الحدث الثقافي
الحاج اسماعيل عطية وهو عجوز في الخامسة والتسعين من عمره، فبعد أن قتلوه جرّوه من رجليه وسط الشارع، وأخذوا يرقصون حوله ويصيحون، وكانت زوجته تحمل حفيدها الوحيد، عند باب منزلهم، فجاءت فتاة صهيونية تحمل بلطة وضربت الطفل على رأسه، فتطاير دماغه وإلتصق بالجدار، ثم قُتلت جدته وأخذت ترقص الفتاة اليهودية فوق الجسدين القتيلين.
وأخذوا صالحية وهي شابة، فقتلوا طفلها ذو السنتين أمام عينيها، ثم وضعوها في حلقة وأخذوا يرقصون حولها ويمزقون ثيابها قطعةً قطعة، ومن ثمّ عاجلتها إحدى الفتيات الصهيونيات بعدّة طعنات في وجهها وصدرها وبطنها، وكانت حاملاً في الشهر السابع، وخالدية والحاج عطا الحسيني وغيرهم المئات بل الألوف الذين سقطوا في مجازر الكارثة أو ما يُعرف بالنكبة، في دير ياسين والطنطورة وناصر الدين وبيت دراس والعشرات من المجازر التي فاقت 34 مجزرة، والتي نفّذتها عصابات الآرغون والشتيرن والهاغانا، وهذا فقط في العام 1948 والذي يتفاخر ميناحيم بيغن وهو زعيم عصابة الآرغون، والحائز على جائزة نوبل للسلام ؟!! بهذه المذابح وغداها سبباً مهماً في إنشاء دولة الكيان الصهيوني، وتهجير العرب الفلسطينيين، حيث أكد المؤرخ الإسرائيلي آريي يتسحاقي، وهو الباحث في جيش الإحتلال الإسرائيلي بذلك قائلاً "إذا أجملنا الحقائق نُدرك أن مجزرة دير ياسين كانت إلى حدٍ بعيد، طابعاً مألوفاً لإحتلال قرية عربية، ونسف أكثر عدد من المنازل فيها وقتل الكثير من النساء والأطفال والشيوخ وقد مُثّل بهم".
وفي كلّ واقعة إعدام بحق ضحايا النكبة كان يُصاحبه غناء، وتحلُّق حول الضحية، والرّقص إبتهاجاً وفرحاً ؟!! فحتى النازية والفاشية، وكل طواغيت التاريخ لم يُقدموا على فِعل وحشي بسعادة وابتهاج كما فعلته الصهيونية وتعاليمها التوراتية وأدواتها وداعميها ومؤيديها بشعبنا العربي الفلسطيني في العام 1948.
فكيف ترك الفلسطينيون أرضهم، أو ما تبقى منها بناءً على رغبتهم ؟! كما تزعم الدعاية الصهيونية ومؤيديها ؟ ألم يُقتلعوا من أرضهم وتاريخهم وذكرياتهم وأحلامهم وبَحرهم وبَرّهم وسمائهم، بقوة السلاح والمجازر والإرهاب، في أبشع سادياته ؟ ألم يُمارَس بحقهم أبشع صور التطهير العِرقي، لتُشكّل أكبر مآسي التاريخ الفلسطيني العربي الحديث والمُعاصر، في سقوط أكثر من 77% من أرض فلسطين التاريخية، وتهجير ما يزيد عن 800 ألف فلسطيني وعربي، وتدمير ما يزيد عن 420 قرية ومدينة وكأنه إعصار وقد حلّ بالمكان.
ومما مهّد لهذه الكارثة وكنتيجة مباشرة لقرار الاستعمار البريطاني بالانسحاب من فلسطين وإيكال الأمر للأمم المتحدة، التي أصدرت تحت ضغط القوتين آنذاك (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) -الداعمين للكيان الصهيوني في حينه- قرار 181 بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين، عربية على 45%، يهودية على 54% ودولية على 1% مُضافاً لذلك تم تجهيز الظروف الدولية بشكل يضمن التفوّق الصهيوني وقيام دولته.
ثمّة ما لا يُدركه الكلام مهما بلغت بلاغته وما لم تصوّره الكلمات، فبعد 72 عام على الكارثة، وهذه الومضة الصغيرة على جزء يسير مما حلّ بشعبنا في ذلك اليوم، والذي لجأ في وطنه وكلّ أصقاع العالم، ما زال ينتظر ممارسة حقه بالعودة، شأنه شأن التيموريين الشرقيين، الأفغان، الشيشان والبوسنيين، الذي ألزم المجتمع الدولي الأنظمة الحاكمة هناك بعودتهم، ولم يُلزم الكيان الصهيوني بذلك، وحرّمه على الفلسطينيين.
فلا عودة عن العودة، ولن ننسى ولن نغفر، ستظل ذكرى الكارثة، ناقوساً يدق في قلوبنا وعقولنا وأحلامنا في ذاكرة أجيالنا جيلاً يُسلّم جيل حتى زوال آثارها بالعودة أو التحرير.