حينما ترك الفلسطيني محمية النضال الوطني وانتقل نحو التمترس خلف المؤسسات الشكلية لتحديد وصياغة أدوات مناهضة الاحتلال، وعندما تحول العمل الوطني إلى عمل مأجور تأطر وفق أنماط محددة، أصبح الجهد منصبا على بناء الهياكل المقيدة الهشة عوضا عن تطوير أدوات النضال وتغذيته بما يثريه من طرائق تنسجم مع ضرورات حتمية حركة الزمن.
كان لهذا التحول أن حذف بالضرورة المعاني الحقيقية للنضال الفلسطيني، أي أن ما جرى لا يعدو أن يكون أكثر من عمل مؤسساتي مكبل بإجراءات لا تملك أن تعترض على ما يملى عليها من الاحتلال المتغطرس بأحسن الأحوال!
المؤسسة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها وما تجسد خلال الأعوام الماضية من ممارسات تراكمية ازدادت هشاشتها أكثر فأكثر مع مرور زمن الانقسام، ذلك أن المنقسمين قد رهنوا أنفسهم لتقاليد وقيم لم تتجاوز حدود الدفاع عن الكينونة الضيقة لكل منهما، أخطر ما في الأمر هو أن ثقافة التحوصل ومعاداة الآخر الفلسطيني قد غرست في أذهان أجيال البنيات الاجتماعية المؤيدة لهذا وذاك، فباتت تلك البنيات تعج بالمناصرين والمؤيدين لأطراف الخصومة من أبناء الجلدة الواحدة مما أفسح المجال للاحتلال من تعجيل خطوات الفتك بمشروعه التوسعي.
من المعروف أن الشعوب تتشكل تبعا لما يطرأ عليها من أحداث وفقا لما يقوله الانثروبولوجيون وعلماء الاجتماع، أي أن الماهية الفلسطينية وما امتلكت من قيم وطنية قد أصبحت موضع تأويل واجتهاد بعد أن كانت يقينيا تمثل فيما مطلقة لا نسبية.
الإرباك القيمي أدى إلى نفور الفلسطيني من محور قضاياه الأساسية بل وشعوره بالاغتراب عنها بعد أن فقد ثقته بالمؤسسات الشكلية التي لم تنتج سوى الفشل والتهاوي.