الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الرهانات الأنثربولوجية لتاريخ الأوبئة/ بقلم: أحمد رباص

2020-05-17 09:44:17 AM
الرهانات الأنثربولوجية لتاريخ الأوبئة/ بقلم: أحمد رباص
نقل وفيات العدوى قديما

 

يضيف الوباء إلى الذعر الذي يثيره السخرية من كونه يزيل عنا فرادة موتنا. إنه يختزلنا إلى أرقام ويجعلنا نجازف بأن يكون الواحد منا ضحية فقط من بين الآلاف من ضحايا آفة مجهولة المصدر، وبأن يصبح عدواً محتملاً ...

الوباء ساحر. يتسلط على الناس ليجعلهم يغيرون طبيعتهم. الوباء ليس من جانب الإفراط، بل من جانب التجلّي. إنه يحطم الأجسام والأفكار المعروضة علينا للكشف بشكل أفضل عما كان حتى ذلك الحين موجودا ضمن حدود محددة جيدا. ذلك أن الوباء لا يخلق شيئًا. إنه يزيد عشرة أضعاف من خارطة جديدة تكشف لنا عن استمرارية أساسية بين الإنسان والحيوان، بعيداً عن أن يختزل إلى انفصال واضح بين المرضى والأصحاء.

إن الانتشار بسرعة كبيرة مخيف بقدر ما هو رائع. نحن نثني على سرعة الاتصال، ونتطلع إلى التفاعل الذي يلغي المسافة لتسهيل المناقشة والتفكير. لكن هذا الحلم يصبح كابوسا بمجرد أن تضعنا العدوى وجها لوجه أمام هشاشتنا الخاصة. عندئذ يجن جنون الخوف، يفسد الجسدنا، يتقطع النفس. في مواجهة، أكثر من مرض، ما هو عرض الأسوإ، النهاية الوشيكة التي تهز الوحش الراقد للكارثة النهائية من أجل إعطاء معنى في النهاية لاهتزازنا.

ولكن الأمور ليست بهذه البساطة. إذا كان للوباء وجود بيولوجي فقط، فسنرى فيه فرصة لاختبار قوة سيطرتنا على الطبيعة. لكن الوباء يكافأ بترف كونه ساخرا. السخرية من اختزالنا إلى رقم، وخط إحصائي، الذي يجعلنا موته، بقدر ما نفلت منه، عدوا قاتلا لأحبائنا، وكذلك في نظر البشرية جمعاء.

يقول الباحث الأنثروبولوجي فريديريك كيك: "يكشف الوباء حقا عن عدم اليقين في العلاقات بين الأجساد، أي أن شيئا ما يحدث يدل على أن الأمر لا يسير على ما يرام. ثم نبدأ في إجراء تحقيق. في العاطفة الجماعية، نعين ضحية، وهو ما يسمى أيضا كبش فداء سيتم استبعاده، بل تدميره."

فكيف تفرض ظاهرة العدوى هاته بين الأجساد والأفكار التي هي الأوبئة لغتها علينا؟ ما هو الشيء الذي يكون غير محتمل بالنسبة للإنسان؟ هل هو عجزه، أو اختزاله إلى حيوانيته، أو رؤيته لكل من حوله يتحول إلى عدو محتمل؟ ماذا لو كان بالإمكان تصور الأوبئة كنموذج لبث ونشر الفكر، في تجاهل لأي حدود بيولوجية وثقافية؟