يتطرق يورغن هابرماس في كتابه "مستقبل الطبيعة البشرية، نحو تحسين نسل ليبرالي" لثيمتين في منتهى الراهنية: التكنولوجيات الحيوية وطبيعة علاقتنا بها. هل يجب أن تكون هذا العلاقة أخلاقية أم قانونية بحتة؟ بهذا الكتاب الذي يرجع تاريخه إلى بداية عام 2001 والطبعة الأولى للترجمة الفرنسية إلى عام 2002، تقاس أهمية النقاش الذي استمر يتعمق، بعيدا عن أن ينتهي. لذلك نحن نتعامل مع وجهة نظر "قديمة" نسبيا، لكننا نعلم أن الزمن الفلسفي أطول بكثير من الزمن الراهن- وأن هابرماس، على حد علمنا، لم يغير مواقفه بشكل جذري.
يتكون "مستقبل الطبيعة البشرية.." من عدة محاضرات وخطاب ونص مكتوب كرد فعل على المناقشات التي أثارتها تأملات المؤلف. يتعلق الأمر بمقاربة ناضجة، تم تعزيزها من خلال دمج العديد من الانتقادات في تطورها. الأطروحة الرئيسية للكتاب ذات شقين. من ناحية، لا يمكننا أن نكيف رد فعلنا على تمديد التقنية إلى جسد الإنسان وفق مفاهيمنا الأخلاقية وحدها؛ يصر هابرماس كثيرا على استحالة تأسيس سياسة علمية حيوية على مفاهيم ثابتة للعالم والواقع. من ناحية أخرى، يجب أن يتم تأطير تحسين النسل بنظام قانوني أخلاقي قادر، بأكثر ما يمكن من حياد، على تمييز مخاطر تحول البيولوجيا البشرية.
تتمثل أولى فرضيات الكتاب بدور الفلسفة والإجابات التي قد توفرها أو لا توفرها للبشر. يعلن هابرماس بوضوح شديد أن العصر الميتافيزيقي، وهو عصر الإجابات المطلقة والكاملة على "الأسئلة الكبرى"، قد انتهى. عصر ما بعد الميتافيزيقا، على النقيض من ذلك، ورش ضخم يجب على الفلاسفة والأفراد أن يتعلموا كيف يعيشون فيه. بشكل تقريبي، يتوافق هذا التطور أيضا مع الانتقال من الأخلاق كمصدر للسلوك والأعراف، إذن من طبيعة بشرية معينة، إلى الأخلاق كتحقق لإمكانات كل شخص. الحرية، في هذا السياق، ليست في طبيعة الوجود بل في قدرتها على التحقق؛ وكنتيجة طبيعية، لن يمر تنظيم التكنولوجيات الحيوية من خلال الدفاع عما يتم تقديمه بل بالأحرى في التأكيد على أن التقدم التكنولوجي سيكون دائما في خدمة الاستقلال الذاتي الفردي (بالمعنى الهابرماسي للكلمة).
أحد الموضوعات الرئيسية للكتاب هو تعديل الأفراد قبل الولادة، أي التعديل المسبق للخصائص الجينية للشخص. يمكن أن يتم هذا التعديل بطرق متناقضة جذريا: يمكن استخدامه لعلاج الأمراض الوراثية أو إنجاب أطفال "بالبطاقة". لكن هابرماس يذهب أبعد من ذلك ويتساءل عن مدى أهمية تدخل كائن في كائن آخر، لا يزال في طور التشكل: ألا يأتي هذا الأخير إلى الحياة بزوج من لعبة مغشوشة؟ بالفعل، حتى لو كانت التربية مفروضة على الطفل، يمكن دائما تصحيحها وفقا للمؤلف؛ من صار الآن شخصا بالغا يمكنه بناء ذاته في تعارض معها (التربية). في حالة التعديل الجيني، الأمر مختلف تماما: إذا قرر الوالدان إعطاء طفلهما عيونا زرقا وليست بنية، فستكون هذه الشخصية نهائية. يستنتج هابرماس في هذا الصدد أن تحسين النسل يجب أن يسمح فقط بالتعديلات التي يعتبرها المجتمع العلمي ضرورية، وفقا لمعايير موضوعية، وألا يسمح بتعديلات "ترفية".
دور القانون أساسي في العمل على وجه التحديد لأنه يحل محل حكمة أخلاقية. إن "الحل" الذي اقترحه هابرماس، وهو حل تحسين النسل الليبرالي، الذي يرتكز في الوقت نفسه على التطور التكنولوجي في عصره ويتجاوز الصراع الافتراضي بين الخير والشر، يقوم بالكامل على أن يدرج في النصوص القانونية تعريف واضح ومحددا للتعديلات الجينية الجائزة. يمكن أن تمتد هذه الخطاطة، بالطبع، إلى أي شكل آخر من أشكال التكنولوجيا التي تهاجم الجسم مباشرة والبيولوجيا البشرية. نحن لا نناقش تحليل المؤلف للعلاقة بين العقيدة الدينية ورؤيته ما بعد الميتافيزيقية، والتي هي وثيقة الصلة ولكنها ليست مركزية.
يبدو لنا أنه يمكن توجيه ثلاث مآخذ إلى "مستقبل الطبيعة البشرية..". بادئ ذي بدء، لا يتحدث الكتاب إلا قليلا عن الطبيعة البشرية - لا يحدد هابرماس، على وجه الدقة، الطبيعة البشرية لأنه يرفض تعريفها في الصراع المحايث لأي مقاربة ميتافيزيقية أو أخلاقية. بالمعنى الدقيق للكلمة، تعنى الطبيعة البشرية أكثر بالأخلاقيات في العالم الما بعد ميتافيزيقي، فهي ليست محتوى، جوهر الوجود ، ليست إطار عمل يحدد حركات وأفكار الكائن؛ إنها، أكثر من ذلك، مجموعة من الحدود القانونية أو الأخلاقية التي تبدأ من الوصف البسيط والبيولوجي لما هو "النوع البشري". وبعبارة أخرى، إذا لم يكن هناك إجابة على الأسئلة "ما هو الكائن؟" أو" ما هي الطبيعة البشرية؟ - بما أن هذه الأسئلة هي ميتافيزيقية بحتة - يفضل هابرماس إجابة متواضعة مؤسسة على وصف بيولوجي علمي لجسم الإنسان وجيناته.
هذا الرفض للإجابة الواضحة والنهائية يقلب على حين غرة خاتمة الكتاب رأسا على عقب: لماذا يجب على الأفراد قبول إطار تحسين النسل الليبرالي؟ لأن عليهم أن يجدوا أخلاقا جماعية لا كالأخلاق (المعتادة)؟ لسوء الحظ ، فإن السؤال السياسي (دعنا نقول، التطبيق الملموس للنظرية) لا يمكن أن يعجل باختفاء مفهوم الصراعات، حرب الآلهة الويبيرية التي رفضها هابرماس صراحة. في الواقع ، يعيد المؤلف تطبيق مشكلة القرار، واختيار الأفراد، وهي نسخة معدلة بالكاد من العقد الاجتماعي الليبرالي حيث يجب على الأفراد الاعتراف بدمج التكنولوجيات الحيوية في سيادة القانون؛ ومع ذلك، يعترف بأن طبيعة التقدم التكنولوجي في حد ذاته تجعلها غير مستقرة، وغالبا لا يمكن تصورها، وبالتالي من المستحيل التنبؤ بها من قبل السلطة المشكلة، التي تضع الدساتير والقوانين.
يتجاهل هابرماس تقريباً المسألة "الاجتماعية" بالكامل. فيما يتعلق بالتعديلات الوراثية، من المدهش أن عدم المساواة بين الأفراد لم يناقش بالتفصيل في مواجهة علم متحكم ومتجر فيه بمصالح خاصة. إن القدرة على تعديل ما قبل الولادة والسلطة الأكثر عمومية على تعديل جسم الإنسان ستكون موزعة بشكل غير متساوٍ إذا تم تنفيذها في مجتمعات كما هي مجتمعاتنا حاليا. وفي الوقت نفسه، إذا سمحت الدولة لأفقر الناس بإجراء هذه التغييرات، سيبقى هناك سؤال أعمق: ألا تحدد المصالح الاجتماعية، جزئيا، خيار إجراء تغيير ما قبل الولادة؟ حتى لو كان هذا الأخير يتعلق فقط بعلاج مرض ويحظى"بمساعدة" الدولة، ألا يفضل الأفراد إزالة الجنين؟ هنا أيضا، تظهر المساواة الأخلاقية، العزيزة على هابرماس، صعبة المنال. أخيرا، يبدو لنا أن الكاتب لم يعمق التفكير الكافي حول دور المرأة في الحالة الخاصة بتعديلات ما قبل الولادة. يبدو أن هابرماس يفترض مسبقا أن الحق في المستقبل ينتمي إلى الكائنات التي أنتجته، أي إلى الوالدين، في حين أن مثل هذه التعديلات ستحدث على جسد الأم.
إن "مستقبل الطبيعة البشرية.." عمل مثير للاهتمام تجرأ على الارتماء في المياه المصطربة للنقاشات التكنولوجية. يتتبع هابرماس مسارا وسيطًا بين النقد الخالص للتقدم والتقنية (Anders, Mumford, Ellul، إلخ) وبين اتركه يفعل لتحسين النسل دون قيد. هذا النقاش الكبير ليس على وشك الانتهاء، ولن يصل إلى إمكاناته الكاملة إلا عندما تكتسب التطورات التكنولوجية المذكورة مستوى من التنمية يكفي للتأثير على سكان العالم ككل.