الحدث.
يحدث هذا حينَ تختلط الأوراق، ويقدّم الشاعر أو الفنان نفسه قائداً سياسيّاً أو عسكرياً وينسى موقع دوره الثقافي، فيصدّقه الناس ويحاكمونه بناءً على الصورة التي قدّمها هو لنفسه، لا أدافع عن هشام الجخ بل أدين خطابَه الإعلامي الذي يخلط صورته، مما يجعل الهجوم عليه مختلطاً وغير موضوعيّ بالمرة، فلو سألني أحد عن رأيي بهشام الجخ بعيداً عن زيارته لمدينة الناصرة وتهمة التطبيع لأجبت بأنّه شاعر رقيق خصوصاً في القصيدة المحكية، وقدّم إضافة مهمة في الأداء الشعري، لكنّه على المستوى الفكري والفلسفي فقير جداً، ولا يتجاوز المحتوى الثقافي لقصائده الخطاب السائد، كما أنه متناقض سياسيّا وثقافياً وفكرياً.
لكنّ ما يتناوله الإعلام المحلّي حالياً من خلط اتهامات الجخ بالتطبيع، واستغلال عناوين "فلسطينيو الداخل نسوا اللغة العربية"، وارتفاع سعر تذكرة الحضور، ليس موضوعياً لكنّه عادل لأن الجخ خلط أوراقه وعناوينه ويحاسب عليها.
ومن الموضوعية -وليس العدل- أن يعالج كل موضوع من المواضيع السابقة على حدة، فبخصوص مسألة ارتفاع سعر التذكرة، أنا أوافق أن الجخ لا يستحق هذا السعر لحضور عرضه، لكنها في النهاية مسألة عرض وطلب وبالمجمل أنا أؤيّد أن يكون حضور الفن مدفوعاً لأسباب كثيرة، تتعلّق باستقلال الفنان سياسيّاً واقتصادياً مما يدعم منتجه الفكري ويحميه، كما أن حضور الناس لعرض فنّي مدفوع يجعلهم جدّيين في استقبال المحتوى، ويرفع مستوى التوقعات من الفن.
أما موضوع تصريحات الجخ حول نسيان فلسطينيي الداخل للغة العربية، فلا أستبعد أن يكون الجخ قالها فعلاً لأنّ ثقافة المصريين بشكل عام وهشام الجخ بشكل خاص تلجأ كثيراً إلى المبالغة (الأفْورةover)، فإذا أراد الجخ أن يقول إن الهويّة العربية في الداخل مهدّدة بفعل المشروع الصهيوني يقولها بصيغة "الفلسطينييون في الداخل نسوا اللغة العربية".
أما بخصوص تهمة التطبيع وهذا ما أردت الوصول إليه، فهشام الجخ "كفنان" يزور الفلسطينيين في الداخل وليس الاسرائيليين، وليس في مشاركته ما يجعل علاقة العرب مع الاسرائيليين طبيعية من الناحية الثقافية، ومن حيث اعتراف مصر باسرائيل من الناحية السياسيّة فليس الجخ هو المسؤول عنها، وليس لديه خيارات في الوصول إلى مسارح الفلسطينيين في الداخل إلا من خلال المرور عن الحاجز الاسرائيلي، لكنّ المشكلة الأساسيّة أن الجخ لم يكن ارتقى بخطابه الإعلامي والشعري فوق الهويّات المغلقة، ولا يركب فنّاً راقياً يحمله على جناحه فوق الحاجز الاسرائيليّ.