هل قام الغرب في سبعينيات القرن الماضي بشن حملة دعائية كاذبة، لتشويه صورة زعيم أفريقي، بسبب تمجيده لأدولف هتلر؟، أم بسبب معاداته لليهود وللغرب؟، أم لتمسكه بالدين الإسلامي "بفتاويه وتفسيراته الشخصية"؟، أم لتأييده حركات ثورية عالمية آنذاك؟. وهل أثبت التاريخ أن الرجل كان يحكم بلاده بديكتاتورية وغرابة، حتى وصل عدد ضحاياه إلى نصف مليون مواطن من بلده؟. وكيف تمكّن هذا الطباخ العسكري من الوصول إلى أعلى الرتب العسكرية العليا دون أن يشعر به رؤساؤه، وأن يحكم بلاده منذ العام 1971، لما يقرب من تسع سنوات بالحديد والنار دون حسيب أو رقيب!.
في منتصف تلك السبعينيات عقدت منظمة الوحدة الأفريقية، قمتها الدورية السنوية، في العاصمة الأوغندية كمبالا، التي آلت رئاستها، طبقا للقواعد البرتوكولية، إلى زعيمها الأوحد، الذي لقب نفسه بـ (صاحب السيادة، وقاهر الإمبراطورية البريطانية في أفريقيا عامة وأوغندا خاصة، وملك أسكتلندا!، والفيلد مارشال، وأعظم رئيس دولة في العالم، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأوغندية، ورئيس مجلس الشرطة والسجون، وسيد كل وحوش الأرض وأسماك البحار، والرئيس مدى الحياة، و"الحاج" الدكتور عيدي أمين دادا). وكانت المفاجأة الكبرى لجميع المشاركين من ملوك ورؤساء وضيوف المؤتمر، عندما دخل عيدي أمين، الملقب أيضا بـ"بيغ دادي" أو الأب الأكبر، أمام جميع ممثلي وسائل الإعلام المتلفزة وغيرها، جالسا على كرسي، ككراسي الفراعنة، يحمله أربعة من البريطانيين البيض الأشداء تماما كما كان الأفارقة السود في الماضي يحملون المستعمر الأبيض، في رسالة قصد منها "عيدي أمين"، دغدغة حماس أبناء القارة السوداء، الذين ظلوا لمئات من السنين يحملون على أكتافهم مستعمرهم الأبيض.
ويقال بأن الأصوات منذ تلك اللحظة بدأت ترتفع من هنا وهناك، بأن الرجل "الأٍسود" لا بد وأن يدفع غاليا، عاجلا أم آجلا، ثمن هذه الإهانة للجنس الأبيض كله. ولم يكتف الرجل بإرساله تلك الإشارة إلى الأوروبيين، بل إنه صرح "متهكما" على البريطانيين الذين ظلوا يحتلون بلاده حتى عام 1962، قائلا بأنه سيرسل "الموز إليهم بالطائرات"!.
في الصباح الباكر من يوم 9 آب من العام 1972، أعلن عيدي أمين، أنه سمع صوت الله سبحانه وتعالى في منامه، يقول له:- "إذا أردت يا عيدي أمين إنقاذ أوغندا، فمن الضروري طرد كل الأجانب من البلاد". وعليه، أصدر الرجل أوامره الصارمة فورا، بضرورة مغادرة جميع الهنود والباكستانيين والآسيويين، أوغندا فورا، والذين بلغ عددهم 70 ألفا، مما كان له الأثر المدمر على الاقتصاد الأوغندي كله. وفي العام نفسه، أرسل عيدي أمين، برقية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كتب فيها:- "لقد أرسل أدولف هتلر ستة ملايين يهودي إلى غرف الغاز، لأن اليهود كانوا يقفون ضد مصالح شعوب العالم". ومع أن الرجل كان ينوي نصب تمثال "لهتلر" وسط العاصمة كمبالا، إلا أنه عدل عن ذلك في اللحظة الأخيرة.
اختلطت الحكايات والروايات عن الرجل، ومن أشهرها ما كتبه وزير الخارجية المصري السابق، (والأمين العام للأمم المتحدة لاحقا) السيد بطرس بطرس غالي، الذي وصل كمبالا، حاملا رسالة رسمية من السادات إلى عيدي أمين، الذي قام باصطحاب ضيفه المصري إلى إحدى الاستراحات الرئاسية. ثم طلب أمين من حراسه إدخال الضيف إلى غرفة نومه. وجلس غالي على كرسي مقابل سرير الرئيس الذي طلب من ضيفه أن ينهض ويجلس بجانبه على السرير!. ولكن "غالي" رفض الطلب بلباقة دبلوماسية. وكان سؤال "أمين" الأول لضيفه المصري عن عدد أولاده، وأجاب الضيف، بأن ليس له أولاد أو بنات!، عندها أبدى الرئيس أمين استغرابه الشديد لا سيما أن لديه من الأبناء ما يربو على 50 ابناً. وعلى الفور عرض أمين "وصفته الطبية" على ضيفه للتخلص من هذه المشكلة، وذلك بأن يظل بطرس غالي في الاستراحة الرئاسية لمدة إسبوعين، تخصص له فيها راقصات أوغنديات، اللاتي يعرفن كيف يمددنه بالقوة اللازمة للإنجاب! وكان الرجل جاداً لا يمزح في عرضه. ويقول بطرس غالي، إن الأغرب من الحكاية نفسها، أن وصفة العلاج الرئاسية هذه، اُذيعت رسمياً في نشرات أخبار التلفزة والإذاعة الرسمية ضمن أخبار نشاطات الرئيس اليومية.
الطريف ذكره، أن عيدي أمين، كان قد أرسل إلى الرئيس الأميركي "ريتشارد نيكسون"، وهو في خضم فضيحة "وترغيت"، دعوة للقدوم إلى أوغندا للراحة والاستجمام "ليرتاح من الفضيحة". وفي 1979 اقترح الرجل "نزع كل الأسلحة التقليدية وإبدالها بقنابل ذرية! يتم توزيعها بين جميع الأمم، من أجل ضمان توازن "الرعب النووي"!. ومن الطريف ذكره أيضا، أن عيدي أمين، الذي لجأ إلى السعودية، بعد أن خسر حربه التي شنها على جارته تانزانيا عام 1979، قام بدعوة الرئيس التنزاني جوليوس نيريري، لملاقاته في حلبة الملاكمة من أجل تسوية الخلافات السياسية بين البلدين. وفي العام 1981 خطر في بال الرجل، تنظيم نزال، يواجه فيه بطل العالم في الملاكمة محمد علي كلاي! شريطة إجراء النزال في طرابلس الغرب بليبيا، وأن يكون شقيقه بالدم، الرئيس معمر القذافي هو حكم المباراة، وأن يكون آية الله الخميني هو مقدم الحفل، وياسر عرفات... المدرب!
أما القصة الأكثر غرابة للرجل، فقد حدثت أثناء حرب أكتوبر 1973. ففي خضم المعارك وأثناء انشغال القيادات السياسية والعسكرية العربية بالمعارك الطاحنة، هبطت في مطار الرياض، دون أي سابق إنذار، طائرة الرئيس عيدي أمين، الذي طلب على وجه السرعة، مقابلة الملك فيصل للضرورة القصوى. وما إن بدأ اللقاء، حتى أسَرَ الرجل للملك، بأن لديه خطة جهنمية وغاية في البساطة والذكاء لتدمير إسرائيل!، قائلا إنه تدرب في إسرائيل كمظلي، وهو لذلك يعرف جميع المطارات السرية العسكرية الإسرائيلية!، وأنه على استعداد تام للمشاركة في تنفيذها، وتقضي الخطة الجهنمية بجمع 400 من الطيارين العسكريين العرب، ووضعهم في 4 طائرات نقل عادية، لتحط بهم، بكل هدوء ودون ضجيج، في المطارات العسكرية الإسرائيلية، ثم يتم توزيع الطيارين العرب "بسرعة وبهدوء أيضا"، على كل المطارات العسكرية السرية منها والعلانية!. بعدها يقوم الطيارون العرب بالإقلاع بالطائرات الإسرائيلية وضرب إسرائيل "بهدوء" "قبل أن تفيق من صدمتها"!. وفي اليوم التالي، وصل الرئيس الأوغندي إلى دمشق، ونتيجة لإلحاح الضيف المستمر، استمع الرئيس السوري حافظ الأسد، رغم انشغاله الشديد، إلى خطة التحرير الجهنمية. وما هي إلا دقائق قليلة حتى كانت ضحكات الرئيس الأسد تملأ سماء دمشق.
ترى، ومع استمرار إسرائيل في سلخ ومصادرة وضم الأراضي الفلسطينية، وتهجيرها للسكان الأصليين، وبعد مرور 75 عاما على تأسيس تلك الدولة، هل رسمنا نحن الفلسطينيون، خططا سياسية واقتصادية وثقافية و و... من أجل وقف ومنع استمرار إسرائيل في غطرستها وعدوانيتها، أم أننا ننتظر "خطة جهنمية أخرى لتحرير فلسطين"؟