خاص الحدث
تفاجأ الصيادلة في الضفة الغربية برفع أسعار الدواء من قبل شركات الدواء الفلسطينية، خلال شهر مارس الماضي، في ظل انتشار فيروس كورونا، كما يؤكد بعضهم في مقابلات أجرتها صحيفة الحدث.
ويقول الدكتور الصيدلاني عبد العليم، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه بسبب عدم وجود تصريح من نقابة الصيادلة له بالتصريح، إن شركة بيرزيت للأدوية، التي يتولى رئاسة مجلس إدارتها طلال ناصر الدين، رئيس صندوق وقفة عز، هي من أبرز الشركات، التي رفعت أسعار الدواء.
ويشير عبد العليم، إلى أن بعض الزبائن امتنعوا عن شراء بعض أنواع الدواء، ظنا منهم أن ما يجري عبارة عن استغلال من قبل الصيادلة. مضيفا أن "أحد الزبائن قام بالصراخ داخل الصيدلية، واتهمني برفع الأسعار مستغلا أزمة كورونا، وهو ما كاد أن يؤدي إلى حدوث مشكلة، ورغم محاولاتي لإقناعه أن شركة الدواء هي من رفعت سعر الدواء، إلا أنه ظل مصرا أن الخلل مني".
وكشف أحد الصيادلة أن بعض أنواع الأدوية، ارتفع سعرها بمقدار 25 شيقلا خلال الجائحة، ضاربا مثالا على ذلك: دواء أوفابرست، الذي تقوم شركة القدس بتصنيعه، قد ارتفع سعره من 40 لـ 65 شيقلا، وهو دواء للحوامل، كما أن بعض الأدوية الرائجة كان وقع رفع أسعارها أكثر تأثيرا على نظرة الزبائن تجاه الصيادلة كمستغلين لظرف الجائحة، خاصة إذا ما تحدثنا عن دواء شائع ويستخدم كثيرا مثل ألترافين، الذي يستخدم كمسكن للآلام، كما يؤكد عدد من الصيادلة، الذين أشاروا إلى أن سعره ارتفع من 10 شيقل وفق التسعيرة الأصلية إلى 12 شيقلا، كما ارتفع سعر "ألترافين ل س" من 14 شيقلا إلى 17 شيقلا، ودواء "المودكس"، الذي تنتجه شركة بيرزيت ويستخدم لالتهابات الأمعاء، قد ارتفع سعره في ظل الجائحة من 25 شيقلا إلى 30 شيقلا، ودواء دينوجكس الذي يستخدم لعلاج الزكام وارتفع سعره من 14 شيقلا إلى 18 شيقلا ومن ثم قاموا بخفض سعره إلى 15 شيقلا.
وحول ذلك، يقول المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الدوائية الفلسطينية، عوض أبو عليا، إنه كان هناك بالفعل رفع لأسعار بعض أنواع الدواء، ولكن ذلك جاء بعد حظر بعض الدول المصدرة للمواد الخام كالهند لتصدير هذه المواد، كما أن الشحن الجوي والشحن البري قد توقفا في أوروبا تقريبا، وأدى ذلك لانخفاض الرحلات التجارية القادمة لمطار اللد بواقع 83%، بالإضافة إلى انخفاض معدل العمل بنسبة 30% مع بقاء رواتب الموظفين تصرف بنسبة 100%.
وأضاف أبو عليا في مقابلة مع "الحدث"، أن "الصورة الكبيرة في المشهد بالنسبة لشركات الدواء هي الحفاظ على الأمن الدوائي الوطني، أما الصورة الصغيرة فهي جيب الصيدلاني، والأمن الدوائي الوطني أهم بكثير من جيب أي شخص، وبناء على ذلك قمنا بتقليل كمية الدواء في السوق، خوفا من عملية تكديس الدواء عند بعض قنوات التوزيع، وعدم وصول الأدوية إلى مستحقيها، وهذا التكديس من شأنه أن يحرم مناطق معينة من الدواء".
وردا على استفسارنا حول السبب وراء ارتفاع بعض أنواع الأدوية في ظل الجائحة وانخفاض أسعارها في وقت لاحق بسبب انخفاض أسعار الأدوية الأجنبية الشبيهة بها رغم تأكيد بعض الشركات بأن الارتفاع كان بسبب نقص المواد الخام؛ قال أبو عليا إنه سوف يتأكد من هذه النقطة. وقد ضربنا له مثالا على ذلك.
ويؤكد عدد من الصيادلة لـ"الحدث" أن بعض الأدوية ارتفع سعرها ومن ثم انخفض بسبب احتجاج الصيادلة وبعض المستخدمين لها، وهو ما يفند حجة الشركات بارتفاع أسعار المواد الخام، من وجهة نظرهم.
ويوضح أحد الصيادلة أن شركة بيرزيت للأدوية وشركة القدس للمستحضرات الطبية، رفضتا تزويد بعض الصيدليات بالدواء خلال أزمة كورونا، إلا بعد تحصيل كافة المستحقات المترتبة على الصيدلية أو بعد دفع ثمن الدواء مباشرة ودون آليات دفع ميسرة كما كان الأمر ما قبل الجائحة، الأمر الذي دفع بعض الصيادلة إلى الاستغناء عن بعض أصناف الدواء.
لكن الصيادلة، الذين قابلناهم، أكدوا أن رفع الأسعار لم يكن التغيير الوحيد، الذي قامت به شركات الأدوية في ظل الجائحة، فقد قامت بعض الشركات وعلى وجه التحديد شركة دار الشفاء لصناعة الأدوية، بتخفيض نسبة "البونص" التي تمنح للصيادلة على كل نوع دواء، والمقصود بـ"البونص" بحسب الصيادلة هو الزيادة المجانية، التي تمنح من كل صنف دواء للصيادلة من قبل شركات تصنيع الأدوية.
وأكد الصيادلة أن شركة دار الشفاء غيرت بشكل مفاجئ في ظل الجائحة سياسة البونص، وهو ما قلل من أرباح الصيادلة، وحول ذلك قال رئيس مجلس إدارة دار الشفاء، باسم خوري، في مقابلة مع "الحدث" إن "البونص ليس حقا للصيدلي، وإنما للترويج، وقد خففنا البونص بسبب ارتفاع سعر الإنتاج، ونحن الوحيدون الذين لم نرفع الأسعار على عكس شركات أخرى، وكنا أمام خيارين؛ إما أن نخفف البونص، أو أن نرفع سعر الدواء وهو ما سوف ينعكس على المواطن، ولكننا اخترنا أن نخفف البونص منعا لرفع الأسعار".
وأضاف خوري أن شركته لم ترفع أسعار بعض أنواع الدواء، التي كانت وزارة الصحة قد وافقت على رفعها قبل الجائحة، بينما قامت بعض الشركات برفع أسعار بعض الأدوية، التي كان هناك موافقة على رفع أسعارها من قبل الوزارة في وقت سابق للجائحة".
لكن بعض الصيادلة أكدوا أن البونص كان يمنح الصيدلاني مساحة لمراعاة ظروف الناس وخفض أسعار بعض أنواع الدواء في بعض الحالات، التي كانوا يرون أنها لا تستطيع شراء الدواء بسعره الحقيقي، وتعقيبا على هذه النقطة قال خوري إن بيع الدواء بأقل من السعر المقرّ هو مخالفة قانونية وفق القوانين واللوائح، التي تحكم عمل الصيادلة.
ورفض رامي مجروح، مدير التسويق في شركة دار الشفاء، في مقابلة مع "الحدث"، فرضية أن تكون شركات الدواء قد استغلت ظرف الجائحة لرفع الأسعار، مؤكدا أن شركته لم ترفع الأسعار ولكن شركات أخرى كانت قد قدمت طلبا ما قبل الجائحة برفع الأسعار، وقد تزامنت الموافقة على الطلب مع أزمة كورونا.
وأكد مجروح ردا على توضيح بعض الصيادلة بأن سعر الدواء المحلي أصبح أعلى من سعر الدواء الأجنبي، أن سعر الدواء المحلي يجب أن يكون أقل من سعر الدواء الأجنبي بنسبة 30%، وبعد أن عرضنا عليه دواء اللوردين، الذي تصنعه شركة دار الشفاء، وسعره أعلى من سعر الأجنبي، قال: "هذا بحاجة لمراجعة.. قد لا يكون أحد انتبه لذلك".
أحد الصيادلة، الذين قابلناهم، قال إن الادعاء بأن سعر الدواء المحلي أقل من سعر الأجنبي، غير دقيق، وهناك العديد من الأنواع أصبح سعر الأجنبي أقل بكثير من سعر المحلي. ومن الأمثلة على دواء "أميكور" الذي يستخدم لمرضى الضغط، بينما سعره 30 شيقلا وهو من إنتاج شركة بيرزيت للأدوية، فإن نظيره الأجنبي "نورفاسك" سعره 14 شيقلا، وهذا مخالف للقوانين، لأن القانون يلزم الشركات المحلية بأن يكون سعر الدواء، الذي تصنعه، أقل من سعر الدواء الأجنبي بنسبة 30%.
وردا على حديث خوري بأن البونص لا يؤثر على المواطن، قال الصيادلة، الذين قابلتهم معدّة التقرير إن البونص يؤثر على ربح الصيدلاني لصالح شركة الدواء، التي تضاعف أرباحها بهذه الطريقة، مستغلة جائحة كورونا.
وأشاروا إلى أنه حتى لو كانت الموافقة على رفع أسعار بعض أنواع الأدوية قد تمت من قبل وزارة الصحة قبل الجائحة، إلا أنه يفترض أن تحافظ هذه الشركات على سعر الدواء الأصلي حتى مرور الجائحة، التي رافقتها أزمة اقتصادية كبيرة، خاصة وأن بعض مدراء ومسؤولي الشركات كـ طلال ناصر الدين، وهو رئيس صندوق وقفة عز، الذي مهمته معالجة أوضاع المواطنين المتضررين بفعل الجائحة، لكن ما جرى هو أن الشركة التابعة له، رفعت الأسعار وغيرت من بعض سياساتها، ما أثقل كاهل المواطن والصيدلاني.
صحيفة الحدث حاولت التواصل مع نقابة الصيادلة، وأبلغونا أنهم سيقومون بإبلاغ النقيب بغرض المقابلة، وفي حال أراد التصريح في الأمر، سيقوم بالاتصال بمعدّة التقرير أو الصحيفة، لكن ذلك لم يتم، رغم محاولات الاتصال به شخصيا.
وكانت نقابة صيادلة فلسطين قد أصدرت بيانا بتاريخ 23 نيسان الماضي، حذرت فيه من اتهام الصيادلة بأن "الصيادلة يجنون أرباحا طائلة من بيع الأدوية على حساب شعبنا وأهلنا"، مشيرة إلى أن هناك من يحاول كسر مهنة الصيدلة لينقضوا عليها ظنا منهم بأنها نهر المال الجاري وعندها يصبحون هم المتنفذين بها.
من جهته، أكد فراس ناصر الدين، مدير التسويق ومساعد المدير العام للشؤون الإدارية في شركة بيرزيت للأدوية، أن ارتفاع أسعار بعض أصناف الدواء لم يكن مرتبطا بجائحة كورونا، لأن الموافقة على ذلك، من قبل وزيرة الصحة د. مي كيلة، تمت في نهاية عام 2019، مشيرا إلى أن شركات الدواء لم ترفع الأسعار منذ ثمان سنوات.
وأوضح ناصر الدين في مقابلة مع "الحدث"، أنه في مقابل ارتفاع أسعار بعض الأنواع، كان هناك انخفاض في أسعار أنواع أخرى، "لكن لا أحد يتحدث عن ذلك"، مشددا على أن جائحة كورونا أثرت على أسعار المواد الخام بسبب صعوبة الحصول عليها، خاصة وأن دولا مثل الهند أوقف تصدير المواد الخام المتعلقة بالأدوية.
وحول ارتفاع سعر بعض أنواع دواء الشركات المحلية، أكثر من سعر مثيلاتها الأجنبية؛ قال ناصر الدين إن شركات الدواء كان لها موقف سابق من وزارة الصحة في الحكومة السابقة، التي رفضت الموافقة على رفع أسعار بعض أنواع الدواء وهذا الارتفاع كان في سياق الاحتجاج، ولكن وزيرة الصحة كيلة اتفقت مع شركات الدواء مؤخرا على رفع أسعار بعض أنواع الأدوية مقابل خفض أسعار الأنواع، التي سعرها أعلى من سعر الأجنبي.
بدوره نفى محمد مسروجي رئيس مجلس إدارة مجموعة القدس للمستحضرات الطبية، أن تكون الشركة قد رفعت سعر أي نوع من أنواع الدواء في ظل الجائحة أو غيرها، وعندما سألناه عن دواء أوفابرست، الذي ارتفع سعره من 40 إلى 65 شيقلا، قال إن هذا الدواء لا يتبع لشركة القدس، رغم توضيحنا له أن اسم الشركة مكتوب على علبة الدواء.
وشدد على أن وزارة الصحة هي التي ترفع أسعار الدواء من خلال لجنة خاصة وليس شركات الدواء، لأن الشركات ممنوع أن ترفع أسعار الدواء، مضيفا: "على كل حال، نحن لا نستطيع أن نرفع الأسعار، الدولة هي التي ترفع السعر.. لا نستطيع أن نرفع سعر دواء ولو 1% إلا بموافقة وزارة الصحة".
وقال مسروجي: "إن شركته تتبرع بالأدوية لوزارة الصحة والمؤسسات الصحية، ولو فرضنا أن الشركة رفعت سعر الدواء، لكن نحن تبرعنا في الجائحة بـ 2 مليون شيقل منذ بداية الجائحة وحتى الآن"، رافضا أن تكون الشركة قد استغلت الجائحة لتغيير سياساتها في تحصيل المستحقات، مضيفا أنه على العكس تماما، هناك بعض الصيادلة استغلوا الجائحة لعدم تسديد المستحقات".