تعرض اقتصاد العالم لضربةٍ موجعة لم تكن بالحسبان، بفعل تداعيات تفشي فيروس كورونا (كوفيد-١٩)، وفلسطين حالها حال سائر الدول، لم يسلم اقتصادها من تأثير الأزمة، تسعى السلطة الوطنية الفلسطينية جاهدة، للحفاظ على اقتصادها من الانهيار، وللنهوض بالاقتصاد يتعين على كافة القطاعات الوقوف بجانب السلطة في محنتها، اذ تستعين السلطة حاليا بخبرات ممثلي القطاع الخاص، وتلبيةً للواجب الوطني قمت بإعداد خطة لانعاش الاقتصاد الفلسطيني، حازت على اهتمام الحكومة، ويتم تباحثها في مؤسسات تنموية دولية لتطبيقها في دول نامية أخرى.
تعد فلسطين الأكثر معاناة اقتصاديًا من جائحة كورونا (كوفيد-19) بين دول العالم، كون اقتصادها هشًّا، ولا تملك عملة ولا موارد طبيعية، وتعاني حكومتها من ضائقة مالية مستمرة سببها الاحتلال. ولا يمكن تحميل الحكومة الفلسطينية المسؤولية الكاملة لإنقاذ الوضع الاقتصادي، كما لا يمكن الاتكال على الدول والمؤسسات المانحة كونها تعاني من الأزمة كذلك، ولا أن نثقل على القطاع الخاص أكثر من طاقته، لا سيما أنه الأكثر تضررًا من الأزمة؛ لذلك صُممت الخطة بطريقة يتوزع فيها حمل إنعاش الاقتصاد على القطاعات الثلاثة سابقة الذكر لتوحّد إمكانيّاتها.
تعاني الفئات المهمشة وعمال المياومة والأسر الفقيرة الأمرين في هذه المحنة، وتبذل الحكومة أقصى جهدها لدعم هذه الفئة بالتعاون مع أهل الخير والمقتدرين. ولتجنب توسع دائرة الفقر، يجب العمل على حماية الفئة العاملة. إن الدول في العالم والإقليم تصب تركيزها على المنشآت والمشاريع متناهية الصغر والصغيرة ومتوسطة الحجم، كونها تشكل أكثر من 90% من المنشآت الاقتصادية. ويعود الهلع العالمي لدعم هذه المنشآت إلى عدم قدرتها على الاستمرار في ظل ظروف الإغلاق، وإن صمدت فالركود الاقتصادي المقبل كفيل بشل حركتها، مما يضطر أصحاب هذه المنشآت إلى تسريح عامليهم، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الفقر والضرر، وتدهور الاقتصاد بحدة أكبر. لذلك، أصدرت مختلف دول العالم حزم تمويل لإنقاذ هذه المنشآت والعاملين فيها من الكارثة.
الدول العظمى وبعض الدول النامية باشرت بإصدار برامج لدعم هذه المنشآت. فعلى سبيل المثال، أصدرت الولايات المتحدة حزمًا بقيمة 349 مليار دولار على شكل قروض ميسرة بفائدة 1%، بشرط استخدام 75% منها لاستمرار دفع الرواتب. وأصدر البنك المركزي الأردني برنامجًا أوليًا لتمويل هذه المنشآت بقيمة 500 مليون دينار. أما الحكومة الفلسطينية، فتحاول بكل إمكانياتها المحدودة، وسيكون من الصعب عليها إصدار برامج مثيلة نظرًا لقلة الموارد المالية، لذلك لا يمكننا نمذجة برامج الاستجابة والتعافي الأخرى، فلكل بلد خصوصيته.
التعافي الاقتصادي لن يكون على منحنى حرف (V)، بل على منحنى يشبه العلامة التجارية نايكي (✓)، إذ من المتوقع أن يأخذ الاقتصاد فترة طويلة ليعيد استقراره وينمو. لذا، يجب أن تتضمن الخطة، إنعاش المنشآت مع فترة تأجيل للالتزامات لتتمكن من العودة لما كانت عليه قبل الأزمة. ولقد أطلق على الخطة اسم "صندوق إسعاف الاقتصاد الفلسطيني"، وتم تصميمها على شكل صندوق استثماري تنموي يعمل على مدار السنوات الخمس المقبلة.
صندوق إسعاف الاقتصاد الفلسطيني
إن صندوق إسعاف الاقتصاد الفلسطيني هو نموذج ثلاثي المحاور، يجمع بين ضخ رأس مال إضافي، و منح وقروض يقدمها الصندوق للشركات الفلسطينية الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تشغل 66.2% من القوى العاملة في فلسطين.
كما أن تعدد المصادر وتنويع الأدوات المالية هو أفضل وسيلة لتخفيض المخاطر على البنوك والمستثمرين، فالتمويل في هذه المرحلة يعدّ عالي المخاطرة. أما توزيع المخاطر فسيحفزها للإسراع في تنفيذ خطة الإنعاش المقترحة لمساعدة الشركات على تغطية فواتير أجورها، حتى لا تضطر إلى تسريح الموظفين، ونتدارك بذلك خسارة عشرات آلاف الوظائف، ونتجنب ضررًا اقتصاديًا واجتماعيًا غير مسبوق.
تشكيل الصندوق لا يعني حشد رأس المال في حساب واحد تحت إدارة واحدة كالمعتاد، فقد لا يتفق عليها كل الأطراف، فيمكن لكل الجهات ذات العلاقة المشاركة ومتابعة صرف تمويلاتها ضمن إطار تنظيمي موحد صممناه بعناية لهذا الصندوق. فالدولة والمؤسسات التنموية يصب اهتمامها في الأثر الاقتصادي والاجتماعي، أي أهم مخرجات الصندوق بالنسبة إليها عدد الوظائف التي تتم حمايتها، والحفاظ على سلاسل الإنتاج من التعطل. أما البنوك فتركز على قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها وسداد القروض، في حين يهتم المستثمرون بديمومة هذه الشركات، وقدرتها على التعافي، ومن ثم النمو لتحقيق الربح، ليستطيعوا بعد ذلك بيع حصصهم لصاحب المنشأة بعد خمس سنوات حسب تصميم الصندوق.
إن وجود مستثمر جديد وممول مصرفي يهتمان بإعادة تشغيل الشركات يعطي المانحين الطمأنينة أن تمويلاتهم ستحقق النتائج المطلوبة، وهي الحفاظ على الموظفين المعرضين للبطالة. كما أن ضخ نسبة كبيرة من التمويل المطلوب نقدًا من مصادر أخرى يعطي البنوك راحة في الإقراض، حيث زادت نسبة حقوق المساهمين للديون في الشركات، وانخفض مبلغ القرض المطلوب، وبالتالي زادت قدرة الشركات على السداد خاصة مع التذبذب المتوقع لتدفقاتها النقدية. أما بالنسبة إلى المستثمرين، فتعدّ المنح حزمة تعويض خسائر في الشركات التي أصبحوا شركاء فيها، في حين تدعم القروض الميسرة محفظتهم الاستثمارية بالمثل. والأهم من ذلك، أن المستثمرين عادة ينفقون الوقت والمال على العناية الواجبة للتأكد من صحة بيانات الشركات ومصداقية أصحابها، وذلك أصبح متاحًا من خلال دوائر تقييم مخاطر الائتمان في البنوك الشريكة.
هذه الخطة المعدة تعتبر متكاملة تشمل آلية عمل الصندوق خلال السنوات الخمس، ومعايير تقييم الشركات المستفيدة، والقطاعات المستهدفة، والهيكل التنظيمي للصندوق، وجاري العمل على أدوات التنفيذ ومواءمتها مع الشريعة الإسلامية.
ويعتمد حجم الصندوق على نسبة مشاركة الجهات المعنية، وتحديدًا الجهات المانحة، وربط الأثر الاقتصادي لهذه الخطة بحجم مبدئي 100 مليون دولار للصندوق كونه إحدى المبادرات ضمن البرامج العديدة التي تعمل عليها الحكومة.
إن هذه الخطة تهدف إلى حماية 20 ألف وظيفة مباشرة، بواقع ضخ حزمة مالية 5000 دولار لكل وظيفة تحافظ عليها المنشأة. واستنادًا إلى دراسة البنك الإسلامي للتنمية، فكل وظيفة مباشرة تحمي 4 وظائف غير مباشرة أخرى، وبالتالي حماية 100 ألف وظيفة. وبمعدل رواتب 500 دولار في القطاع الخاص الفلسطيني، تتوقع هذه الخطة ضمان تدفق 600 مليون دولار من الرواتب على مدار عام. وتكمن أهمية تلك الرواتب لذوي الدخل المحدود في أنها تصرف على احتياجاتهم المعيشية، وذلك يدفع بعجلة الاقتصاد ككل، فضلًا عن أن قيمة الشركات المستفيدة من البرنامج تتعدى 300 مليون دولار، وهي معرضة للإفلاس ما لم يتم انعاشها. فتلك الخطة تعكس أثرًا تنمويًا على الاقتصاد يتجاوز 10 أضعاف حجم الصندوق.
وفي الختام، أود الإشادة بجهود الحكومة الفلسطينية، وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء د. محمد اشتية الذي اطلع على ملخص المبادرة، وأدرجها للنقاش تحت إطار وزارة الاقتصاد الوطني مشكورين على جهودهم.