ما يحدث في أرض الكنانة مصر، جدير بالتوقف طويلاً، ونحن هنا لسنا في معرض تأييد أو معارضة لطرف على حساب آخر، وإنما ما يدور من أحداث مؤسفة لا يمكن أن يخدم مصر، ولا يمكن أن يدّعي أحد أنه في صالح مستقبل مصر، ولنا فيما يجري من حروب أهلية وتفتيت واقتتال بين أبناء البلد الواحد في الإقليم خير دليل.
وبعيداً عن الحق الذي يحمل الكثير من الأوجه، فإن لمصر اليوم رئيساً وحكومة ونظاماً اتفقنا معه أو اختلفنا، هو نظام شرعي جاء نتاج انتخابات شرعية شارك فيها السواد الأعظم من شعب مصر، بعد مرحلة رفض واضح للنظام السابق من الشريحة الأوسع من الشعب، وعليه لا يستقيم أن تدعي جماعة الإخوان ومن يحالفها أن النظام، "نظام انقلابي" وجبت محاربته، فضلاً عن أدبيات التيار الديني التي تنادي بحرمة الخروج على الحاكم في تناقض واضح وجلي ما بين الأقوال والأفعال.
مصر في الأدبيات العربية، بلد جاء في كراس التاريخ، أنها أمُ الدنيا، مبتدأُ الكلامِ وخبرُهُ البليغ، وشمُ النوارسِ في مدى المقلِ، لو غفت، غفا العربُ في نصفِ كأسٍ فارغٍ.. في رسائلِ الريح للمطر.. هي سنديانُ الحلم العربي وماؤهُ الثقيل، حينما تُرشُ بالماء، لا يُعتقلُ الغبار وإنما تردُ الصاع، صاعين.
النيلُ فيها نبضُ حياةٍ لا مساومةً عليه.. قناتُها قطٌ أليفٌ إن أغلقتَ البابَ ضيقتَ الخناقَ حولَ عنقهِ، تمردَ ورفضَ البيع.. أهرامُها تُعاني شيزوفرينيا التوحد، كلما زارها راديكاليٌ ورجعيٌ اشتمتْ آثرَ التاريخِ وانغمست في الأرض أكثر.
بُرجُها، وقفَ على نحوٍ معقولٍ يرى الوجوهَ أكثرَ وضوحاً بعدَ موتْ.. المصريُ فيها شوهدَ يجابهُ الريحَ،
ليؤكدَ أن لا فراغَ هنا، وإنما فارسٌ أخيرٌ تمردَ رفضاً للموت.
هي مصر، صاحبةُ الحضور الفاعل، جُرحها وإن تعمق علت، كنخلةٍ صامدةٍ في وجهِ الريح.. هي مصرُ كاتبة الحكاية، حكايةُ العطاءِ والخير، حكايةُ الناس الطيبين في الأزقةِ الضيقة. حكايةُ الشمس التي تطبع قُبلتها على الجبين.
هي الأمُ التي يحتمي في أحضانها العربي من بردِ الأعداء، وسهامِ الرياح.. هي الغدُ المنتظر وإن لم تكتمل شروطه الإلهية.. مفردةُ الوجودِ على الأرض وإن انكسر القلم وتعثرت خطانا في حلم بلا ليل.. حارسة الفكرة التي تصحو في اليوم مرتين.