الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الجانب الاقتصادي في أزمة كورونا... ما بين المسؤولية والتخطيط والإمكانات المتاحة

بقلم: أسامة حرز الله

2020-04-20 08:18:36 AM
الجانب الاقتصادي في أزمة كورونا... ما بين المسؤولية والتخطيط والإمكانات المتاحة
أسامة حرز الله

بداية فإن ما أكتبه اليوم، ليس لتحميل أي طرف مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة حول آثار أزمة فيروس كورونا، فكل طرف لديه ما يقوله وما يمكن أن يتحمله جراء هذه الأزمة. 

إن هذه الأزمة حلولها الأساسية مالية، والحكومة لا تملك المال. لكن على الحكومة أن تشخص المشكلة وتحصر نتائجها وتجند كل وزاراتها ومؤسساتها وعلى رأسهم الجهاز المركزي للإحصاء للقيام بهذه المهمة، بحيث يتضح للحكومة حجم الضرر الكلي وحجم الضرر على كل منشأة وعلى كل مواطن، تمهيدا لتحديد الآليات المناسبة لمعالجة هذه الأضرار، ولا بد من الإشارة إلى أن المتضرر الأكبر ماليا هو الدولة فهي أول من يتحمل عبء الأثر الصحي والوقاية منه وما بينهما من توفير المستلزمات الوقائية والأجهزة الطبية… إلخ، وهي المتضرر أيضا من الضرر الواقع على المواطن والمشاريع الاقتصادية، حيث إن انخفاض أو انعدام دخلهم ينعكس على دخل الدولة بالنهاية، وما يجب أن نفهمه من هذا الكلام أن الحلول التي يجب أن تسعى لها الحكومة (ونحن نساندها) هي حلول إسناد وإنعاش القطاعات الاقتصادية الصغيرة والمتناهية الصغر، وبحسب الإحصاءات فإن عدد المنشآت في فلسطين حوالي 150 ألف منشأة وأكثر من 90% من هذه المنشآت تشغل من 1 - 4 عمال مثل المنجرة والمحددة والمشاغل والمحلات التجارية مثل البقالة والملابس والأحذية، ومكاتب الخدمات الهندسية والفنية.... الخ، وهؤلاء لن يستطيعوا التعافي والخروج من الأزمة دون دعم لرأس مالهم العامل وتغطية مصاريفهم التشغيلية وعلى رأسها أجور عمالهم.

وحسب واقع الحال؛ فإن الأزمة لم تنته ولا يمكن التنبؤ بموعد انتهائها، الأمر الذي يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل وضع الخطط الكاملة لتجاوز الأزمة، ولذلك كان الله في عون الحكومة وعلى رأسها رئيس الوزراء الذي يطل علينا في مؤتمرات صحفية ونتوقع منه امتلاك وتقديم الحلول والآليات الكاملة للخروج من الأزمة وتجاوز آثارها. وبرأيي فإن التخطيط أهم ما يجب توفره سواء على مستوى القطاع الخاص أو العام، ولكن أهم جهة يتوجب عليها تحضير خطط وسيناريوهات هي الحكومة، وذلك كجزء أساسي ودائم وليس بسبب أزمة فيروس كورونا بشكل خاص، وهذا ما يعاب على الحكومة السابقة التي ألغت وزارة التخطيط، وبالرغم من أن الحكومة الحالية أوجدت وحدة التخطيط في مجلس الوزراء إلا أنني أعتقد أن وجود جسم له أهمية ووزن كبير في الحكومة سواء وزارة تخطيط أو مجلس أعلى للتخطيط وإدارة الأزمات هو ركن أساسي في عملها بحيث يتولى هذا الجسم إلزام كل وزارة وهيئة ومؤسسة حكومية بوضع خطتها، ومن خلال هذه الخطط يتم إعداد الخطة المركزية للحكومة ويتم اعتمادها من رئيس الوزراء، ومن ثم تتم المراجعة الدورية للخطة المركزية والخطط الفرعية وتحديد الانحرافات ومحاسبة كل وزير أو مسؤول مؤسسة حكومية عن الانحرافات السلبية، وفي ظل الأزمة الحالية نلاحظ أن جميع القطاعات وبشكل خاص شركات القطاع الخاص تعود وتستند إلى خطط يفترض أن تكون قد وضعتها سابقا وفيها سيناريوهات مختلفة تتعلق بمستوى المخاطر التي قد تتعرض لها الجهة التي تعد الخطة وهذا ينطبق على الحكومة بكافة هيئاتها ومؤسساتها.

الضمان الاجتماعي

وجهت لي عدة أسئلة على مدار الشهر الماضي عن أهمية الضمان الاجتماعي في هذا النوع من الأزمات، وأقول إن مؤسسة الضمان الاجتماعي عادة ما تكون الرافعة المالية الأساسية للاقتصاد، وذلك كونها صاحبة القوة المالية (النقدية) أو المركز المالي الأقوى في أي دولة، وفي ظل الأزمات التي تتعرض لها الدول بين فترة وأخرى ومنها أزمة كورونا الحالية، يساهم الضمان الاجتماعي بتخفيف الأزمة إلى حد كبير ومما قد تقوم به مؤسسة الضمان على سبيل المثال لا الحصر:

  1. مساندة القطاع المتضرر الأكبر من الأزمة، وهو قطاع المشاريع الصغيرة، حيث يتدخل الضمان بالمساهمة أو المشاركة في هذه المشاريع المتضررة من خلال صندوق مخصص لهذه الغايات (منبثق عن صناديق الضمان) وبإدارة منفصلة عن مؤسسة الضمان ومن خلال هذه الشراكة يوفر الصندوق الأموال اللازمة للمشروع كرأس مال عامل لتغطية النفقات التشغيلية وأجور العمال، وبذلك يتمكن المشروع من التعافي والنهوض من جهة، ومن جهة أخرى يستمر العاملون بالإنفاق والذي يعتبر الأساس في استمرار عجلة الاقتصاد في الدولة والتي يستفيد منها كل أطراف الدورة الاقتصادية بدءا من محل بيع المواد الغذائية مرورا بتجارة الخدمات ومستحقي التزامات الكهرباء والماء… الخ، وهذا يؤدي أيضا كذلك إلى استمرار الدولة بالحفاظ على مستوى مقبول من إيراداتها من خلال تحصيل وجباية الرسوم والضرائب.

  2. توفر مؤسسة الضمان عادة عدة منافع، ومنها منفعة البطالة أو التعطل عن العمل، بحيث يستطيع العامل أو الموظف المتعطل عن العمل الحصول على راتب 3 أشهر بواقع 75% من الراتب الأخير الذي كان مشتركا به في الضمان وضمن شروط معينة في القانون، وبالتالي فإن ذلك أيضا يعزز نفس المبدأ ويحقق نفس الهدف وهو استمرار الإنفاق.

  3. تقدم مؤسسة الضمان الاجتماعي أيضا سُلفا للعاملين خصوصا أثناء تعطلهم عن العمل وبدون فوائد وذلك بضمان اشتراكاتهم أو مساهماتهم في الضمان وأيضا ضمن شروط معينة، وهذا أيضا يحقق الهدف الأساسي وهو استمرار الإنفاق للحصول على الاحتياجات من مختلف القطاعات.

  4. الاكتتاب في سندات حكومية قد تصدرها سلطة النقد (البنك المركزي) لصالح الحكومة التي أحيانا لا تستطيع اللجوء إلى البنوك للاقتراض المباشر، وبالتالي يمكن للبنوك والضمان والشركات الكبرى غير المتضررة مثل الاتصالات وغيرها الاكتتاب بهذه السندات وبالتالي توفير السيولة أو الأموال اللازمة للحكومة لمتابعة أو إدارة الأزمة.

المقصود بالنهاية أن المطلوب هو ضخ أموال بالسوق لتعود عجلة الاقتصاد وتدور، على الأقل إلى الحد الذي يبقي كافة الأطراف المتضررة قادرة على البقاء والاستمرار ونحافظ عليها من الانهيار. وكما أشرت فإن أهم بندين (مع عدم التقليل من أهمية بنود أخرى) للمحافظة على اقتصادنا: 

  • دفع رواتب وأجور القوى العاملة في كل القطاعات، الأمر الذي يؤدي إلى الاستمرار بالإنفاق وبالتالي إعادة توزيع الأموال لكافة القطاعات الخاصة والعامة. وكما ذكرنا فإن معظم العمال هم من يعملون في قطاعات صغيرة أو متناهية الصغر تضررت أو توقفت عن العمل، وبالتالي وعلى الأغلب توقفت رواتب العاملين فيها وبدون الدخول في تقدير وإحصاء دقيق لعدد العمال الذين فقدوا دخلهم خلال الأزمة فبالحد الأدنى يوجد ٢٥٠ ألف عامل متضرر، علما بأن الإحصاءات المتوفرة تشير إلى أن القوى العاملة في القطاع الخاص حوالي ٥٠٠ ألف عامل بدون العمال في إسرائيل.

  • ضخ سيولة للمشاريع الصغيرة المتضررة، وذلك على شكل رأس مال عامل لتتمكن هذه المشاريع من النهوض وتغطية نفقاتها التشغيلية ودفع أجور عمالها والمحافظة عليهم الأمر الذي يؤدي إلى نفس النتيجة وهي استمرار عجلة الاقتصاد بالدوران.

يبقى السؤال، كيف نوفر هذا الأموال المطلوبة لإنعاش الاقتصاد؟ وخصوصا أننا دولة بطبيعة الحال لديها عجز في موازنتها حوالي 1.5 مليار دولار، وذلك بدون الأخذ بالاعتبار متطلبات الرعاية والوقاية من فيروس كورونا وبدون الأخذ بالاعتبار انخفاض إن لم يكن توقف إيرادات الدولة جراء الأزمة الاقتصادية المترتبة عن هذا الفيروس.

لجأت بعض الدول إلى ضخ الأموال في السوق من خلال قيام البنوك المركزية بتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي الذي تلتزم البنوك العاملة بتحويله إلى البنك المركزي، ففي الأردن مثلا تم تخفيض نسبة الاحتياطي من 7% إلى 5% الأمر الذي أدى إلى توفير إمكانيات وسيولة لدى البنوك بحوالي ٦٠٠ مليون دولار لإعادة ضخها (إقراضها) للمشاريع التي تحتاج هذه السيولة كما أسلفنا. كذلك قامت بنوك مركزية بمنح قروض مباشرة للبنوك بدون فائدة على أن تقوم البنوك بإعادة إقراضها للمشاريع الصغيرة وبفائدة لا تتجاوز 2% كما لجأت بعض الدول التي لديها إمكانيات مالية إلى صرف بدل راتب (دخل) لكل مواطن ضمن محددات مثل أمريكا وكندا. 

كما يتم تشكيل صناديق خاصة تتلقى الدعم والمساندة من الجهات التي لم تتضرر بشكل كبير من الأزمة أو الجهات ذات القدرة على التحمل مثل صندوق وقفة عز في فلسطين وصندوق همة وطن في الأردن وهذه الصناديق عادة توجه إمكاناتها ومواردها المحدودة إلى العائلات الفقيرة وخصوصا الفقر الناتج عن توقف الدخل المحدود الذي كان يتوفر لأرباب الأسر ولا شك أنهم كثيرون، وإذا ما توفرت أموال إضافية بقيمة كبيرة لهذه الصناديق من جهات خارجية تقدم المنح والمساعدات للمساهمة في إنعاش الاقتصاد والحد من الآثار السلبية للأزمة؛ فلا بد من وضع نظام لحوكمة هذه الصناديق وتحديد أهدافها وإجراءات وآليات عملها وبالتعاون مع كافة جهات التخطيط والإحصاء ولجان حصر الأضرار بما يضمن إعادة ضخ هذه الأموال للمتضررين الحقيقيين وبالتالي تكون هذه الصناديق ساهمت بشكل فعلي بتخفيف آثار الأزمة وساندت الاقتصاد للتعافي والعودة للإنتاج.