتهامات الشعبية والرسمية في أميركا ضد رئيسها، خصوصا بعد تصريحاته المتتالية والمتناقضة بأنه ورث من إدارة أوباما، "مخازن فارغة من المستلزمات الطبية الضرورية، مما لا يسمح بإجراء الفحوصات والاختبارات اللازمة لكل الأميركيين".

وجاءت الطامة الكبرى يوم 11 آذار حين أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا، وباء صحي. وعلى الفور، تم إغلاق المدارس وعشرات الآلاف من المصانع والمؤسسات، وخلال 24 ساعة وصل "السم" إلى "كعب أخيل" في الاقتصاد الأميركي المترنح أصلا، وسرعان ما انهارت أسواق المال الأميركية وسوق الأسهم، وهو ما سيهدد بإعادة انتخاب ترامب مرة ثانية. وهكذا، اضطر الرجل إلى إعلان حالة الطوارئ، وتخصيص 2.3 تريليون دولار للتعامل مع تداعيات الجائحة، داعيا الأميركيين "للبقاء مدة أسبوعين في منازلهم قائلا:-

  • لقد كنت دائما مدركا لمخاطر فيروس الكورونا منذ البداية!؟

وبعد أيام قليلة، تقدم 17 مليون أميركي ممن أصبحوا بين ليلة وضحاها بلا عمل، بطلبات للمساعدة، وهي أعلى نسبة بطالة وصلتها أميركا في تاريخها. وألقى ترامب باللوم على الصين، قائلا:-

  • "كنت أتمنى أن تبلغنا بكين مبكرا عما يحدث… كان يمكن الاستعداد بصورة أفضل".

وما إن بدأت تظهر أرقام مئات الآلاف من الإصابات، وعشرات الآلاف من الضحايا حتى اعتبر الرجل أن دول أوروبا الغربية هي مصدر الوباء، مصدرا أوامره، دون إعلام حلفائه، بمنع السفر من أوروبا إلى الولايات المتحدة وبالعكس!؟. وما هي إلا أيام حتى وقف الشرق والغرب مذهولا، حين غرد الرجل متفائلا بعودة الحياة إلى طبيعتها مع حلول أعياد الفصح في هذا العام التعيس!، داعيا المواطنين إلى الخروج في يوم الأحد للدعاء في الكنائس والصلاة، في الوقت التي خلت فيها ساحة الفاتيكان والكنائس والجوامع والمساجد والمعابد في الدنيا كلها من الدعاة والمصلين. 

وهكذا، أصبحت سياسة ترامب في محاربة الكورونا، سياسة عبثية، وسط استغراب الشعب الأميركي والعالم كله. ويعتقد الكثيرون من الأميركان والأوروبيين ومواطنين في العالم كله، أن الرئيس دونالد ترامب، تصرفَ بعقلية انتقامية منحرفة وباستهتار سياسي نادر، ذلك لأنه كان يعتقد أن بلاده بعيدة عن الوباء، لذلك فهو وطاقمه الإداري في البيت الأبيض يتحملون النصيب الأكبر من الإخفاق السياسي والأخلاقي والعلمي وربما الجنائي، في انتشار واتساع نطاق الوباء الكوروني. 

أما وقد شهد العالم كله الآن، على عبثية وخطورة السياسات الداخلية والخارجية للرئيس ترامب، على أميركا أولا، وعلى العالم كله ثانيا، التي لا تقل بتاتا عن خطورة الفيروس ذاته، فإننا نسأل قادة وشعوب العالم هذا السؤال:-

  • وبعد كل هذه الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الرئيس ترامب بحق شعبه، وبعد أن استطاعت حكومتنا الفلسطينية الذكية، بشح إمكانياتها المادية، تجنيبنا آلاف الضحايا في معركة الكورونا، التي كان ترامب سببا في انتصارها على شعبه، هل يمكن لنا، نحن الفلسطينيين اليوم، القبول "بصفقة القرن" التي شخبطها ترامب على ورقة أو على عدة أوراق، كما شخبطتها ابنة المطربة نانسي عجرم في أغنيتها الشهيرة "شخبط شخابيط لخبط لخابيط، مسك الألوان ورسم … "صفقة القرن"؟