"طالما لا يزال لديّ شيء من الصحة والقوة سأبقى أعمل كل يوم" فريدريك شوبان.
ولكن ماذا لو جاء فيروس يهدد صحتك ويسلب قوتك ويوقف عملك؟ باختصار يشل حياتك.
لا بد وأن فيروس كورونا الذي شن حربا على الكرة الأرضية بأكملها، قد خلف وما زال يخلف ضحايا، مثله مثل أي حرب؛ فلم تكن آثاره تقتصر على الجوانب الصحية فقط؛ وإنما اقتصادية ونفسية واجتماعية ومادية.
صحيح أن هناك تفاوتا بين الناس من حيث الضرر الذي تسببت به فيروس كورونا، ولكن الجميع قد ألم به الضرر من ناحية ما.
ولا بد أن هذا الفيروس قد ضرب الاقتصاد العالمي بشكل عام والمحلي بشكل خاص، فالكثير من المحلات أغلقت، وتعطلت الأعمال، ولجأ الناس للالتزام في بيوتهم لمنع نقل العدوى لهم ولمن حولهم، فماذا حل بهم؟ من أين يأكلون ويشربون؟ وكيف يؤمنون مستلزماتهم الضرورية؟
الكثير من الناس يؤمنون بمقولة "خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود" وتطبقه ما أن تسنح لهم الفرصة بالادخار لمثل هذه الأوضاع التي فرضت علينا؛ إلا أن هناك الكثير ممن لا تسمح لهم الحياة بظروفها لتطبيق هذه المقولة، فللأسف هناك من يعتمد على عمله بشكل يومي لتأمين قوت يومه وقوت أطفاله. أجبرت الإجراءات المتخذة لمحاربة هذا الفيروس على إغلاق ما يزيد عن ١٠٠ ألف منشأة عن العمل من أصل ١٤٢,٤٠٠ منشأة تعمل في فلسطين، وإغلاق الطرق أمام العمال في المستوطنات ومناطق الداخل المحتل ما أدى إلى توقف الرواتب عن الكثير من الناس، وخصوصا العمال الفلسطينيين الذين يعملون داخل الخط الأخضر ويزيد عددهم عن المئة ألف عامل، و ليس لديهم دخل آخر غير عمل يومهم؛ فأصبح دخلهم يساوي صفر منذ بداية هذه الإجراءات. ومن ناحية أخرى فإن العاملين في المؤسسات الخاصة والذين تبلغ نسبتهم ما يقارب ٦٦٪ من إجمالي العاملين في فلسطين والتي توصلت وزارة العمل لمنحهم الحق في الحصول على ٥٠٪ كحد أدنى من راتبهم الشهري لشهري اذار ونيسان، ومع استمرار الإغلاق والتعطيل فربما تزيد الأمور سوءا يوماً ما ليصل دخلهم إلى صفر مع إفلاس صاحب المؤسسة. باختصار إن كورونا ترفع نسبة الفقر في فلسطين.
لا سيما وأن الخير مزروع فينا، فعند الشدائد تجد دائما من يمد يده للمساعدة، فهناك الأفراد والمؤسسات وأيضا الحكومة ممن يخصصون مبالغ مالية لمساعدة الأسر المتعففة والمحتاجة والمتضررة بشكل أساسي من هذه الجائحة بطريقته الخاصة، عن طريق طرود تحوي مواد تموينية، أو مبالغ بسيطة. إلا أن هناك ما هو أكبر من ذلك، فهناك الشخص الذي لديه ديون، وأقساط جامعية، وفواتير تتراكم عليه، ومن لديه طفل مريض يحتاج الكثير من الأدوية التي يلزم شراؤها، ومن يطلب طفله منه بعض أنواع المأكولات ولكنه غير قادر على شرائها في ظل هذه الظروف. فالوضع المادي للكثير من الشعب الفلسطيني مأساوي في أغلب الأوقات الطبيعية الخالية من الكوارث، فماذا لو كانت معه كارثة تدعى كورونا؟ ولا ننسى تلك الأسر المتعففة والتي لا تطلب المساعدة ولا تلجأ لأحد، خجلا من عزة نفسها، فتكتفي بالدعاء، ولربما تستغل وحدتها في البكاء.
نستيقظ كل يوم لنغني للأمل والتفاؤل. ولكن في حال استمرت هذه الأوضاع وهذا الحال، فماذا سيكون مصير العمال الذين أضحى دخلهم صفراً؟ وهل سيتم اتخاذ إجراءات أكثر حرصا على تأمين حياة كريمة يحصلون فيها على كل ما يلزمهم بالتزامن مع إجبارهم على التزام بيوتهم بالرغم من حرصهم على أشغالهم؟ هل ستتحمل الشؤون الاجتماعية الفلسطينية مسؤولية المزيد من العائلات التي أصبحت تصنف تحت خانة الفقراء الجدد؟ هل ستتخذ وزارة العمل الفلسطينية خطوة بحق هؤلاء العمال وتطالب الحكومة الإسرائيلية بدفع مستحقاتهم وفق قانون وزارة العمل الإسرائيلية؟ هل تستطيع الحكومة أن تتبع الحكومات الاسرائيلية أو الأمريكية في فرض مبلغ محدد لكل فرد يلزم بيته لمواجهة فيروس الكورونا مع أقل الخسائر المادية والنفسية على الفرد؟ أم أننا سنكتفي بمقولة الأجر على الله فقط؟ لا بد وأن سبحانه الكافي والمنقذ دائماً؛ ولكنه أمرنا أن نعقل ومن ثم نتوكل.
لكل رواية درس مستفاد، ولكل حرب ضحايا كالمعتاد، و لربما تصبح هذه في المستقبل إحدى قصص الأجداد، ويبقى مع كل جائحة دعاء يسمعه رب العباد.