عندما نقول إن الوضع الفلسطيني يمر بأسوأ حالاته منذ بداية النكبة وإلى أجل غير مسمى؛ فذلك بفعل نظرة موضوعية على كيفية معالجة الطبقة السياسية للتحديات المتراكمة سياسيا واقتصاديا وداخليا.
سياسيا... تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية بتناسب مع ابتعاد فرص التسوية، ونخطئ لو اعتقدنا أن كل الذين يؤيدوننا في العالم، يواصلون تأييدهم في حال انسداد أفق الحل السياسي الذي دعمنا العالم من أجل إنجاحه، وها نحن نلاحظ أن الدعم الدولي الذي حظينا به في مرحلة أوسلو ينحسر إلى الحد الأدنى.. مجرد تصريحات داعمة لحل الدولتين الذي انتهى مع التنقيط في الحلق ماليا كدعم خيري لا يسمن ولا يغني من جوع، والتراجع في الدعم السياسي لا يقتصر على دول العالم بل زحف على الدول العربية التي كانت ملاذا لنا ولحقوقنا وها هي تدير ظهرها مقتدية بالدول التي تدعم بالبيانات كتسجيل موقف ليس إلا.
الذي حدث على هذا الصعيد، ليس فقط بفعل انسداد آفاق مشروع السلام الذي كان في حقيقته مشروعا دوليا، وإنما بفعل الانشغالات الجديدة التي فرضت نفسها على الجميع، فكنا الأكثر تأثرا بفعل أن ظهرا مكشوف من كل النواحي، ولم نوفر إمكانيات ذاتية نلوذ بها في حالة من هذا النوع، وعلينا أن لا نكنّ النوايا الحسنة وافتراض أن خصومنا سيترددون في الإفادة من هذا الوضع، فمنح الأمريكيون ثلاثين بالمائة من أرضنا للإسرائيليين، بما يضمن سيطرة إسرائيلية طويلة الأمد على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدراته، وهنا وما دام الأمر سيئا إلى هذا الحد؛ يتعين علينا أن ندقق في سياستنا الوطنية تجاه ما يحدث خصوصا وأن الفلسطينيين شركاء في إلحاق الأذى بقضيتهم، وهل هنالك ما هو أفدح أثرا تدميريا من الانقسام، الذي تحول بكل المقاييس إلى انفصال، إن العالم الذي نلوذ به غالبا لحمايتنا وحماية أرضنا من الإلحاق والضم الإسرائيلي يرى بأم العين كيف أننا منقسمون إلى هذا الحد ومبددون للأرصدة التي وفرناها بشق الأنفس وبالتضحيات وكأنها لم تكن، ألا ندرك مغزى أن تفاوض حماس كما لو أنها دولة مستقلة على شروط التهدئة وتبادل الأسرى وعلى أمور أخرى نعرفها لا نعرفها، صحيح أن عددا من سجنائنا سوف يرون النور وهذا عزيز على قلبنا، ولكن هل تم ذلك من خلال مؤسسة وطنية موحدة تسجل رصيدا محترما للقضية الفلسطينية.
إن هنالك يقينا لا يتزعزع بأن صفقة القرن كما يعلن واضعوها هي من أجل تصفية القضية الفلسطينية من خلال حل شكلي وملفق، والتلويح بدولة اسمية لا مضمون لها، وحين ترى الطبقة الفلسطينية ذلك ويظل الانقسام ويتطور إلى انفصال فهل هنالك من هدية تقدم للصفقة البغيضة أفضل وأثمن من هذه الهدية.
ليلة الأول من رمضان، اتصل إسماعيل هنية بالرئيس محمود عباس مهنئا بالشهر الفضيل وقبل ذلك اتصل السيد خالد مشعل بالرئيس عباس معزيا بوفاة الطيب عبد الرحيم.
شكرا للمجاملات ولكن هل هذا ما هو مطلوب ونحن نواجه خطر تصفية القضية الفلسطينية؟
حين عرض نتنياهو وترامب صفقة القرن وخرائطها من البيت الأبيض، قال الناس غدا سينتهي الانقسام أمام هذا الخطر المحدق، ومضت الأيام والشهور والوضع على حاله وجاء كورونا بكل ما يحمله من مضاعفات صحية واقتصادية وحتى سياسية ولم نحرك ساكنا باتجاه إنهاء الانقسام واستعادة وحدة الوطن والشعب .
كنا بحاجة إلى إنهاء الانقسام من أول يوم ابتلينا به، وها نحن نواجه أفدح الأخطار دون أن يتحرك أي ساكن على هذا الصعيد، فلماذا يجري الإهمال إلى هذا الحد ولماذا يتواصل الانقسام بوتيرة تواصل التآمر على الشعب الفلسطيني وحقوقه، سؤال يتعين على الطبقة السياسية الفلسطينية بمختلف ألوانها ومسمياتها أن تجيب عنه ولن يقبل الناس منهم سوى.. انتهى الانقسام قولا وعملا.