نتحدث عن الدولة الاجتماعية، ويمكننا أيضا أن نتحدث عن دولة الرعاية (État providence) أو دولة الرفاهية (welfare state). لم يتم تعريف هذه المصطلحين على صعيد دولي، ولم يقع التوافق على تعريف واحد ومقنع بما يثيره ذلك من استغراب.
خلال السنوات الثلاثين المجيدة كان هناك ميل إلى الاحتفاظ بتعريف واسع للدولة الاجتماعية وما يتم اليوم الاحتفاظ به، منذ ثلاثين سنة، غالبا في معظم الأعمال، تعريف ضيق إلى حد كبير اختزلت فيه دولة الرعاية، دولة الرفاهية إلى الحماية الاجتماعية فقط، بينما الحاجة ماسة إلى تعريف واسع للدولة الاجتماعية.
للحديث في كلمات قليلة عن هذا التعريف الضيق أو الواسع، يبقى أكثر الكتب التي يتم الاستشهاد بها في هذا الصدد، والمرجع الأساسي للمقارنة الدولية بين دول الرفاهية هو كتاب غوستا إسبينغ أندرسن، العوالم الثلاثة لرأسمالية الرفاهية (The Three Worlds of Welfare Capitalism)، الذي نشر في عام 1990 والذي يميز بين ثلاثة نماذج للدولة الاجتماعية أو دولة الرفاهية:
- ما يسميه النموذج الاجتماعي الديمقراطي أو الاشتراكي، حيث تكون الحماية الاجتماعية شاملة وممولة بالأحرى من الضرائب.
- النموذج المؤسساتي حيث تمول الحماية الاجتماعية من خلال المساهمات أو تكون مضمونة لأولئك الذين ساهموا. هذه مخططات مهنية، مخططات تأمين اجتماعي.
- النموذج الليبرالي حيث تمول الحماية الاجتماعية من الضرائب، وتدفع للفقراء من قبل الأغنياء أو الطبقات الوسطى.
هنا، لا حديث سوى عن الحماية الاجتماعية، بينما مرادنا الوصول إلى تعريف واسع للدولة الاجتماعية القائمة على أربع دعامات، وليس على دعامة واحدة.
ما هي الدعامات الأربعة؟
الدعامات الأربعة لدولة الرفاهية هي الحماية الاجتماعية، وهي مهمة للغاية، والخدمات العمومية، وقانون الشغل، وتنظيم علاقات العمل وسياسة التتشغيل، والركيزة الرابعة، البالغة الأهمية، هي السياسات الاقتصادية،الموازنتية، النقدية، التجارية الهادفة لدعم أنشطة الشغل. يشمل الإنفاق العام بشكل رئيسي دعامتين من دعامات دولة الرفاهية: الحماية الاجتماعية والخدمات العمومية.
ما الذي أتى به التعريف الواسع للدولة الاجتماعية؟
إذا نظرنا إلى مؤشرات الإنفاق العام التي تأخذ في الاعتبار الدعامتين الأوليين فقط لدولة الرفاهية، أي الحماية الاجتماعية والخدمات العمومية، فإننا نرى على مدى فترة طويلة زيادة مرتفعة جدا، في جميع البلدان، بوتيرات مختلفة وتباينات. وقد ازداد الإنفاق العام، معبرا عنه كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنحو 1/3 منذ ثمانينيات القرن الماضي، حتى قبل أزمة عام 2008.
هل تتطابق صنافة إسبينغ أندرسن مع الواقع؟
فرنسا أكثر عددا من حيث الشركات وميلا إلى التأمين من ألمانيا، من وجهة نظر الحماية الاجتماعية، حتى لو تغير ذلك كثيرا في السنوات الثلاثين الماضية، أي أن لدى الفرنسيين أنظمة تأمين اجتماعي مع الكثير من صناديق التقاعد، إلخ. يدير نظام الضمان الاجتماعي الأساسي في فرنسا 45٪ فقط من إجمالي الإنفاق على الحماية الاجتماعية، لذا فإن صنافة إسبينغ أندرسن تقول لنا على هذا المستوى أشياء معقولة. ولكن بالنسبة للدعامات الأخرى، لا تسير الأمور على ما يرام.
من ناحية الخدمات العمومية، تعد فرنسا أكثر اشتراكية وديمقراطية اجتماعية من معظم الدول الاسكندنافية. في الدنمارك، هناك 80٪ كنسبة الانخراطات في النقابية لأنه من أجل الاستفادة من التأمين ضد البطالة وخدمات التشغيل، يجب على المواطن أن يكون عضوا في نقابة. الحالة في فرنسا مختلفة، لأن تلك خدمات عمومية. من وجهة النظر هاته، يتمتع الفرنسيون بمنظور أكثر شمولية من الدنمارك. بتقاليدها العريقة في مجال الخدمة العمومية المدعومة من قبل الدولة، تكون فرنسا أكثر اشتراكية وشمولية. في ألمانيا، مثلا، يكون الإنفاق العام أقل منه في فرنسا. ويفسر هذا من ناحية بكون الألمان ينجبون عددا أقل من الأطفال ومن ناحية أخرى بكون جزء من دولة الرفاهية مفوض إلى هياكل الاقتصاد الاجتماعي (المستشفيات التي تديرها الكنائس، أو النقابات..).
فيما يتعلق بقانون الشغل، فرنسا أكثر اشتراكية، إذ لديها قانون شغل يلعب دورا أكثر أهمية مقارنة بالبلدان الاسكندنافية التي يوجد بها عدد كبير من الشركات. لهذا السبب، لا سيما في الدنمارك أو السويد، لا يوجد حد أدنى للأجور. لخصت النقابات هذا الموضوع في كلمات: "نريد أن نقوم ذلك، نريد تحديد الحد الأدنى للأجور التقليدية التي ستكون أعلى من تلك التي من المحتمل أن تحددها الدولة". لهذا السبب لا يوجد حد أدنى للأجور.إذن، في مجال قانون الشغل، لا تستقيم صنافة إسبينغ أندرسن على الإطلاق.