الرجلُ هادئٌ، يمشي كثيراً ويفكّر أكثر، ترك ربطة عنقه وبدلته الرسمية مع تركه لمكتبه إثر استقالته من الحكومة الرابعة عشرة، غير نادم كما يقول. والآن د. سلام فياض، يحاول أن يبتعد عن الإعلام قدر الإمكان، باحثا عن السلم الداخلي بعد 11 عاماً متواصلة من العمل العام الرسمي والضوضاء الإعلامية. عندما طلبنا مقابلته أول الأمر، رفض بكل قدرته على التهذيب لأنه كما يقول على الخارج من اللعبة السياسية أن يمنح المجال لمن يأتي بعده للعمل دون بلبلة، هو يريد أن يساهم في التأسيس لتقاليد مختلفة في عملية تبادل الحكم والسلطة. لكن الإلحاح الصحفي، والحشرية الصحفية دفعتنا لأن نضغط على تهذيبه، فاستجاب لنا، فتح لنا أوراقه، حاول أن يروي لنا قصصاً كثيرة في محاولة ذكية ودبلوماسية كي يخلص نفسه من أسئلة صعبة لم يجب عليها وتركها مفتوحة لكل التقولات والتكهنات. ورفض في أول لقائنا معه أن يتحدث إلاّ عن أموره الشخصية، هو يرى أنه الآن إنسانٌ عادي، يمر من أمام مجلس الوزراء لتبدو حقبته الوزارية جزءاً من ماض بعيد.
عندما تطرق باب مكتبه هو من يفتح لك الباب، وعندما ينتهي اللقاء يوصلك إلى باب المصعد. هو أسلوبه الذي انتهجه طوال فترة رئاسته للحكومة؛ أن يبقى قريباً وأن يخلق تواصلاً تعتقد أنه شخصي لدرجة كبيرة، ولعله أحد الأسباب التي خلقت له قاعدة جماهيرية لا بأس بها من «الفياضيين» ومن المريدين.
د. سلام فياض، لربما كان أكثر رئيس وزراء إثارة للجدل حتى الآن، عندما سألناه عن أهم إنجاز وإخفاق له خلال فترات رئاسته للوزارء، سكت طويلا، حاولَ الإجابة، لكن الإجابة جاءت مع غصة كبيرة وفي جملة مختصرة (اجتهدت بكل ما أوتيتُ من مقدرة وسأترك للتاريخ أن يحكم علي).
إنتقل د. سلام فياض، رئيس الوزراء السابق، إلى مكتبه الجديد الكائن في منطقة الماصيون في رام الله مقر مؤسسته الجديدة، التي يأمل من خلالها أن يستمر في تنفيذ رؤيته وتوجهاته في خدمة وتطوير البنية المؤسساتية الفلسطينية، لكن هذه المرة من خلال عمله مع مؤسسات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. د. فياض، لا يريد أن يتحدث في السياسية، لا يريد أن يتحدث في الاقتصاد، وهو أمرٌ غريب على رجل قضى أكثر من عقد من الزمن في أجواء اقتصادية وسياسية حملته تارةً على أكف التقدير وتارة على سياط الانتقاد والهجوم اللاذعين، أمرٌ نترك البت فيه للأشهر والأيام القادمة، لكن ما نعرفه تماماً عن دكتور سلام فياض أنه سيعود إلى المشهد من جديد لكن بطريقة مختلفة.
السؤال الذي يسأله الجميع أين هو د. سلام فياض الآن؟
سلام فياض في فلسطين، وأفهم السؤال بطريقتين، الأولى ذات صلة بعدم الظهور الإعلامي والثانية ذات صلة بما أقوم به حالياً، والسؤالان لهما ما يبررهما خاصة وأنه ليس لي تصريحات أو أي ظهور في مناسبات عامة، وإن كان لي أي حضور فهو حضور في غير الإطار الرسمي وضمن المناسبات الشخصية، وبالتالي وبالقياس مع المشهد الصاخب الذي كان قبل خمسة أشهر عند استقالتي من رئاسة الحكومة، فقد أعطى هذا الأمر انطباعاً بأني خارج البلاد، هذا الأمر صحيح جزئياً إذ كنت خارج فلسطين لمدة 5 أسابيع في إجازة عائلية بعد تركي للحكومة، لكن بقي الشعور باختفائي سائداً نظرا لاختفائي الإرادي والطوعي الإعلامي، لكني بقيت موجودا، وهذا يحيلني إلى الشق المتعلق بما أقوم به حالياً، فالكل يتساءل عما أقوم به، وأنا أقدر هذا الاهتمام والمتابعة، كان هناك اهتمام كبير فاق توقعاتي، كما كانت هنالك العديد من التكهنات تتعلق بما أقوم به في الوقت الحالي.
بالتالي، ماذا يفعل د. سلام فياض بعد أن خرج من الحكومة؟ لا شك أن الرجل الذي أمضى سنوات طويلة في العمل الرسمي وفي العمل العام لديه خطط؟
عندما تركت الحكومة لم تكن لدي خطة أو فكر مسبق لجهة ما سأقوم به، هل سأقوم بشيء ذي صلة بتأسيس مؤسسة بحثية، أو مؤسسة مجتمع مدني، أو بتأسيس حزب سياسي، لم يكن واضحاً لي توجهاتي العملية على الأرض. لكن ما أقوم به حالياً تبلور بعد تفكير هادئ ومنسجم مع نفسي ومع ما قمت به خلال سنوات طوال من العمل العام. أسست شركة غير ربحية تحت اسم (فلسطين الغد للتنمية)، ستكون المؤسسة بمثابة حلقة وصل بين العاملين في القطاع الخاص والقطاع المدني، وبين الجهات المانحة والممولة، ستساهم بالنهوض بواقع العمل المؤسسي لمؤسسات العمل المدني ومؤسسات القطاع الخاص الفلسطيني، ستعمل المؤسسة من خلال توفير الدعم والمساندة لتلك المؤسسات دون أن يكون لنا أي دور في التنفيذ، وسنأخذ بعين الاعتبار أهمية تبويب الأولويات، والاحتياجات المجتمعية، فمجالات النقص المجتمعي ستكون محل استهداف محتمل لنا في مختلف المجالات، سنعمل في المجالات والقطاعات والأماكن التي ليست على جدول أعمال أي من الجهات سواء الحكومية أو غيرها، وسنعمل في مناطق مثل القدس وغزة ومناطق ج. ستعمل المؤسسة على تزويد خدمات الدعم الفني والتشبيك، المؤسسة هي حلقة وصل وإدارة وضبط، ستعمل المؤسسات المحلية وفق أسس متفق عليها وبما ينسجم مع متطلبات الإدارة السليمة، ونحن سنكون مساءلين أمام الجهات المقدمة للدعم، سنقدم خدمة حيث لم تتوفر خدمة من قبل، سنقدم خدمة لخدمة لم تتوفر بالجودة المطلوب توفرها فيها. كل أصحاب المبادرات في القطاع الخاص والمجتمع المدني والأهلي الذين لديهم إمكانية تنفيذ مبادرات معينة في مكان معين لكنهم بحاجة للمساعدة في الحصول على مصدر تمويل يسهل لهم ويمكنهم من تنفيذ هذه المبادرات سنعمل على خدمتهم.
لماذا هذه المؤسسة؟
أريد العمل في أمر أعتقد أن لدي الخبرة فيه، وأستطيع أن أوفر كافة مقومات النجاح له، والآن بما أنه قد أسدل الستار على 11 سنة في العمل العام منذ 2002 كوزير مالية ومن ثم كرئيس وزراء، أعتقد أني قد راكمت خبرة ومعرفة جيدة جدا باحتياجات البلد ومعرفة جيدة بشأن ما هو ملبى من هذه الاحتياجات، ومعرفة لا بأس بها بشأن ما هو غير ملبى من تلك الاحتياجات وبأي مستوى وبأي درجة، وكل هذا كان في إطار فكري موجه لعملي. عندما كنت في موقع المسؤولية كان لي إطار وفكر موجه أعمل بموجبه، فعندما يكون الشخص في موقع المسؤولية وفي الحكم يجب أن يكون لديه فلسفة وفكر عام يوجه عمله، يتعلق بمن نحن وأين نحن وما هو التحدي الكبير وما هو عنوان المرحلة، والذي اخترت أنا حينها أن يكون تقوية الذات والتمكين وتقوية الوجود المؤسسي، وفي إطار يستهدف في المقام الأول تعزيز قدرة المواطن الفلسطيني على الصمود والبقاء على أرضه في وجه الاحتلال وعلى درب إنهائه. هذا كان عنواني في إطار العمل العام مع التركيز بوجه خاص على تقوية المؤسسات العامة. والآن قررت أن أعمل ضمن الرسالة التي كنت أحملها خلال سنوات عملي وأنا في الحكومة، وبما أنه تتوفر لي إمكانيات عرض الاحتياجات بدرجة أكون من خلالها قادراً على حشد الدعم المطلوب الذي يمكنني من التنفيذ، فأعتقد أني أستطيع تحقيق إنجازات في هذا المجال. عندما كنت في الحكومة، فإن التمكين وتقوية الذات وتطوير القدرة المؤسسية عنت بشكل مباشر بناء المؤسسات العامة، وبشكل غير مباشر عنت كل مؤسسات الشعب الفلسطيني بما فيها المؤسسات غير الحكومية، والآن وبما أني خارج الحكومة، وبعد اجتهاد، وبشيء من التعديل الذي ينسجم مع الأهداف الموجهة التي وضعتها، تساءلت هل من الممكن أن أعمل وفق النهج والرؤية ونفس الفلسفة التي عملت عليها طوال السنوات الماضية لكن هذه المرة مستهدفاً القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني؟ وكانت الإجابة بنعم، خاصة وأنه لدي درجة عالية من الاحترام وبلا حدود للدور الهام الحيوي الذي لعبه المجتمع المدني الفلسطيني والقطاع الخاص في تثبيت وتمكين الشعب الفلسطيني طوال سنوات الاحتلال وهذه النقطة غابت كثيرا عن الوعي السياسي لدى السلطة.
والآن وأنت خارج الحكومة متحللاً من كل الأعباء والضغوطات التي كانت عليك، كيف تقرأ وتقيّم المشهد الاقتصادي والسياسي من وجهة نظر مراقب لديه كل الخبرة في العمل العام؟
في الحقيقة لستُ في مقام أقيم فيه أو أراقب من خلاله عمل الحكومة، لكن بلا شك المشهد الاقتصادي والسياسي صعب، ولأن المشهد لدينا للأسف صعب فإننا نتحدث عن التغيير كشيء نتمناه، نحن نتمنى التغيير لأن الوضع فعلا صعب وهذه الصعوبة هي ذاتها لم يتغير منها شيء منذ تركي للحكومة. ونحن نعلم أن نظرة من هو في داخل الحكومة تختلف عن نظرة من هو خارجها، لكل منهما نظرة مختلفة، لكن الشيء الذي لا خلاف عليه أن الصعوبة موجودة، لذلك فمن وجهة نظر شخص مارس هذا العمل فإني أقدر حجم الصعوبة وأن المشهد بشكل عام هو ذاته والمشهد لم يختلف ولم يتغير. ومن منطلق احترامي للموقع الحكومي والمسؤولية، ولأني مارست العمل الحكومي فإني أحترم كل من يمارسه، ولدي قناعة تامة أن الحكومة الحالية يجب أن تأخذ الفرصة كاملة، والدعم والمؤازرة الكاملين.
هل ندمت على استقالتك من منصب رئيس الحكومة؟
بكل تأكيد لستُ نادماً على الاستقالة، في اللحظة التي سلمت بها مهامي لرئيس الحكومة الجديدة شعرت بالانفصال التام عن موقعي كرئيس وزراء، وخلال فترة وجيزة جدا بدا لي ما كنت أقوم به قبل أشهر قليلة جزءاً من ماض بعيد، انفصلت كليا عن التجربة. الآن أشاهد كل الأحداث وكل الأخبار على أساس أنها ليست من مسؤولياتي وواجباتي بعكس ما كان الأمر عليه وأنا في الحكومة وذلك لأن هنالك تغييرا في طبيعة دوري في التعامل مع الحدث ومع الخبر ومع المرحلة، وهذا الأمر منبعه أن هذا من واجب الآخرين وأني يجب أن أترك المجال لهم، لأني أؤمن بأننا يجب أن نعمل على التأسيس لتقاليد حكم وتقاليد تداول للسلطة. لم يبقَ من التجربة السابقة معي سوى الجانب المضيء، كل الصخب والضوضاء والسلبيات تركتها خلفي ولم يبق سوى الجوانب التي شعرت أني قد أنجزت فيها، وأنها الجانب الإيجابي في عملي.
اليوم، عندما تنظر إلى السنوات الطويلة في رئاسة الحكومة، وكل تلك الفترة كوزير للمالية ورئيس للوزراء، أين ترى إنجازات سلام فياض؟ وأين كانت إخفاقاته خلال تلك الفترات؟
سؤال عادل، لكني أخجل أن أتحدث عن إنجازاتي وأترك الأمر للتاريخ، سأترك الأمر أيضاً للضمير الجمعي، ما أعيه بشكل فعلي أني اجتهدت فعلا بكل المقدرة التي كانت لدي، بكل طاقتي وبكل جوارحي، بكل الصواب وبكل الخطأ فإنني قدمت أفضل ما لدي، وسيأتي يوم أكون فيه مستعداً لهذا الحديث. الوقت ما زال مبكراً للحديث عن الإخفاقات والإنجازات. لكن، وللعلم، فإنني لا أنسب الفضل لنفسي في الإنجازات التي حققتها مؤسسات السلطة، فالنهضة والتطوير الذي حدث للسلطة هو من صنع جميع الكوادر التي عملت معنا، وهنا أريد أن أقول شكراً لكل من وقف معنا وخاصة من عمل معنا في عام 2007، وأيضاً شكرا لكل من انتقدنا.
هنالك نقطة جدلية أثيرت مطولا ًخلال فترة عملك، وهي أن الاحتلال هو الهم الأكبر، وأنه كان يجب أن يتم التركيز على إنهاء الاحتلال، وأنه لا يمكن بناء المؤسسات والتطوير المؤسساتي في ظل الاحتلال، بينما كان شعار مرحلتك هو بناء مؤسسات الدولة؟
نعم هذه نقطة جدلية، الاحتلال هو الهم الأكبر، والتناقض الأساسي هو مع الاحتلال، لكننا استفدنا من الفكر الموجه، والذي أعتقد أنه منطقي، الذي يقضي بوجوب تحدي الاحتلال من خلال البناء ومن خلال القدرة على الإنجاز ومراكمة الإنجاز بما يعزز القدرة على الصمود والثبات ويُسقط الذرائع التي لطالما أُستغلت ظلماً، خاصة من قبل إسرائيل للإستمرار في حرمان شعبنا من الحرية، هذا فكر سياسي مهم، وهذا جوهر المشروع الذي أطلقناه في نهاية عام 2009 (برنامج عمل الحكومة الثالثة عشرة)، هذه رؤية سياسية متكاملة وليست مجرد مشروع تكنوقراطي، والذي كانت أهم نتيجة له التحول الكبير الذي حصل في طريقة نظر العالم إلينا كسلطة وطنية وكفلسطينيين، من النظرة إلينا كشعب غير جدير بالحصول على دولة، إلى أن قال العالم مجمعاً في ربيع العام 2011 إن السلطة الوطنية تعمل بكفاءة مؤسسات دول قائمة، وكان هذا هدفنا عندما أطلقنا برنامج عملنا، والذي قام على أساس جملة بسيطة وهي «نتوقع أن نكون جاهزين لقيام الدولة خلال مدة أقصاها سنتان»، هذه الجملة حملت الكثير من المعاني، فهي تعني أنه لا بد من البناء على ما هو قائم، فهناك الكثير من الإيجابيات التي كانت موجودة في النظام القائم وقد بنينا عليها، كما أن هذه الجملة تحمل رسالة للعالم مفادها أننا لا نقبل بالاحتلال إلى ما لا نهاية، وبالتالي هل سيكون العالم جاهزا لتحولنا من سلطة تحت الاحتلال إلى دولة مستقلة. وهذا إنجاز كبير في رأيي بحد ذاته. ولكنه يبقى بطبيعة الحال منقوصاً إلى أن نتمكن كنظام سياسي متكامل وفي إطار منظمة التحرير الفلسطينية من تحويله إلى واقع يحصل فيه شعبنا على كافة حقوقه وفق القانون الدولي والشرعية الدولية.
قلتم في أكثر من مناسبة بأن عام 2013 سيكون عام الاستغناء كلياً عن المساعدات الدولية وبأنه سيكون عام الاعتماد على الذات، هل كنت تعتقد فعلاً أن هذا الأمر واقعي، خاصة وأننا دولة تحت الاحتلال ودولة لا توجد لديها موارد وفي ظل وجود قطاع عام غير منتج وغير فاعل؟
هذا الموضوع تم تسليط الضوء عليه كثيراً، وهو كهدف موجه للسياسة المالية هدف صحيح، ولست بحاجة للتدليل على ذلك سوى رواية تجربتنا نحن، وليس تجربة الآخرين، الواقع القائم كما كان واضحاً من خلال بيانات وزارة المالية يدلل على أن الحكومة خلال الثلاثة أعوام الأخيرة لم تتلق الدعم المطلوب من الدول المانحة، بل كان الدعم أقل بربع مليار دولار سنوياً عن المبلغ اللازم، إضافة إلى ذلك، فإن الحاجة للمساعدات الخارجية تجعل متلقي الدعم عرضة للتأثر سلباً بتقلبات المزاج السياسي الدولي، لدرجة ترقى لأن يصبح الدعم أداةً للضغط السياسي، معالم هذا الاستخدام السياسي كان متمثلاً في قلة الأموال التي كانت ترد إلينا، وحجز أموالنا من قبل الجانب الإسرائيلي، وبالتالي فقد أعددنا سياسة موجهة قائمة على زيادة قدرتنا على الاعتماد على الذات، أثبتت أنه بالإمكان الاستغناء نسبياً عن المساعدات الدولية، وحتى لو لم يكن العام 2013 هو عام الاستغناء عن المساعدات، وكان مستحيلاً تحقيقه في عام 2013، لكن ما زلت أقول بأن الاستغناء عنها ليس مستحيلاً بالمطلق يجب أن نستمر في العمل على هذا الأمر في الأعوام القادمة، الأمر ممكن. وبنظرة متفحصة، أثبتنا أنه بالإمكان الاستغناء عن المساعدات، وهذا يتضح من خلال انخفاض العجز الجاري إلى مليار دولار تقريباً، وهو أقل من السابق والذي كان حوالي 1,8 مليار دولار، وقد أجرينا العديد من الحوارات مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني حول ذلك، وبالفعل أثبتنا إمكانية الاستغناء عن المساعدات الدولية من حيث المبدأ، إن لم يكن في العام 2013 فيجب أن يكون الأمر ممكناً في الأعوام التي تليه.
أعتقد أنه بالإمكان اتخاذ بعض الإجراءات العملية لتعزيز قدراتنا الذاتية. وبالإضافة إلى ذلك، علينا ألا نغفل أن خزينة الدولة تخسر تقريباً كل الإيرادات التي كانت محققة من النشاط الاقتصادي في غزة والتي شكلت في عام 2005 حوالي %30 من إجمالي الإيرادات. وبالتالي، فإن إنهاء الانقسام، وهو ضرورة وطنية في المقام الأول وقبل أي شئ، سيؤدي بناءً على الوضع القائم الآن إلى تخفيض العجز في موازنة السلطة بحوالي 600 مليون دولار أمريكي، وإذا أضفنا إلى ذلك العائد المحتمل من وقف التسرب الضريبي لصالح إسرائيل ومن أوجه التهرب الضريبي المختلفة نجد أن تحقيق الإعتماد على الذات ممكن، بل وممكن جداً، بالتالي فالموضوع ليس ضرباً من الخيال والأمر ممكن جدا ويهيئ الأمر لأن نتمكن من الاستغناء عن المساعدات الدولية.
سؤالنا الأخير، نود منك نصيحة من رئيس وزراء سابق إلى رئيس الوزراء الحالي.
من الصعب بالنسبة لي أن أضع نفسي في موقع إسداء النصائح لأي شخص، فما بالكم لو كانت النصيحة لرئيس الوزراء. بالطبع أنا لن أبخل على الحكومة الحالية بالرأي والمشورة إن طُلب مني ذلك في أي شأن له علاقة بالصالح العام وحيث أستطيع أن أساعد فأنا على بعد مكالمة هاتفية. وأنا أيضا سأبادر من تلقاء نفسي بالاتصال بالحكومة لإبداء النصح إن شعرت أن الوضع يستلزم ويتطلب ذلك، وفي كلتا الحالتين، وخاصة لكوني رئيس وزراء سابق، لن أقوم بإبداء النصيحة علناً أو عبر وسائل الإعلام، ومما لا شك فيه أن آخر ما تحتاجه أية حكومة قائمة هو أن يقوم رئيس وزراء سابق بإبداء النصائح لها عبر الإعلام