الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

البيت المفضوح والعنف الأسري في فلسطين

2020-04-19 04:49:44 PM
البيت المفضوح والعنف الأسري في فلسطين
رولا سرحان

 

الفيديو الصوتي الملحقِ بنهاية هذا المقال، هو واحدٌ من حالاتٍ تسجيلية كثيرةٍ شقت صمت الخوفِ من كورونا إلى خوفٍ تدفق لي من كل زاويةٍ عبر هاتفي المحمول أو عبر جهاز الحاسوب، لأستشعر الأنفاس المتوسلة، وثقلَ الضعفِ على الضعيفِ والضعيفةِ، ووقعَ الإهانةِ على المهانِ والمُهانةِ.

إنه العنف الأسري، الذي لا يُغادرُ المرأة، لا في زمنِ الكورنا ولا قبلها، ولا إذ يأتيها رمضان شهر الشفاعةِ والرحمة، ولا حين يُبشّرُ التقويمُ بحلولِ العيدِ.

ستسمعونَ صوتَ صراخِ المرأةِ، الذي هو أعلى من صوتها الموصوفِ بالعورةِ في حال الوداعةِ الأسرية، والذي لا يكونُ هنا، سوى مجرد صوتٍ دون قيمة معيارية، مجرد صرخة عابرة، تمرُّ فقيرةً وحيدةً حتى تصلَ عتبةَ اليأس، دونَ أوصافٍ تخدِشُ مفردات الذكورة، ودون دلالاتٍ تفضحُ عورات النساء من أصواتهن. هنا يتم تحجيم الصراخِ/ الصوت، وإفراغه من مدلولاتِه الدينية وإرثهِ الاجتماعي، فيكونُ صوتاً في الفراغِ، كمنثور مع الهباء، لا حيز مكاني له رغم حُرمةِ المكانِ الذي يخرُجُ منه؛ "البيت". 

لكن البيتَ هنا، يُغيِّرُ وظيفتَه الاجتماعية، يتحولُ من بيت آمنٍ  إلى بيت عارٍ، بيتٍ مكشوفٍ، لا يُغطيهِ حجابُ المرأةِ ولا تسترُ جدرانهُ عوراتِ سُكانهِ. لا يعودُ البيتُ هنا  الحيِّزَ الحامي والمحمي، إذ تسقُطُ حصانته من انتهاك شرعية الحصانة الزوجية التي لا تعودُ علاقةً منيعة الحمى، لأن الخوف المتولد من العنفِ هو المتحكمُ بها.

هنا يُصبحُ البيتُ المعنفةُ امرأتُه بيتاً مفضوحاً، لأن أهله يُصبحونَ قابلينَ للتجسيد في المخيلةِ، قابلين للتذهن، وقابلين لأن يكونوا عبرة. والعبرةُ لا تأتي إلا من انفكاكِ الخصوصية إلى العمومية، وخروجها من الحيز المحرَّم المُقدَّس إلى الحيز المباحِ المُتداول. وهذه العبرةُ قد تُنتجُ واقعاً ممكناً، من قبيلِ إضفاء المشروعيةِ عبر وجودِ "سابقة"، ليُصبح فعلُ التقليدِ والمحاكاة، فعلاً مقبولاً يؤسس لشرعيته الاجتماعية من شرعية السوابق الماضية المؤسسة له.

ففلانٌ يضربُ فلانة، لأن فلاناً ضربَ ذات يومٍ  فلانة، وفلانةُ في كلتا الحالتين، هي امرأةٌ مضروبةٌ جسدياً أو معنفةٌ نفسياً لا تنتظرُ الضوء الأخضر لتخرُج مما هي فيه، لأن البيت المفضوح يصبحُ بيتها الأبدي، الذي لا تُجيزُ الأعراف والتقاليدُ الاجتماعيةُ لها الخروج منه إلا ميتةً، في تفضيلٍ لموتها على طلاقها، فالمرأةُ الميتة أرخصُ تكلفةً على الزوجِ المُعنِّف لها، وعلى عائلتها المتفرجة عليها وعلى النظام الاجتماعي الرافض لوجودها.

البيتُ المفضوحُ، يُصبحُ معبداً دائرياً للعنفِ المقدس والمبارك "شرعاً" و"قانونا"، "عرفاً" و"تقليداً"؛ لأنه انعكاسٌ لكل أدوات النظام الاجتماعي والسياسي؛ فالشرطةُ التي لم تتمكن من الحضور إلى المكان لأنه منطقة مصنفة "ج"، تُشبِهُ عائلة المرأة وجيرانها الذين لم يتمكنوا من التدخل أو لم يشاؤوا التدخل؛ ليتمكن العنف الأسري من إعادة إنتاج أدواته بكل يسر وسلاسة.

فكلُّ وعد بإدانةِ العنف ضد المرأة، تقليصهِ، ردعهِ، منعه، ظل واقفاً على عتبةِ الوعد غير المنجزِ المقصوفِ بين السياسي والاجتماعي وسلطة المقدس والديني، ليظل وعداً غريباً مبتوراً.