بينما ترشح العديد من وسائل الإعلام بأخبار وتقارير تتناول إمكانية إبرام صفقة جديدة لتبادل الأسرى بين حركة حماس ودولة الاحتلال، يرتفع منسوب إمكانية إتمامها خلال الفترة القادمة وبثمن يمكن بموجبه إعادة أعداد كبيرة من الأسرى كما هو مأمول إلى أحضان أهلهم وشعبهم مقابل الإفراج عن 4 جنود أو إسرائيلين - تتضارب الأنباء الواردة من مصادر مختلفة حول هذه الصفقة من حيث التوقيت وإمكانات التنفيذ ومدى مصداقية دولة الاحتلال في الإيفاء بالتزامها خصوصاً بعد نقض اتفاق صفقة وفاء الأحرار (2006) وإعادة اعتقال عشرات الأسرى الذين تم الإفراج عنهم بحسب تلك الصفقة ومن بينهم على سبيل المثال الأسير نائل البرغوثي الذي يمضي أطول حكم في التاريخ متجاوزا 39 عاماً خلف القضبان.
ووسط هذه التطورات تفجر دولة الاحتلال أيضا قضية القرصنة على أموال الأسرى والشهداء في البنوك، ومحاولة إغلاق الحسابات البنكية لهم في استهداف مباشر لمجمل النضال الوطني المشروع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه الوطنية لترفع بذلك منسوب التعدي الصارخ على حقوق الشعب الفلسطيني، وبالعودة للصفقة المحتملة موضوع هذا المقال تحاول دولة الاحتلال كعادتها التلاعب بمشاعر الأسرى والأهالي وسط محاولة إظهار وجود خلافات ما في أقطاب حكومة الاحتلال من جهة، وتوصيات الأجهزة الأمنية في إسرائيل التي لا ترى مناصاً من إتمام الصفقة من جهة أخرى، وتحاول إرسال إشارات واضحة بشأن قواعد التفاوض مستفيدة من الاتفاقيات السابقة لا سيما صفقة وفاء الأحرار أكتوبر 2011، فعندما أشارت تقارير مسربة حول إمكانية تنفيذ الصفقة فعلاً خلال وقت قريب، وأن شوطاً مهماً تم قطعه بهذا الإطار سارعت تسريبات أخرى لنفي تلك الرواية، مشيرة إلى عقبات جمة ما زالت تعترض طريق إتمام الصفقة تارةً بحجة الوضع السياسي وجهود تشكيل الحكومة الجديدة، وتارةً أخرى لها علاقة بتفاصيل الصفقة ذاتها ببعدها الإجرائي والأمني .
وليس أدل على ذلك من قضية المرحلة أو المرحلتين فحركة حماس كما جاء في معلومات مسربة وموثوقة تريد صفقة على مرحلتين يتم في الأولى إطلاق سراح كبار السن، المرضى، الأسيرات، الأطفال مقابل إعطاء معلومات رسمية حول الجنود الأسرى هل هم أو بعضهم على قيد الحياة !!! أم لا !! ثم يلي ذلك إطلاق سراح عدد من الأسرى من ذوي الأحكام العالية كما جاء في بعض التصريحات ولم يعد خافياً المطالبة بإطلاق سراح قدامى الأسرى ومنهم من أعيد اعتقالهم بعد صفقة وفاء الأحرار إضافة إلى الأحكام العالية، ويجري الحديث أيضا عن تداول قوائم بحسب مصادر الأسرى حيث تم أخذ معايير محددة إزاءها، ويتم الحديث أيضاً عن اتصالات تجرى مع أطراف دولية سويسرا والمانيا، واقليمية الجانب المصري وهو كان اشرف على صفقة وفاء الاحرار، وبين هذه التسريبات تدق قلوب الاسرى بخفقان متسارع مع كل خبر يأتي بهذا الخصوص، ويثير الكثير من الاهتمام ويعيد احياء الامل لديهم بقرب كسر قضبان السجن، والتحرر بعد غياب قسري اختاره الاسير طوعاً دفاعاً عن حقوق شعبه ومن اجل تأمين استقلال فلسطين وتحررها، وصوناً للكرامة الوطنية ودفاعا عن مقدرات الشعب وتراثه وتاريخه وحضارته، ولا يجوز امام اخفاق المسيرة التفاوضية على مدار25 سنة الماضية من تحرير اعداد كبيرة من شرائح الاسرى _ ان تخفق ( المقاومة) ايضاً في عدم تحريرهم _ وخصوصاً ان هناك صيداً ثميناً في حوزتها وهو بنظر الاسرى وذويهم عدد كافٍ لتامين اطلاق سراح معظم الاسرى في صفقة "مشرفة" توقف حالة العبث والابتزاز الاحتلالي في هذه القضية التي تشغل بال اوساط واسعة من شعبنا وتقدم نموذجاً جديداً في التعاطي مع حالة الصلف والمراوغة، وتكسر حاجز القوة الذي يوهم الاحتلال نفسه به – صفقة تعيد شرائح من الاسرى تحديداً ويرضخ معها الاحتلال لشروط ومطالب( المقاومة) وتكسر امكانية الامساك باوراق اللعبة وتحكم الجانب الاحتلالي بها كما يحاول تصوير نفسه، وانما وهناك اعتقاد يتزايد بان ذلك ممكن الوصول اليه عبر اتباع " تكتيكات" مدروسة ومحسوبة في فن التفاوض قادرة على احراز هذه الصفقة وتحقيق المطالب المتوخاه منها .
الا ان اللافت امام ذلك كله وربما بسبب الانشغال بالصفقة وتفاصيلها وامكانية تنفيذها، وما يرافقها من اجواء فرح الا انها اي المفاوضات للصفقة قد تكون لاول مرة تتضمن طرح ومناقشة الاوضاع الحياتية ( تسهيلات اقتصادية) لها علاقة بجائحة كورونا، وادخال مواد ومعقمات لقطاع غزة مقابل الكشف عن تفاصيل لها علاقة بوضع الجنود في غزة (كي لا يتم دفع ثمن بالمجان) كما تصور الجهات الامنية في اسرائيل، وتشمل العناوين خارج الصفقة كما يشاع لبحث الاتفاق على فتح المعابر ورفع الحصار، وقضايا عديدة اخرى تخص الوضع في القطاع، وابرام صفقة من هذا النوع باعتقادي يتخطى صفقة اسرى ونقطة كما يقال، وفي موضوع الصفقة كصفقة جرت العادة ان يتم الحديث عن تفاصيل كثيرة تخص بنودها منها شروط ملزمة مثلاً بعدم الاعتقال مجددا او ملاحقة المفرج عنهم او الزام اسرائيل واعلانها رسميا وقف مضايقاتها للاسرى، والتعدي اليومي على حقوقهم اي الانشغال بالشان الاعتقالي، وتحسين شروط الحياة الاعتقالية او الحصول على موقف معلن لانهاء سياسة الاعتقال الاداري او غيرها الكثير مما يمكن نقاشه طالما العنوان صفقة اسرى فقط.
لكن الحديث عن صفقة بهذا التوقيت وفي ظل المعلومات عن فتح قناة تفاوض بين دولة الاحتلال وحركة حماس خلال الفترة الماضية حتى لو تم نفيها بين حين واخر الا انها تفتح الابواب اما تساؤلات كبيرة تتعلق بحالة الانقسام ومستقبل قطاع غزة !! وسط مخاوف كبيرة وشكوك من امكانية تحويل الانقسام لانفصال دائم بين الضفة الغربية وقطاع غزة وضرب الوحدة الجغرافية والسياسية للاراضي الفلسطينية، وهو مسعى اسرائيلي محموم لم يعد خافيا بل تشير تصريحات رئيس وزراء الاحتلال نفسه في اكثر من مناسبة علنا بان الهدف هو فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة .
ربما تدفع دولة الاحتلال ثمناً لصفقة يتم بموجبها تحرير عدد كبير من الاسرى وتسود حالة من الفرح بان يتنسم ابناء شعبنا نسيم الحرية بعد غياب، ولكن دولة الاحتلال هذه المرة تسعى للحصول على ثمن سياسي بتحويل القضية الوطنية لقضية مطلبية تتعلق بتحسين شروط الحياة الاقتصادية اليومية (للسكان) واعتبارات اخرى تتعلق باستمرار سياسة نهب الارض وتكريس الامر الواقع في الضفة الغربية، وهو جزء من مخطط استكمالي في اطار حلقات صفقة القرن المشؤومة فيما بشكل فعلي وفي ملف الاسرى تحديداً يتم استمرار احتجاز اعداد كبيرة منهم، وسرقة مخصصاتهم والقرصنة عليها، اضف الى ذلك استمرار سياسة الاعتقال اليومي بحق العشرات تقريباً حيث تشير المعلومات المتوفرة الى اعتقال اكثر من 620 مواطناً منذ الاعلان عن وباء كوفيد- 19 كورونا آذار الماضي من بينهم 62 مواطناً تم تحويلهم الى الاعتقال الاداري خلال نيسان الماضي فقط بمعنى آخر يتم الافراج عن اعداد من الاسرى وفي ذات الوقت تواصل تنفيذ اعتقالاتها اليومية التي تشمل العشرات احياناً اي سياسة ( الباب الدوار) في حين تعيد هي جنودها الاسرى سواء كانوا احياء او اموات.
وبالتالي بين الصفقة الاولى الاوسع صفقة شاليط – وفاء الاحرار وصفقة جديدة تحمل في ثناياها بداية طريق للتفاوض المباشر او غير المباشر حول قضايا سياسية ومطلبية ( الحصار) وغيرها تتم عبر القنوات غير الصحيحة وتتجاوز الهيئات الشرعية للشعب الفلسطيني المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وتفتح الباب واسعاً على خيارات لا تحمد عقباها، فلو كانت الصفقة تتم بغطاء وطني وتنسيق مع المنظمة والفصائل ووفق تكتيكات يتم اتباعها بشكل رسمي لكان الامر مختلفاً اما ان تنفرد حركة حماس بصفقة بدون غطاء واضح او حتى تنسيق مع المنظمة والقيادة وفي قضايا تخص الوضع في القطاع بشكل منفرد فهذا لا يعكس تطوراً مريحاً وقد يمحي السعادة التي ترسمها فرحة تحرر واعادة عدد من ابناء شعبنا بعد سنوات طويلة في الاسر الاحتلالي لهم.
وهذا بطبيعة الحال يفتح الباب واسعا على العديد من الاسئلة رغم الفرحة الغامرة التي ستعم الاراضي الفلسطينية والتي لا يمكن معها لاي احد ان يخفي شعور الافراج عن الاسرى خصوصا اذا كانوا من ذوي الاحكام العالية، ولا يمكن اعتبارها بكل المقايس ان حصلت الا انجازا هاما لكن بالمعنى الوطني والمقايس الحقيقية قد تكون مدخلا لمواصلة قنوات التفاوض المستقبلي العلني والسري على قضايا حياتية منها الحصار والمعابر او الوصول لهدنة طويلة الامد او تحت مسميات اخرى كثيرة وهذا يحتاج لتوافق وتفاهم ونقاش جدي يوحد الرؤية والاهداف، وينهي التلاعب الاحتلالي واهدافه المعنلة والمبيتة، ومحاولات في تصفية القضية الوطنية برمتها لاننا نواجه تحديات تخص حقوق الشعب الفلسطيني كاملة .
**عضو المجلس الوطني الفلسطيني
وناشط في قضايا الاسرى والمعتقلين