الحدث- محمد مصطفى
استطاعت مجموعة من الشباب والفتيات تحويل بقايا وأنقاض منازل ومباني مدمرة إلى تحف فنية نابضة بالحياة، تروي حكايات وذكريات، لسكان تلك المنازل، اللذين إما قضوا نحبهم، أو أضحوا مهجرين.
فيوميا ينطلق الشبان إلى المناطق التي تعرضت للقصف والتجريف، ويقصدون منازل دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية، ليستمعوا إلى حكايات ومآسي أصحابها، ومن ثم يأخذون معهم بعضاً من بقايا تلك المنازل، من ألواح اسبستون، أو قطع خشبية، أو ألواح صفيح، لنقلها إلى ورشة الرسم المتواضعة التي يعملون بها.
لوحات فنية
وما إن عادت من منطقة خزاعة المدمرة شرق مدينة خان يونس، حتى أمسكت الفنانة التشكيلية غدير أبو روك "20 عام"، بفرشاتها ووضعت الألوان إلى جانبها، وبدأت تحول ما جمعته في رأسها من قصص وحكايات، إلى رسومات نابضة، إحداها تروي حكاية أب فقد أبنائه، وأخرى مأساة عائلة رحلت بأكملها، وثالثة معاناة أسرة فقدت منزلها، وباتت مهجرة لا مأوى لها.
وإلى جانب أبو روك، كانت زميلتها ليزا ماضي، تتفنن في مزج الألوان، للحصول على لوحة فنية تنبض بالحياة، بدأت برسمها على قطعة خشبية، أخذتها من أنقاض بيت مدمر.
ماضي بدت متأثرة بما سمعته من حكايات مأساوية، خلال زيارتها لمناطق مدمرة، أكدت أن ما تقوم به وزملائها، هو محاولة جديدة للفت الانتباه لمأساة غزة، ولتخليد ذكرى العائلات المنكوبة بطريقة فنية.
وأشارت ماضي إلى أنها وزملائها تمكنوا حتى الآن من تحويل عشرات القصص إلى لوحات فنية، ونجحوا في تجسيد مآسي وفجائع، ربما تعجز الصورة والقلم عن وصفها.
إحياء مأساة
أما الشاب عمرو النبريص، فأكد أن نشاطه وزملائه تخطى حدود الرسم على أنقاض المنازل المدمرة، إذ لفت انتباههم "كرفانات خزاعة"، التي تحولت إلى مقار إيواء للنازحين، فلونها الأبيض، والذي يصنف في الفن التشكيلي على أنه لون ميت، يسهم في طمس المعاناة، ويزيد حياة ساكنيها بؤساً فوق بؤسهم، لذا كانت الفكرة بإدخال الحياة لتلك الكرفانات، عبر تغيير ألوانها، وهذا كان له هدفين، الأول إدخال نوع من البهجة والأمل على ساكنيها، والثاني وهو الأهم، المساهمة في لفت الانتباه، لمعاناة الأسر المهجرة، وجذب الأنظار للمعاناة التي يعيشونها.
وأكد النبريص، أن الألوان التي اختيرت بعناية فائقة، حولت الكرفانات الصامتة، إلى لوحات فنية نابضة، ومفعمة بالحياة.
مبادرات شبابية
أما حازم الزمر، فأكد أن ما يقوم به وزملائه جزء من مبادرات شبابية تحت عنوان "مية همة ولمة"، وتنفذ بدعم من هيئة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة "يونسيف"، وبتنفيذ مؤسسة "تامر"، مبيناً أن مبادرتهم في الرسم كانت تحت اسم "ذكريات".
وأشار إلى أن هدفهم الأساسي هو تحويل ذكريات دمرها الاحتلال إلى لوحات، كي لا تنسى، وتبقى شاهداً على جرائم ارتكبت بحق الإنسانية، ويحاول هو زملائه إعادة إحياء تلك الذكريات بريشتهم وألوانهم.
ولفت إلى أنه من المقرر أن يقام معرض فني يضم كل التحف واللوحات الفنية التي تم رسمها خلال الفترة الماضية، لعرضها أمام الزوار، ومن ثم ستهدى تلك اللوحات إلى العائلات المنكوبة، لتحتفظ كل عائلة بذكرياتها مرسومة.
وأكد الزمر وزملائه، أنهم يعتبرون الريشة والألوان نوع من النضال، كما القلم والبندقية، فلوحاتهم تستطيع لفت الانتباه لمعاناة متجددة، وتفضح جرائم ارتكبت بحق الإنسانية، وتبقى شاهدة على حقبة تاريخية لن تنسى أبدا.