الحدث- محمد مصطفى
أفرز الفقر والحصار وما صاحبهما من تراجع في فرص العمل، عدداً من المهن الجديدة، معظمها كان اضطرارياً وشاقاً بادر شبان عاطلون لابتكارها، في محاولة للتغلب ولو جزئيا على صعوبات الحياة.
جامعو الخردة
ومن بين المهن التي أنتجها الحصار والفقر، كانت مهنة جمع الخردة، فرغم أنها مهنة شاقة وخطرة، وعائدها المادي قليل، إلا أن عشرات الفتية والشبان امتهنوها.
والى جانب مكب نفايات "صوفا"، الكائن جنوب شرق قطاع غزة، كان يتجول الفتى أحمد عمور، مستقلا عربة يجرها حيوان، باحثاً عن قطع معدنية وخشبية، ليضعها على عربة الكارو.
عمور أكد أن مهنته الحالية بدأ العمل بها قبل عامين، وتكاد تكون هي مصدر دخل العائلة الوحيد، خاصة أن والده وهو المعيل المفترض مريض، وقد فقد عمله منذ اندلاع الانتفاضة الحالية، حيث كان يعمل بناءاً داخل الخط الأخضر.
ولفت إلى أنه يتوجه إلى منزله مساء كل يوم، بعد ملء عربته بـ"الخردة"، ليقوم بفرزها وتصنيفها، ومن ثم عرضها على تجار متخصصين، لبيعها لهم، لقاء مبلغ زهيد من المال.
وأوضح عمور أن عمله الشاق لا يخلو من المخاطر، خاصة بعد العدوان الأخير على القطاع، وامتلاء الأراضي الزراعية بالأجسام الخطرة والمتفجرة، التي قد يخدعه مظهرها، ويظنها خردة ثمينة، ومن ثم تنفجر به، وهذا تكرر كثيراً مع شبان وفتية يعملون في نفس مهنته.
استخراج الطوب والحديد
وافرز العدوان الأخير، وما نجم عنه من هدم لعشرات المنازل، مهنة أكثر مشقة وتعب، إذا وجد شبان عاطلون عن العمل في ركام المنازل المدمرة ساحة عمل، يمكن من خلالها توفير مصدر دخل.
ويقول الشاب عماد يوسف، وكان يمسك بيده مطرقة كبيرة: " نتوجه إلى المنازل التي سويت بالأرض، ونبحث عن طوب صحيح لم يكسر، ونقوم بجمعه، لبيعه لاحقاً، خاصة في ظل أزمة مواد البناء في قطاع غزة، وتوقف معظم مصانع الطوب عن العمل.
وأوضح أنهم يبحثون عن الكتل الخرسانية، ليقوموا بتحطيمها بواسطة مطرقة يدوية كبيرة، لاستخراج قضبان الحديد من داخلها، ومن ثم بيع القضبان لاحقاً.
وأكد يوسف أن عملهم الشاق والخطر، هو امتداد طبيعي لعمل مماثل كانوا امتهنوه لسنوات، حين كانوا يحفرون أنفاق التهريب، وينقلون السلع للقطاع، لكن توقف الأنفاق عن العمل، دفعهم للبحث عن مهنة أخرى.
البحث في بقايا المزارع
والى جانب مهنة جمع الخردة والبحث بين ركام المنازل المدمرة، كانت ثمة مهنة أكثر مشقة وأقل عائداً، لجأ إليها شبان وفتية يقطنون في مناطق ريفية فقيرة، ليس من أجل المال، بقدر حاجتهم لتوفير غذاء مجاني لأفراد عائلاتهم.
وتتمثل تلك المهنة، في توجه هؤلاء الشبان لأراض زراعية انتهى ملاكها من جني المحصول بها، من أجل البحث عن بقايا ثمار، قد يكون نسيها العمال، أو لازالت مدفونا تحت الأرض.
ويقول الشقيقان إبراهيم وإسماعيل نصر، من سكان شرق رفح، إنهما كانا ينتظران انتهاء العمال من جني محصول البطاطا في إحدى مزارع شرق رفح، وفور الانتهاء من ذلك، وإعطاء صاحب الأرض لهم الإذن بالدخول، توجها برفقة عدد كبير من الشبان والفتية، وحتى النساء للبحث عن بقايا البطاطا.
وأوضح نصر أنهما يستعينان بفأس صغيرة، وبنبشان الأرض للبحث عن ثمار البطاطا، التي غالباً إما تكون صغيرة، أو مقطعة بسبب فئوس العمال.
وأكد نصر أنهما استطاعا ملء دلوين من البطاطا، ونقلاها إلى منزلهما، حيث قامت والدتهما بقلي جزء منها لوجبة الغذاء، والاحتفاظ بجزء آخر لتناوله في أيام مقبلة.
ولم تكن المهن الثلاثة المذكورة ووحدها التي افرزها الحصار، فقد خلقت الأوضاع الاقتصادية المتردية مهن مشابهة، مثل الباعة المتجولين، أو النساء العاملات، حيث تقوم نسوة بتطريز ملابس وصنع معجنات داخل منازلهن، لبيعها وتوفير دخل للأسر، وكذلك العمل في نقل شوالات الدقيق داخل مراكز توزيع المساعدات التابعة لوكالة الغوث الدولية "أونروا".