الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سيدة البيت الأبيض… آنسة!/ بقلم: د. سامر العاصي

2020-06-02 12:00:21 AM
سيدة البيت الأبيض… آنسة!/ بقلم: د. سامر العاصي
د. سامر العاصي

 

لم يخفِ الرئيس الامريكي "الخامس عشر"، الأسكتلندي الأصل، السيد جيمس بوكانان James Buchanan  1857-1861، طموحه الشخصي، بأن تكون مرتبته التاريخية، كمرتبة الرئيس المؤسس، جورج واشنطن، ومع ذلك، دخل الرجل تاريخ بلاده بعلامتين لم يسبقه أو يلحق به، أي من رؤساء أمريكا.

انضم جيمس، في العام 1817، وهو في سن 26، إلى الحركة الماسونية، حتى أنه صار رئيسا للمحفل الماسوني في مدينة لانكستر بولاية بنسلفانيا، قبل أن يصير بعدها نائبا لأستاذها الأكبر في الولاية نفسها. يذكر أن 14 رئيسا أمريكيا، كانوا أعضاء فعالين في المحافل الماسونية الأمريكية، كان جورج واشنطن أولهم، وجيرالد فورد آخرهم.

ومع أن الرجل عمل لمدة عام ونصف العام، سفيرا لبلاده في روسيا الإمبراطورية 1832-1833، إلا أنه كان آخر وزير خارجية أميركي 1845-1849، استطاع الوصول بعد ثمانية أعوام، إلى منصب الرئيس، قبل أن يختاره الرئيس الرابع عشر للولايات المتحدة ، السيد فرانكلين بيرس، سفيرا إلى بريطانيا.

اصطحب بوكانان معه إلى لندن ابنة شقيقته، الآنسة "لين هارييت Harriet Lane"، التي توفي والداها وهي صغيرة، ليتولى جيمس تربيتها، أحسن تربية. وأثارت "لين" إعجاب البلاط الملكي البريطاني، برقتها وجمالها وثقافتها، عندما رافقت خالها السفير عام 1854، إلى قصر بيكنجهام، لتقديم أوراق اعتماده للملكة "اليزابيث"، التي خاطبتها كما تخاطب زوجات السفراء"، قائلة لها:- "عزيزتي الآنسة لين"!. 

وأصبحت "لين" من أكثر "غير البريطانيات" المقربات إلى الملكة اليزابيث. وذاع صيت الآنسة الأمريكية، في العاصمة البريطانية، وصار الجميع يتحدث عن ذكائها ولباقتها وجمالها، وازداد عدد المعجبين والخاطبين، حتى أن المدعي العام لرئيس الوزراء البريطاني، تقدم بطلب الزواج منها. ويقال بأن الملكة فيكتوريا كانت من أشد المتحمسين لإبقاء "لين" في بريطانيا.

ومع نجاح خالها في الانتخابات الرئاسية عام 1857، وانتقاله للعيش في البيت الأبيض، انتقلت "لين" معه لتعمل موظفة هناك. وسرعان ما صارت الموظفة الجميلة هذه، حديث سكان العاصمة، الذين أحبوها لذكائها وأناقتها وجرأتها في إدارة شؤون البيت الرئاسي. ومنذ اليوم الأول، بدأت لين، بتحديث سلوكيات البيت الأبيض، مستخدمة قربها من الرئيس لتعزيز القضايا الاجتماعية، مثل تحسين الظروف المعيشية للأمريكيين الفقراء والمهاجرين الجدد والهنود الحمر، الذين أحبوها وقاموا بإطلاق اسمها على كل المولودات في تلك السنوات. ولأول مرة، بدأ البيت الأبيض بدعوة الأدباء والعلماء والفنانين والموسيقيين وأصحاب دور الأزياء إلى الحفلات الأسبوعية والمناسبات الرسمية في البيت الأبيض. كما أنها كانت أول من وضع وبعناية خاصة، ترتيبات جلوس الضيوف في حفلات العشاء الرسمية، وإعطاء الشخصيات البارزة مقاعدهم المناسبة. ومن الجدير ذكره، أن ترتيبات جلوس الخصوم السياسيين في حفلات ومناسبات البيت الأبيض ما زال يُعمل بها حتى اليوم.

وكانت "الآنسة لين"، هي أول من وضع على أُذنيها الأقراط الكبيرة، وأول من وضع "الحزام العريض" على الخصر، لتصبح موضة العصر في أمريكا آنذاك. كما أنها كانت أول من خفضت خط العنق في ثوبها حتى ظهر جمال رقبتها. وصارت سيدات المجتمع في واشنطن يقلدنها في تسريحات شعرها وأنماط ملابسها، وصار الآباء والأمهات يسمون بناتهم باسم "لين"، الذي صار الاسم الأكثر شيوعا في أمريكا. وتم تخصيص أغنية اسمها، استمع إلى الطائر المحاكي "Listen to the Mockingbird، التي تقول كلماتها:-

  • اسمع إلى البلبل… اسمع إلى هارييت (لين)... وانتهز الفرصة وعانق من تحب.... ها هي هارييت قادمة إليك… أدعو الله أن تكون هارييت من نصيبك، حتى لو أن البيت الأبيض كله لن يكون لك… إنها هارييت!. 

ولأن الرئيس بوكانان، ظل عازبا طيلة حياته، وعاش دون خليلة أو عشيقة بعد فشله في قصتي حب في شبابه، فقد أطلق سكان واشنطن على الآنسة "لين"، لقب "سيدة البيت الأبيض". ومن الجدير ذكره، أنه وبعد وفاة "الآنسة لين"، تم تسمية أحد اليخوت الرئاسية الأميركية باسمها، الذي ما زال في الخدمة حتى اليوم.

وهكذا، دخل الرئيس جيمس بوكانان التاريخ الأميركي بعلامتين مميزتين، الأولى، بأنه "العازب" الوحيد الذي صار رئيسا للولايات المتحدة الامريكية وظل حتى نهاية فترة رئاسته دون خليلة أو عشيقة، والثانية، أن البيت الأبيض لم يخلُ من سيدته، حتى وإن كانت… آنسة!.

وفي استطلاعات عديدة جرت في العام 2006، أجمع المؤرخون الأمريكيون، بأن الفترة الرئاسية لهذا الرجل، كانت أسوأ فترة في تاريخ كل الرؤساء الأمريكيين.

الغريب أن جيمس بوكانان، عاد ليدخل التاريخ مرة أخرى منذ سنوات قليلة، كأشهر رئيس عازب فقط، وذلك بعد أن انتزع منه الرئيس الحالي "دونالد ترامب"، وبجدارة فائقة وبشهادة كل المؤرخين والسياسيين وشعوب الكرة الأرضية، تلك الصفة، بأنه "أسوأ رئيس أمريكي في التاريخ"، رغم أن زوجته هي ملكة جمال كل زوجات الرؤساء، وسيدة "بيته الأبيض".