الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مستورة والحمد لله| بقلم: عبد الله لحلوح

2020-04-24 11:14:35 AM
مستورة والحمد لله| بقلم: عبد الله لحلوح
عبد الله لحلوح

 

في هذه الأيام التي تكتسي بِحُلَلِ المِحَن والمِنَح، حيث الجائحةُ الوبائية، وما يترتبُ عليها من تبعاتٍ اقتصاديةٍ خطيرة، إذ فقدت عائلاتٌ كثيرةٌ مصادرَ دخلها التي لم تكن سيَّالةً أصلًا قبل الجائحة، ومع حلول شهر رمضان المبارك، وما يتطلبُه الطقسُ الإيمانيُّ من حالةٍ من التكافل والتراحم، تجدُ بعض الجمعياتِ طريقَها نحو العائلات المستورة، وكذلك فإنَّ بعضَ المحسنين ينشطون في هذه الأوقات من كلِّ عام، وتمتدُّ الأيدي البيض إلى الأفواهِ الجائعة، وهناك من يعملُ في الخفاء، فينفقُ كلُّ ذي سَعةٍ من سعته دون منٍّ ولا أذى، ولكن للأسف الشديد، فإنَّ منهم سواءٌ على الصعيد الفردي أو الجماعي، مَن يجدها فرصةً لالتقاطِ الصور، والنشر عبر الصفحات المختلفة، فتتَّسِخُ عطاياهُ، ويتلوَّثُ مبتغاه، وهو يمارسُ نوعًا من الصدقةِ الملوَّنةِ بالرياء والنفاق وفرد العضلات، وهناك مِنَ المستحقين واللامستحقين مَن يقبلونَ أن يكونوا مادةً إعلاميةً لهذه الجهة أو تلك، تجلدُ أرواحَ المُعوِزينَ منهم سياط الحاجة، وتذبحهم سيوفُ الفاقة، أما اللامُعوِزون المُستعطون، فإنهم لا تُحرِّكُهم شهوةُ العزةِ بقدر ما تستثيرهم شهوة اللقَم، فلا يؤثرون على أنفسهم، وليس فيهم خصاصة، ولكنهم يتهاوون أمام الطرودِ والظروف، ويركبونَ ظهرَ الظروف، فيتباكون ويستميتون في الدفاع عن حقوقهم من أموال الأغنياء، فَهُم يرون أنَّ المال مالُ الله، والأغنياء وُكلاء الله في عياله الفقراء، وإن بخل الوكلاء على العيال، أذاقهم الله شرَّ الوبال.

وبالنظر إلى الصورة الأخرى، فإنَّ هناك من المُتَعَفِّفين الذين لا يسألون الناسَ إلحافا، ويشدُّون على بطونِهم، دون أن يُريقوا ماء الوجه أمام سطوةِ المتبرِّعِ السخيِّ وكاميراتِ المراقبة التي تتتَبَّعُ الحركاتِ والسكنات، وتركزُ على كلِّ مجازٍ وحقيقة، وعلى كلِّ استعارة واستثارة. هؤلاء الناس الذين لا يجدون ما يحملونَ أبناءَهم عليه، وما يقيمُ أَوَدَهم من لقيماتٍ لا قيمةَ لها عند الميسورين، تجدهم يحتفظون بوعيِ العزةِ، ووحيِ الكرامة، وقد رأيتُ فيما رأيتُ من هذه الحوادث ما يمكن أن يُدَرَّسَ في الصبرِ وعزة النفس والكرامة الإنسانية، وسمعتُ ما يمكنُ أن يكونَ نشيدًا يُرتَّلُ آناءَ الحوادث والكروب، وأطرافَ الجوائح والخطوب. فأحدُ أولئك الذين منَّ الله عليهم بنَفَسٍ شريف، ونَفْسٍ عزيزة، وقد أقعَدَتْهُ الظروفُ عن توفير أدنى متطلبات الحياة، وهو أبٌ معيلٌ لأطفالٍ بعضُهم ابتلاهُ الله بمرضٍ مزمن، فباتَ الأبُ مكشوفًا مهمومًا، لكنَّ همَّةَ نفسِهِ كانت أكبرَ من أن يمدَّ يده، أو أن يأكلَ بماء وجهه، وكان لسانُه لاهجًا بعد كلِّ سؤال عن حالته: "مستورة والحمد لله".

هؤلاء الناس، هم الذين يجب أن تتوجَّه لهم قلوبُنا لا عدساتُنا المقعَّرة والمقعورة والمسعورة، وهؤلاء هم الذين يجبُ أن نطوفَ حول بيوتهم، لأنَّ نفوسَهم أبَتِ الخنوع، ووواجهت الفقر والجوع، فعرَفت أنَّ الجوع جوع الجسد لا جوع النفس" وإذا كانت النفوسُ كبارًا  تعبت في مرادها الأجسامُ" وهذه النفوس الكبيرةُ الحرةُ، هي النفوسُ التي إنِ استصرخْتَها تُلبِّ الصريخ، ولا تقعُدُ على أعقابها وأذنابها، ولا تُغلقُ الهاتِفَ في وجه السائل، ولا تتجاهل الرسائلَ التي تعمي البصيرة لا البصر، كما يتجاهلها بعضُ الذين امتحنهم الله بالمال، وابتلاهم بالبخل، فسقطوا في الاختبار، ولم تكُن العلياءُ همَّةَ أحدهم، فلم يلاقوا فيها سوى الصَّغارِ والشَّنار.

الحالةُ مستورة والحمد لله. هذا نَغَمٌ جميل، ولحنٌ أصيل، وروحٌ أهلُها أقعدتهم الظروف، ولكنَّها لم تُقْعِدْ فيهم العزة، ولا الهمَّة العالية. هؤلاء الناس ستَرَهم الله في الدنيا والآخرة، فلا ضرورةَ لفضحِهم في الدنيا، وتركهم فرائسَ لغوائلِ الفاقات، وعوادي الزمن.