الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

Casio F-91W/ بقلم: نجوان عودة

2020-04-27 02:48:50 PM
Casio F-91W/ بقلم: نجوان عودة
نجوى عودة

 

سعرها 71 شيكلاً للأسير، بينما سعرها بالسوق ٢٥ شيكلاً فقط، لكن لم يكن السعر مهماً مقابل قيمة وجودها.. لم تفارقني يومياً، كان وما زال المنبه بها يعلو صوته الساعة ٤:٣٠ فجراً من كل يوم، كان موعداً للقاءٍ ربّاني هادئٍ خاشعٍ.. حدّثت الله كثيراً في هذا الوقت، سألته لمَ يفعل بي هذا وهو يعلم نقائي؟ سألته إن كان هذا عقابٌ لي في الدنيا أم اختبار صعب ؟ طلبت منه أن يُظهر لي أعدائي من أعوان الإحتلال، فلا قوّة للإحتلال لولا أعوانه والمستفيدين منه.. في كل الأحوال كان الحديث ينتهي بركعتين لصلاة الفجر تُبرّد قلبي قليلاً من نار حقدي التي لم تنطفئ بعد..

كنت أعود إلى البُرش الذي كنت أسميه مكتبتي في هذا الوقت، ساعة من القراءة في رواية "قواعد العشق الأربعون"، أسافر بها مع شمس الدين التبريزي وأستمع لحكاوي حارات العراق وحوانيتها، أنهيها بأذكار الصباح فهي جميلة وتبعث الهدوء للنفس.. دقائق حتى تُذكرني الكاسيو بموعد النشرة الإخبارية الصباحية على إذاعة صوت إسرائيل بالعربية، تمام ألـ ٦:٠٠ صباحاً، كانت هذه أكثر النشرات الإخبارية دقة وزخم معلوماتي، كنت أحياناً أحمل الدفتر والقلم لأدوّن ما أسمعه من أخبار، وأكرّر الأمر كل يوم، وأربط الأخبار ببعضها، وأحلّلها، وأخرج بنتائج لا تُرضي الأسيرات غالباً، لا سيما تحليلي أن الأخبار حول صفقة تبادل للأسرى قريبة هي فرقعات إعلامية وألعاب سياسية ومصالح إقتصادية، لن تتحقق الصفقة ما لم تتحقق المصالح، كان هذا بالعام ٢٠١٦، وها نحن اليوم بالعام ٢٠٢٠ ما زلنا نتحدّث عن ذات الصفقة لكن بجرعة أكبر من الأمل..

٦:١٧ صباحاً.. أبواب تُفتح وأقدام تضرب الأرض وأصوات تعلو.. عدد عدد،، يلاااا بنووت عددد.. كان هذا نداء إحدى السجانات، الصوت البشع الذي يقض مضاجع الأسيرات ويسرق أحلامهن وكوابيسهن على حدٍ سواء، ينهضن وعلى عُجالة يلبسن طقم الصلاة الذي أسميته "الزّي الرسمي للأسيرات" لكثرة استخدامه، يتمسمرن كلّ واحدة وقوفاً كالأشجار أمام برشها، ممنوع الجلوس، ممنوع الميلان، ممنوع الإتكاء على حافة البرش، ممنوع الكلام، ممنوع السلام، ممنوع الصباح، ممنوع النظرات الغريبة، فنحن الآن مُجرّد عدد، يخاف السجانون أن ينقص.. خرجت الكتيبة كلّها وأعيد قفل الأبواب..

حان وقت النوم، ليس طويلاً، انه حتى ألـ ٧:٠٠ فقط، وقت "السوراغيم"، هذه المرّة السلاح مطرقة كبيرة يُدَقُ بها على النوافذ والجدران والأرض والخزائن والأبراش، يتأكدون أننا لم نُخفِ شيئاً داخل الجدران، ولم نخلع الشِّباك عن ما تسمى النّوافذ، ولم نخلع البلاط المؤدي للمجاري، يظنوننا سنتسرّب من هذه الفتحات.. دقائق وينتهي هذا الصخب وتحين ساعة الرياضة الصباحية والاستحمام والإفطار ورفيقتي ما زالت على معصمي، أختلس النظر إليها كلّ حين، أسألها متى يكون موعد الفرج ؟ أجابتني بعد عام ونصف من السؤال، كان التاسع من فبراير بالعام ٢٠١٧، كانت ألـ ٦:٠٠ مساءً عندما فقدت الأمل بعد طول انتظار، ثم جاءت إحدى السجانات لتقول "نجوان شحرور".. تبعتها ٣ ساعات ونصف كانت كأنها عام، حتى انتهت بلقاء عائلتي ٩:٣٠ مساءً..

لم أعتد التخلّي عن رفاقي بالسفر، لكن لم تعد الكاسيو رفيقتي منذ الساعة الأخيرة، وفي كل مرة حاولت وضعها على معصمي، كانت وكأن طوقاً من الجمر يحيط بيدي.. لكني لا أعلم أيضاً لمَ ما زلت أقتنيها وأرفض التخلّي عنها.. هل هي لعنة ذكرياتها ؟ لن أفكر بذلك كثيراً، سأترك الكاسيو حتى تتعطّل وتتوقف عن إصدار الصوت، قد يكون هذا جزءاً من انتقامي..

#الأسرى_قضية_إنسان

#يوم_الأسير_الفلسطيني

#Palestinian_Prinsoner_Day