الخميس  21 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المنسق ومشروع الأناناس

2020-06-01 03:24:11 PM
المنسق ومشروع الأناناس
رولا سرحان

 

خلال الأيام القليلة الماضية نشطت حملة توعية عبر الفيسبوك تحت وسم "#يا_عندي_يا_عند_المنسق" والهادفة إلى إلغاء الإعجاب“like”  بصفحة "المنسق"، والتي وصلت إلى ما يقارب نحو 600,000 إعجاب منذ إنشائها باللغة العربية بتاريخ 28-3-2016. وكي نتمكن من وضع الأمور في نصابها، لا بُدَّ بدايةً من التأكيد على أن عالم الأرقام هو العالمُ المسيطرُ، والذي في ذات الوقت لا يعني شيئا، في ظل العلاقات غير المتكافئة أساساً؛ فعندما تكون العلاقة محكومةً باختلال موازين القوى الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، تكونُ الغَلبةُ دائماً للطرف الأقوى، القادرِ على فرضِ معادلات الأرقام وحساباتها الدقيقة. وإذا ما كانت تلك الموازنين المختلةُ طبيعتها استعمارية، تُصبحُ قيمةُ الأرقام قيمةً فوقية مضاعفة الأهمية بالنسبة للمستعمِرِ، لأنه يقيسُ بها فوقيَّته على المُستعمَرِ، ويزنُ بها إنجازاتهِ. كما ويكونُ ضمانُ استمرارية الأرقام في حالتها التصاعدية لصالحه أمراً مركزياً، مرتبطٌ اضطرادياً بمقياس وجوده، لذلك تنعكسُ حالةُ الأرقام على شكل العلاقة العامودية مع مُستعمِرهِ فنجدُه مستمرٌ بشكل يومي ودوري بزيادةِ عدد الأسرى الذين في قبضته، وفي زيادة عدد الشهداء في مرمى بندقيته، وفي زيادة عدد الأراضي المصادرة تحت قدمه، وزيادة عدد المنازلِ المدمرة بفعل يده، وزيادةِ عدد المواطنين الأصلانيين المهجرين منذ استعماره.

وتتجسد الرقمنة "الأجملُ"، من منظور المستعمرِ لشكل العلاقة مع المستَعمَر، في مشهدية "مقابر الأرقام"، التي يُتحول فيها الرقم إلى رمز سالبٍ، يسلبُ القبرَ من اسم صاحبه، ويسلبُ الأهلَ الأصلانيين من صاحب القبرِ، فيكون الرقم إحالةً إلى الفراغ، وإلى اللا ارتباط ما بين ما هو حقيقي وما هو مشكوك في إمكانية أن يكون حقيقياً ضمن المثلث الهندسي "القبر والرقم والاسم". حيث تكون قمة الهرم هي الرقم، الذي يشكل حلقة وسطى ما بين القبر والاسم، أي ما بين الوجود وعدمه وفي علاقةِ الحقيقةِ بواقعها، لتبدأ حلقة مفرغةٌ من التأويل على التأويل، والتي هي الطريقة التي تتم بها هندسة العلاقة الرقمية ما بين المُستَعمِر والمُستَعمَر.

لكن، ما يصعبُ على كل احتلالٍ وعلى كلِ استعمارٍ فهمهُ أن القضايا العادلة لا تُقاسُ بالأرقام، وما يُشكل إنجازاتِ استمرارٍ للمستعمِرِ، هي نفسها ما يكتُبُ عنها التاريخ بأنها تضحياتٌ وطنية. لذلك، فإن بداهةَ الذاكرة تحيلُ إلى أنه وبعد استعمار فرنسا للجزائر لأكثر من 100 عام من الاستعمار وبعد مليون شهيد كانت النتيجةُ أن تم طردُ المُستعمرِ، تماماً مثلما تم طردُ نظام الفصل العنصري من جنوبِ أفريقيا إلى قاعِ التاريخ.

حتى بمقياس النسبة والتناسب فإن لغة الأرقام لا تعني شيئاً فعلياً، فـرقم 600,000 فلسطيني، والذي هو سبب في ابتهاج قلبِ المُنسِّق، هو رقم غير تمثيلي للفلسطينيين ولحقيقتهم، فعدد الفلسطينيين البالغ 12 مليون، والذين يتوزع منهم 5 مليون في الأرض الفلسطينية وحوالي 1.6 مليون داخل فلسطين التاريخية، وما يقارب 5,986 مليون في الدول العربية ونحو 727 ألف في الدول الأجنبية هو رقم الفلسطينيين الذين هُجروا وطردوا أو صمدوا في أرضهم التاريخية أو ما بعد أوسلو، بالتالي لا يعكس رقم 600,000 سوى حقيقة تلك الشريحة البائسة الموجودة في كل شعوب الأرض التي تتعاطى مع الاحتلال بنظرة إعجاب وصفها مالك بن نبي بأنهم فئة لديها "القابلية للاستعمار" لأنها على حد قول ابن خلدون تنطلق من قاعدة "ولعِ المغلوبِ بالغالب". وهم الفئة التي لا يُغفلُ عنها لأنها الفئة الأضعفُ دائماً لكنها المستعدةُ أيضاً على تطبيعِ التطبيع، واعتبار الضغط على زر الإعجاب أو المشاركة أو التفاعل مع صفحة المنسق أمراً طبيعياً.

إن المنسق والمنظومة الأمنية والإعلامية المساندة له، بمن فيهم الأشخاص المعجبون بصفحة المنسق هم مثل مشروع الأناناس الذي يروج له المنسق عبر صفحته بأنه مشروع آخذٌ في التوسع خارج بيئته الاستوائية، لكن ما لا يعرفه، أن الإناء البلاستيكي الذي يُزرعُ فيه الأناناس يظلُ إناء ويظلُ محصوراً.