الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

خيانة وتعاون مع الاحتلال بذريعة الدفاع عن حقوق العمال الفلسطينيين

2020-05-05 08:56:25 PM
خيانة وتعاون مع الاحتلال بذريعة الدفاع عن حقوق العمال الفلسطينيين

الحدث ـ محمد بدر

وقف محمد مساد في قاعة المحكمة الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي مطالبا القاضي الإسرائيلي بإلزام الحكومة الإسرائيلية بعدم تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية بذريعة أن للعمال حق في هذه الأموال، وأن معظمها تدفع مصاريف لقيادات السلطة والإرهابيين (الأسرى وعوائل الشهداء). يظهر مساد بين الفينة والأخرى خلال أزمة كورونا من خلال مقاطع فيديو ينشرها عبر صفحته في الفيسبوك وعبر صفحة "منظمة العمال الفلسطينيين"، التي يدّعي أنها تمثل عشرات آلاف العمال الفلسطينيين.

مساد، الذكي جيدا، لا يبدو أنه هو من يكتب الكلمات، التي ينطق بها في كل مقطع، فالرجل، الذي يدّعي أنه عامل أو ممثل للعمال، ورغم الارتجالية التمثيلية في حديثه، إلا أن تحليل خطاب ما يقول ويصرّح به يأخذنا لما هو أعقد من ذلك، وقبل الخوض في السياقات، التي يظهر فيها مساد، يمكن مبدئيا تقسيم حديثه إلى ثلاثة محاور أساسية: الأول، التذكير بحقوق العمال الفلسطينيين والفساد والظلم، الذي يعانون منه. الثاني، شيطنة السلطة الفلسطينية وتحميلها وزر الحالة المأساوية، التي يمرّ بها العمال، والإشارة إلى الفساد في مؤسساتها. الثالث، تصوير بنيامين نتنياهو وحكومته والقضاء الإسرائيلي الاحتلالي على أنهم المخلّص لقضايا العمال والأكثر حرصا على حقوق الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن مساد يحاول أن يصوّر للمتابع والمتلقي أنه يجلس في منزل عربي من خلال الديكور الشرقي، إلا أن كافة المعلومات المتوفرة عنه تشير إلى أنه هرب من مسقط رأسه بلدة برقين في محافظة جنين شمال الضفة الغربية إلى الداخل المحتل، مع الإشارة إلى أنه أحد الذين شاركوا في ورشة البحرين الاقتصادية في يونيو الماضي، وهو يحتمي بجيش الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية، ومن خلال مواقع هؤلاء يجادل ويناظر ويحاجج، ثم حتى لا يقال إنه يدير معركة مع السلطة من أرض محتلة ومحمية من جيش الاحتلال، يتحدى مساد من خلال صفحته على الفيسبوك أن يتم المساس به، ويترك موعدا لدخوله إلى الضفة في كل مرة وخارطة سير خاصة به. 

ويحاول مساد أن يستعير ما يخدم خطابه من المعاني الدينية في مقاطع الفيديو، التي ينشرها، فيبدأ حديثه بالبسملة والحمد والثناء، وفي بعض الأحيان يُتبع البسملة بآيات من القرآن الكريم تتحدث عن زعماء فاسدين أو دكتاتوريين، كالآيات التي تتحدث عن هامان وفرعون، ومن ثم يقوم بربط السياق والرمز الديني التاريخي بالمحور الأساسي لحديثه، رئيس السلطة ومؤسسات السلطة، وهذه المقدمات الروحانية تجد ما يناسبها من حركات جسد مساد، فيطغى الهدوء والخشوع والتأني خلال افتتاحيته الدينية، كما وتجده فجأة اشتعل غضبا عند الحديث عن حقوق العمال أو أوضاع الشعب الفلسطيني.

ويصرّ مساد على أنه مدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني وأن سبب اتهامه بالخيانة من قبل البعض هو انتقاده للسلطة الفلسطينية ودفاعه عن حقوق العمال الفلسطينيين، ولذا فهو يتقبل هذه التهمة على قاعدة "سأخون وطني" بل ويتفاخر بأنها توجه له. وفي الحقيقة فإنه يحاول تطبيع تهمة الخيانة والتعامل مع الاحتلال من خلال دفعها إلى ساحة الابتذال إلى درجة لا تبدو فيها وكأنها تهمة، بل وسام شرف، فيربط بين تعامله مع الحكومة الإسرائيلية وجيش الاحتلال (منسق أعمال حكومة الاحتلال) وقضاء الاحتلال وبين حق العامل الفلسطيني، وكأن الحقوق الفلسطينية لا تمر إلا من خلال مكتب نتنياهو ومكاتب ضباط جيش الاحتلال.

إذا ما حاولنا تفسير الظاهرة بحدود زمنية ضيقة وأدوات تكتيكية، فإننا نستنتج أنها دعاية مضادة ضد السلطة الفلسطينية، لأن الأخيرة قادت دعاية مفادها أن "إسرائيل" ساهمت في تفشي فيروس كورونا بين الفلسطينيين، وهو الأمر الذي ناقشه الإعلام الإسرائيلي كثيرا، وقيل إن مسؤولين إسرائيليين هددوا السلطة بوقف تحويل أموال المقاصة والتضييق على عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مناطق (ج) في حال استمرت هذه الموجة من "التحريض"، ويبدو أن الجهات الأمنية الإسرائيلية قررت شن حملة أو دعاية مضادة مستغلة النقاش حول قضايا وأوضاع العمال الفلسطينيين في ظل أزمة فيروس كورونا، بعدما ظهرت العنصرية والجريمة الإسرائيلية في التعامل مع العمال، الذين ألقي بعضهم على الحواجز لمجرد الاشتباه بإصابتهم بالفيروس، وقد خلقت هذه الصور والمشاهد رأيا عاما لدى الفلسطينيين.

القناة الثانية العبرية نقلت مرافعة مساد في المحكمة الإسرائيلية بالحرف، ومهاجمته دفع الرواتب للأسرى وعوائل الشهداء، ولكن مساد، الذي اعتبر وقوفه في هذه المحكمة إنجازا للعمال الفلسطينيين، لم يشر في منشوره على الفيسبوك حول هذه المرافعة إلى مهاجمته هذه الشرائح من الشعب الفلسطيني، مكتفيا بالإشارة إلى أنه طالب بحجز الأموال الفلسطينية لأنها تذهب للفاسدين من السلطة الفلسطينية.

قادة الرأي "الإسرائيليين" الجدد (مساد كمثال)، الهيئات الإسرائيلية النقابية الجديدة (منظمته النقابية كمثال)، التي يُراد لها تمثيل الفلسطينيين من خلال ضباط المخابرات، هي أبرز المشاهد، التي تطفو على السطح منذ الإعلان عن صفقة القرن، وهذا الطرح لا يعني الدفاع عن شرعية السلطة الفلسطينية، فهناك من يعتبر برأي معتبر أن الشرعية الوحيدة هي للبندقية المقاومة وليس لأي نظام سياسي أو نخبة سياسية ملتزمة باتفاقات مع "إسرائيل". ولكن ورغم ذلك، من المهم التأكيد أن الوقوف إلى جانب "إسرائيل" ضد أي مكون فلسطيني سواء سلطة أو معارضة هو بمثابة خيانة يرفضها الشعب الفلسطيني وفي طليعة الرافضين، العمال، الذين يدّعي مساد تمثيلهم.