رام الله - الواثق طه
“الرصيف ثفافة تنفتح على التنوع والتعدد، هو رصيف المدينة الذي كتب عنه الشاعر الراحل حسين البرغوثي أغنيته الشهيرة والتي راجت منذ الانتفاضة الأولى بصوت وألحان المغني جميل السايح.”
بهذه الكلمات يجيبنا صاحب الرصيف الثقافي بمدينة رام الله الصحفي توفيق العيسى، والذي أسس دار نشر ومقهى ثقافياً – تحت التأسيس- يحملان هذا الاسم، والتي أطلقت أول إصدار لها للروائي المحرر عصمت منصور وهي رواية بعنوان “السلك” فما قصة الرصيف؟
مغامرة ومشهد
تبدأ قصة الرصيف لدى العيسى والذي يعمل حاليا محررا ثقافيا في صحيفة الحياة الجديدة برام الله من إحساسه بضرورة تطوير عمله في الصحافة الثقافية. ويرى أن الكتابة للصحافة لن تصنع وحدها مشهدا ثقافيا فلسطينيا، فمبادرات العمل الثقافي والتي تذهب إلى حد المغامرة أحيانا هي ما يؤسس لثقافة وطنية شرط ألا تكون هذه المغامرة مرتهنة لأي اشتراط خارجي او سياسي.
ولا يدعي بذلك أنه قادر على تشكيل المشهد الثقافي منفردا ولكنه يرى بأن تجربة الرصيف مغامرة لا بد لها أن تأخذ مداها وتحاول أن تقدم ما هو جديد على الساحة الثقافية الفلسطينية، إلى جانب عديد المبادرات والجهود المبذولة في هذا الشأن وإن كانت قليلة.
رصيف المدينة
وعن اسم الرصيف يقول العيسى: “لا أنكر أن اختيار اسم الرصيف هو نتاج تفكيري اليساري والذي أدعي أنه فكر اشتراكي يؤمن بالمساواة التي يجسدها الرصيف، وهذه المساواة تتحقق في الشارع وعلى الرصيف خاصة في أن للكل الحق بالتعبير عن فكره حتى وإن اختلفت الأفكار وتوجهاتها وبالنهاية سيكون الرصيف وأقصد هنا رصيف الشارع مسرحا عاما للكل.” ويضيف: ليست المساواة هنا هي لجعل الكل واحدا أو بذات المستوى الاجتماعي أو الثقافي وإن كان ذلك حلما راود كل من سعى لحرية الشعوب وتقدمها، إلا أن الرصيف هو ما يجمع الكثيرين بمختلف مستوياتهم وهو ليس حكرا على أحد والمساواة تكون باستيعابهم جميعا.”
ويظل اسم الرصيف في الذهنية الفلسطينية يجمع العديد من الأسماء ولا يخفي العيسى هنا تأثره المباشر بالشاعر الشهيد علي فودة والشاعر رسمي أبو علي اللذان أسسا لصحافة الرصيف والصعلكة، في ثمانينيات القرن الماضي في بيروت، فقد كان لهذه المبادرة التي حملت اسم الرصيف في فترة مهمة من فترات الثورة الفلسطينية في بيروت أثر على عدة أجيال لحقت وما زال تأثيرها واضحا، ويأتي اختيار العيسى لاسم الرصيف لمحاولة إحياء هذا الاسم وإعادة الاعتبار لأصحابه ومن عمل فيه ولتلك الحقبة الزمنية.
السلك قصة أخرى لـ غزة أخرى
“السلك” رواية للروائي المحرر عصمت منصور هي أول إصدار للرصيف، وتحكي قصة الأسلاك الشائكة التي تفصل غزة عن العالم الخارجي وتفصلها عن فلسطين المحتلة عام 1948، ويروي منصور قصة تطور هذا السلك الشائك من سلك فاصل إلى معبر حدودي وما طرأ على القضية الفلسطينية ومدينة غزة من تطورات وتحولات سياسية واجتماعية خلال هذا التطور وصولا إلى حكم حركة حماس للقطاع عبر الحسم العسكري.
وعن الرواية كتب الناقد والروائي د. أحمد رفيق عوض على غلافها أنها من الجيل الخامس للسرد الفلسطيني الذي لم ينته بعد، وهو نص روائي لا يقف عند اللحظة التاريخية المربكة لكنه يتجاوزها ليحدق في تفاصيل مشهد فلسطيني يكاد يكون فانتازيا إلى أبعد الحدود.
ويضيف عوض في واقع صعب الترتيب والتبويب لا يبقى للروائي سوى اجتراح نص يشبه ظرفه وشرطه محتقن وغاضب ومفاجيء وصادم، وهو لا يعني إعادة الوصف أو التعريف بقدر الرغبة في الاشتباك والتجاوز والرفض.
وتعتبر السلك العمل الأدبي الثالث لمنصور بعد رواية “سجن السجن” ومجموعة قصصية بعنوان فضاء مغلق، حيث كتبت أثناء فترة اعتقاله التي امتدت نحو عشرين عاما في سجون الاحتلال.
أما عن اختيار الرواية لتكون الاصدار الأول فهي قصة أخرى بدأت أثناء مشاركة العيسى في تنظيم احدى الوقفات الاحتجاجية المناصرة للأسرى الفلسطينيين في اضرابهم عن الطعام ويقول: “مرت علي ما يقارب الثلاث سنوات وأنا أعمل في الشارع كناشط سياسي وجماهيري اضافة لعملي الصحفي، فمن اعتصامات ومسيرات ضد الانقسام الى أخرى ضد الغلاء وغيرها مناصرة للثورات العربية خاصة الثورة السورية وكانت قضية الأسرى واضراباتهم عن الطعام تحتل المقام الأول في تحرك الشارع وإن كانت في بعض الاحيان خجولة نوعا ما، في تلك الاثناء شعرت أنه لا بد من عمل آخر رديف لحركة الشارع أثناء ذلك وصلتني عبر المعتقل رواية السلك لعصمت منصور بهدف قرائتها وابداء رأيي فيها وكان معتقلا منذ عشرين عاما واستطعت قبل وصول الرواية بسنة أن اجري معه لقاءا صحفيا في معتقل النقب عبر الهاتف حول روايته الأولى “ سجن السجن” وتوطدت العلاقة بيننا حتى وصول السلك ومن ثم خروجه من المعتقل، عندما قرات “ السلك” تفاجأت بقدرته من الخروج من حيز الاعتقال الى عالم لم يره ومجتمع لم يعش فيه، وكانت غزة في روايته مدينة اخرى غير التي نراها في نشرات الأخبار، وتلاقت الفكرتان في مشروع الرصيف قضية الاسرى ودورنا في مناصرتها وكيفية الوقوف الى جانبهم وقضية الثقافة والنشر، فقررت أن اطبع الرواية على نفقتي الخاصة وبذلك بدأت بتأسيس الرصيف الثقافي.
وصدر حديثا للرصيف الثقافي إضافة لرواية السللك لعصمت منصور ديوان شهوة الغبار لتمارا كيلة وديوان للأطفال للكاتب وضاح زقطان.